مقدمة الطبعة الثانية لكتاب الاجتماع الديني الشيعي

Last Updated: 2024/06/18By

مقدمة الطبعة الثانية لكتاب “الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع”،

تأليف: د. علي المؤمن

بعد صدور الطبعة الأُولى من الكتاب، والاهتمام الاستثنائي الذي حظي به؛ تساءل كثير من المهتمين: لماذا «الاجتماع الديني الشيعي» في هذا التوقيت؟

الحقيقة؛ أن دوافع اختياري موضوع «الاجتماع الديني الشيعي» لاعلاقة له بعامل الوقت؛ فهو مشروع بحثي شامل بدأ اهتمامي به منذ أكثر من عقدين، لكن اختيار العنوان من الناحية الموضوعية يرتبط بالضبابية التي تكتنف «النظام الاجتماع الديني الشيعي» العالمي، واللغط الكثير، حتى في الأوساط الأكاديمية، حول فهم الاجتماع الديني الشيعي، وفهم مجتمع المذهب الشيعي؛ فكثير من المراقبين والأكاديميين والإعلاميين والسياسيين، لا يفرّقون بين المذهب وبين مجتمع المذهب، أي بين المذهب الشيعي، الذي هو التشيع، الذي يمثّل العقيدة والفقه، وبين الشيعة الذين هم مجتمع المذهب، أي الطائفة. كما أن هناك عدم معرفة بمكوّنات وعناصر وسياقات حركة «النظام الاجتماع الديني الشيعي» الذي هو موضوع «علم الاجتماع الديني الشيعي»، ولكن؛ يبقى هناك دافع زمني يرتبط بالتحولات الكبيرة التي يشهدها الاجتماع الديني الشيعي منذ بديات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وقد كرّست التحولات الجديدة الخلط القديم، وأدت إلى ظهور كثير من المعلومات الخاطئة والاستنتاجات الخاطئة، وإلى الإسقاطات الخاطئة، سواء بشكل متعمد أو من منطلق الجهل، وصولاً إلى التعاطي الخاطئ مع الاجتماع الديني الشيعي ومع مكوّنات النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهذا ينسحب أيضاً على فهم منظومة المرجعية الدينية التي تقف على رأس هذا النظام، وفهم عناصرها، مثل الحوزة العلمية والمؤسسات الرديفة وحركة المال الشرعي وشبكة الوكلاء المنتشرين في العالم، فضلاً عن الهوية الشيعية وعناصرها، وعلاقة الهوية الوطنية بالهوية العالمية الشيعية. ويتسبب عدم فهم هذه القضايا فهماً موضوعياً دقيقاً، في تحويلها الى إشكاليات في الأوساط البحثية والأكاديمية والإعلامية. لذلك؛ وجدت من الضروري جداً أن نقارب هذه الموضوعات ونكشف عن حقائقها الخاصة وتفاصيلها، ونغوص في أعماق النظام الاجتماعي الديني الشيعي، لكي نقدّم صورة واضحة وتحليلاً دقيقة عن كل ذلك.

وموضوع «الاجتماع الديني الشيعي» موضوع قديم، و«النظام الاجتماعي الديني الشيعي» عمره أكثر من (1350) سنة، وقد أسسه الإمام علي في يوم السقيفة، ليكون موازياً للاجتماع السياسي الرسمي أو اجتماع السلطة، ثم أُعيد تأسيسه في عصر الغيبة على يد نائب الإمام المهدي الشيخ عثمان بن سعيد العمري، وتبلور تدريجياً على يد الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى، وصولاً الى الشيخ أبي جعفر الطوسي بعد انتقاله الى النجف، الذي أولى عملية مأسسة النظام الشيعي ومنظومة المرجعية والحوزة أهمية أساسية، كما نشر الوكلاء في كل أنحاء العالم، وتحديداً في مناطق التواجد الشيعي، وأسس الحوزات العلمية الفرعية، ونظّم بيت المال الشيعي تنظيماً دقيقاً. ثم أخذ هذا النظام يتطور شكلاً ومضموناً حتى العصر الحاضر، وخاصة بعد العام 1979، حيث بات الاجتماع الديني الشيعي حقيقة عالمية واسعة متنامية، وبما ينسجم مع القواعد الفكرية والعقدية للمذهب الشيعي ولمدرسة أهل البيت.

وكتاب «الاجتماع الديني الشيعي» جزء من مشروع أشمل في الاجتماع الديني الشيعي، وهي محاولة بحثية منهجية علمية لإعادة اكتشاف «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، وتقديم صورة وصفية تحليلية عن هذا النظام، للمهتم الشيعي والمهتم غير الشيعي. وهنا ينبغي الإشارة الى أهمية من يكتب من داخل هذا النظام وبمنهجية لصيقة بموضوع البحث، مقابل من يكتب من خارجه أو من يكتب بلغة مخاصمة أو بمنهج غريب عن الموضوع؛ فهناك محاولات بحثية استكشافية كثيرة، سواء من قبل مستشرقين وباحثين اوروبيين وأمريكان، أو من قبل أكاديميين وباحثين عرب ومسلمين غير شيعة، بل وحتى باحثين شيعة يكتبون وفق قواعد المناهج الغربية في علم الاجتماع والانثروبولوجيا، وقد ظهرت في كتاباتهم الكثير من الأخطاء المعلوماتية والاصطلاحية والتفسيرية، والتخبط في المصطلحات والمفاهيم والأدبيات، فضلاً عن الخلط بين المذهب ومجتمع المذهب، فضلاً عن الانحياز ضد الاجتماع الشيعي وغير الموضوعية.

ولاشك أنّ الباحث المنتمي إلى الاجتماع الشيعي ونظامه وعناصره وسياقاته؛ فإنه يتحمل مسئولية كبيرة؛ لأنه يجب أن يكون دقيقاً جداً في توصيف هذا الاجتماع وفي التنظير له وفي توصيف عناصره وهيكلية نظامه وتحليل حراكاته وعمله واكتشاف حاجاته، بما يتناسب ومتطلبات العصر، مع الاحتفاظ بالأُصول العقدية والفقهية، واستشراف مستقبله، أي بمعنى الكتابة والبحث والدراسة بكثير من الحذر والحساسية والتدقيق، والتي تقتضي المراجعة المكررة لكل معلومة وكل تحليل، الى جانب الاستعانة بالمصادر الأصلية وبمن هم أكثر تخصصاً في بعض المجالات. كما نشرت فصول الكتاب قبل طباعته بصورة مقالات ودراسات، إضافة الى إرسال نسخ من الكتاب قبل طباعته إلى ثلاثين فقيهاً ومفكراً وأكاديمياً في مختلف الاختصاصات، كعلم الاجتماع والنظم والقانون الدستوري، واستفدت من الملاحظات التي وصلتني من بعضهم. وبرغم ذلك؛ فإن هذا الكتاب يبقى محاولة في طريق التأسيس لعلم الاجتماع الديني الشيعي أو المدخل الى التأسيس.

والحقيقة أن الاهتمام الكبير الذي حظي به الكتاب بعد صدوره، لم يكن متوقعاً، وشكّل مفاجاة؛ فقد كتب عنه عشرات الباحثين والأكاديميين وعلماء الدين والكتّاب من بلدان عديدة، كما تناوله عدد من الندوات والمحاضرات والمقابلات التلفزيونية، وكان جزءاً من هذا الاهتمام صدور كتاب «الاجتماع الشيعي وإشكاليات الهوية في فكر الدكتور علي المؤمن»، الذي أعدته الباحثة العراقية الدكتورة أمل الأسدي، واحتوى على (19) دراسة بقلم أكاديميين وعلماء دين وباحثين من سبعة بلدان عربية وإسلامية.

والله من وراء القصد

                                     علي المؤمن

شباط/ فبراير 2023م

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment