مشاركة الأٌستاذ علي المؤمن في ندوة وحدة النظام الإسلامي في الفقه الشرعي

Last Updated: 2024/06/21By

مشاركة الأٌستاذ علي المؤمن في ندوة وحدة النظام الإسلامي في الفقه الشرعي

مجلة الوحدة الإسلامية (اللبنانية)، 2003

أقام مركز دراسات الوحدة الإسلامية في تجمع العلماء المسلمين في لبنان ندوة تحت عنوان )(وحدة النظام الإسلامي في الفقه الشرعي((؛ حيث قدم الشيخ الدكتور عبد الله حلاق مدير مركز دراسات الوحدة الإسلامية للندوة بقوله: لقد علم الغرب والشرق ومن ورائهم اليهود بأن الإسلام هو روح هذه الأمة ولهذا فقد تعاونوا جميعاً من أجل إبعاد الأمة عن إسلامها على صعيد العقيدة والفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق… وانتقلوا بها بحركة (بهلوانية) فكرية وسياسية في بداية القرن الماضي بعيداً عن الإسلام. ولما أن فشلت الطروحات السابقة الفكرية والسياسية في إيجاد الحلول لمشاكل الأمة الإسلامية، تقدم الإسلاميون الذين (ضُيّق) عليهم فكرياً وسياسياً وثقافياً في المراحل السابقة. تقدموا ليقولوا للأمة بعد هذه التجارب المرة.، بأن الترياق هو في الإسلام. فإذا أردتم وحدة العقيدة والفكر فهي في الإسلام، وإذا أردتم النظام الاقتصادي الصحيح فهو في الإسلام، وإذا سعيتم إلى وحدة الهدف فهوفي الإسلام، وإذا سعيتم إلى تحرير الأرض والمقدسات فالجهاد في سبيل الله هو الطريق لذلك، وإذا عملتم من اجل إعادة شخصية وأخلاق الأمة من جديد فإن الإسلام هو الكفيل بذلك، وإلا ستبقى الأمة تعاني من ضياع فكري، وفرقة سياسية، وتخبط اقتصادي، وارتهان سياسي للشرق والغرب، وخضوع لليهود وشروطهم.

ثم قدم الشيخ مالك وهبي بحثه تحت عنوان (ولاية الفقيه مفهوم وأحكام) مبيناً أساس اجتهاد ولاية الفقيه في الفقه الجعفري، قائلاً: أثار انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني(قده) تساؤلات جمة حول مبدأ ولاية الفقيه، أحدها: هل أن هذه النظرية من بدائع الإمام الخميني (قده) أم أنها فكرة قديمة في التاريخ الفقهي الجعفري؟ .. ولم يكن هذا التساؤل مختصاً بالمفكرين والباحثين في الساحة الثقافية العامة، بل طرحه أيضاً جملة من طلاب العلوم الدينية.. وفي الجواب عن هذا السؤال نجد عدة اتجاهات:

الاتجاه الأول: إن هذه النظرية لم تكن معروفة لدى العلماء الأقدمين، وإنما هي من إنتاج العلامة النراقي الذي فصل فيها في كتابه عوائد الأيام، وفي أحسن التقادير هي من نتائج المحقق الكركي صاحب جامع المقاصد، وقبل ذلك لا نجد مظاهر تدل على القبول بهذه النظرية أو مناقشتها. ثم إن الذين بحثوا في هذه النظرية لاحقا قد انكروها ولم يوافقوا على ما يدعى كونه أدلة عليها.

الاتجاه الثاني: إنها نظرية مطروحة سابقا إلا أن المشهور بين العلماء السابقين واللاحقين إنكارها، إلا ما يتعلق بمجالات محددة مثل الولاية على القصَّر والأيتام والخمس.
الاتجاه الثالث: انها نظرية مطروحة سابقا والمشهور بين العلماء السابقين واللاحقين القبول بها، بل هو محل وفاق بينهم لولا ما ظهر في عصرنا الحالي من تردد لدى بعض المفكرين الشيعة، وإنما اختلفوا في دائرة الصلاحيات الممنوحة للفقيه في هذه الولاية. إلا أن ما اتفقوا فيه يكفي لكي يستند الفقيه إليه كي يدير شؤون الأمة في مجالاتها المختلفة: سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وامنياً.

والذي نعتقده إن الاتجاه الثالث هو الاتجاه الصحيح وان كلا الاتجاهين الكافي في معرفة آراء العلماء ولا في معرفة المصطلحات المتداولة في هذه القضية الدالة على مضمون الولاية. ولقد دلنا البحث المعمق على عدم صحة ما ينسب إلى كثير من علمائنا من القول بإنكار الولاية، بمن فيهم الشيخ الأنصاري والسيد الخوئي وآخرون.
ثم يبين فضيلة الشيخ مالك وهبي بأن المرجعية والولاية لم تنفصلا أبدا عبر التاريخ بقوله: إن مراجعة لحياة علمائنا وتاريخ المرجعية تؤكد لنا انه لم تكن المسألة في المرجعية منفصلة تاريخيا عن مسألة الولاية وان المرجع كان يتم اختياره على ضوء شروط لا يقتصر شأنها على ما يتداول الآن من شروط للمرجعية، بل نجد أن من الشروط التي كانت مطروحة عنصر الكفاءة في الشخصية على مستوى قيادة الساحة. وعلى هذا الأساس كان الشيخ المفيد هو زعيم الشيعة ومرجعهم وعلى هذا الأساس أيضا انتقلت الزعامة للسيد المرتضى ومن بعده للشيخ الطوسي، فلم يكن تمام المناط الجانب الفقهي بل كان هو بالاضافة إلى القدرة على التصدي لحاجات الساحة. ولم يكن عبثا أن يكون اللقب الذي يحمله المرجع زعيم الحوزة العلمية، فلو كانت المرجعية في المرتكز لا غير لم يكن هناك أي مبرر لاستعمال مصطلح الزعامة. ومن هنا نجد أيضاً أنهم عندما يبحثون عن قضية العدالة في المرجع يستدلون على ذلك، من جملة أدلتهم، بأن المرجعية إمامة فإذا كانت العدالة شرطا في إمام الصلاة فبالأولى أن تكون شرطاً في المرجعية، وهذا الدليل لا قيمة له بناء على المعنى المتداول حاليا من المرجعية، إلا إذا ربطناها بالولاية.

ويشير أخيراً إلى أن مسألة ولاية الفقيه هي اجتهاد يلتقي فيه فقهاء الأمة من شيعة وسنة بقوله: واشتراط الفقاهة والاجتهاد في الحاكم ليس من مختصات المذهب الإمامي بل هو منقول عن عدد من فقهاء أهل السنة مثل الماوردي في الأحكام السلطانية والقاضي أپي يعلى الفراء في كتاب الأحكام السلطانية والباقلاني في التمهيد وعضد الدين الايجي في المواقف، وأيده الشريف الجرجاني في شرحه له والنووي في كتاب المنهاج وآخرون غيرهم.

ثم قدم الشيخ مصطفى ملص بحثه تحت عنوان (نظام الشورى فقه وأحكام)، مبيناً ضرورة العودة إلى كتاب الله عزوجل وسنة رسوله الكريم في كل جانب من جوانب حياة الامة والجانب السياسي على وجه الخصوص، حيث قال: إن الحديث عن الشورى والحرية والمساواة وغيرها من حقوق الإنسان لا يأتي في سياق البحث بدافع ذاتي، من أجل تأصيل الموقف الإسلامي من هذه القضايا.. أن الزمن يسابقنا كأمة، ونحن لا نحاول اللحاق به وإنما تبدو الصورة كأننا نخضع لعوامل الدفع والجذب أكثر من انطلاقنا من عامل الإرادة الذاتية.

فمنذ صار تفوق الغرب ملحوظاً على العالم الإسلامي، ومنذ أن أصبح انهيار النظام السياسي القائم على الأسس القديمة الاستبدادية حقيقة لا جدال فيها، ظهر عدد من المفكرين الإسلاميين الذين عملوا من خلال كتاباتهم وأفكارهم المنشورة على توجيه الأضواء إلى القيم والمبادئ التي اعتقدوا أنها السبب في تفوق العالم الغربي، وكذلك على عوامل القوة التي أكسبت النظام السياسي الغربي – الليبرالي – مميزاته مثل الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والمشاركة في السلطة، وغيرها من العناوين والمبادئ، وبيان أن كل تلك القيم والمبادئ موجودة في الإسلام، وأنها لا تتعارض مع تعاليمه وأحكامه وأسسه الإيمانية، بل إن الإسلام قد طرح أكثر هذه القيم والمبادئ ودعا إليها ومارسها الرسول(ص) ، وأن فترة الخلافة الراشدة تمثل المرحلة الأكثر إشراقاً في ذلك، وحدد أن الأسباب التي أدت إلى ما عليه حال الأمة وحال نظامها السياسي من ضعف او انهيار، سببه الاستبداد وما يترافق معه من فساد وإفساد، إنما هي غريبة عن الإسلام وتعاليمه واخلاقه.

ثم أكد الشيخ ملص على دور الإسلام في نهضة هذه الأمة من جديد بقوله: فإن الإسلام كنص إلهي المصدر يختزن طاقة محركة هائلة، ولكي تفعل هذه الطاقة فعلها، ولكي يظهر أثرها لابد لها من الاتصال بالعنصر الآخر، ألا وهو الإنسان.. وعلى هذا الأساس يعطي صورة جديدة. وفي الحقيقة أن الصورة التي وصلتنا عن الإسلام يمتزج فيها الإلهي بالبشري، وقد بلغ هذا الامتزاج حداً لم يعد بإمكان الكثير من الناس أن يميزوا بين ما هو إلهي وما هو بشري.. وبما أن الإلهي مقدس فقد سرت القداسة لتشمل البشري، وبدل أن يعرف الرجال بالحق، صار الحق يعرف بالرجال.. وهكذا أقفلت الأمة على ذاتها في ماضيها، وانتشر القول بالتبديع حتى غدا سيفاً مسلطاً على كل شخص أتى بأمر لم يكن عليه السلف الصالح.

ثم تحدث الشيخ ملص عن الشورى وأهميتها بقوله: إن الشورى هي فطرة إنسانية سليمة واجبة في النظام السياسي الإسلامي، ولم يحدد الإسلام آليةمعينة للشورى وترك للأمة أمر اختيار الآلية المناسبة. ولابد أن تكون الشورى ملزمة لمن يملك قرار التنفيذ سواء أكان خليفة أو حاكماً أو أميرا، وكذلك لابد من ايجاد الهيئات الشوروية في المجتمع الإسلامي؛ بحيث تكون معبرة عن الأمة بأسرها.. لقد ظل الفردفي الفكر السياسي الإسلامي عنصر الارتكاز الأول في السلطة، والجماعة، حتى وإن كانت هي التي أوصلت الفرد إلى سدة الحكم، لا تلبث أن تتحول إلى تابع له بحيث يصبح هو المركز، وهو الرمز، وهو الهدف من أجل ذلك ما زلنا حتى اليوم لا نعرف سبيلاً للخروج من دائرته.

وعن معنى الشورى في المصطلح قال: (والشورى كما قال الراغب الأصفهاني هي: استنباط المرء رأي غيره فيما يعرض له من الأمور والمشكلات، ويكون ذلك في الجهة التي يتردد فيها بين فعلها وتركها، ويتبين لنا من خلال التعريف الاصطلاحي.. أن هذا التعريف قد تأسس على مفهوم (الأمر) أي الحكم كما هو متعارف عليه اليوم يعود إلى فرد بيده القرار، وبإمكانه التنفيذ أو عدم التنفيذ..وأرى أنه لابد من إعادة النظر في هذا الموضوع، حيث يرى الإمام محمد عبده (بأن يكون القرار من حق الأكثرية لأن رأي الواحد ليس مثل رأي الكل)، وهذا يعني أن تكون الشورى ملزمة لولي الأمر، وليس له أن يتلكأ في تنفيذها، فإذا عزمت فتوكل على الله، يعني بعد الخروج بنتيجة الشورى لايجوز التردد إطلاقاً بالتنفيذ.

وطرح الأستاذ علي المؤمن في بحثه (الولاية والشورى والنظام السياسي الإسلامي)؛ متحدثاً عن مدارس الفقه السياسي الإسلامي في التاريخ الإسلامي قائلا: إن ولادة مدرستين فقهيتين سياسيتين منفصلتين في التاريخ الإسلامي، تمت بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) مباشرة، إذ أفرزت الأولى فقه الإمام وأفرزت الأخرى فقه الخلافة. ووصل الفصام بينهما ذروته حين تحولت السلطة السياسية للمسلمين إلى ملكا وراثياً.. وغالباً ما كان الفقه السياسي لمدرسة الخلافة يمثل فقه الحكومة والواقع، والفقه السياسي لمدرسة الإمامة فقه المعارضة والنظرية، ألا إن أتباع مدرسة الإمامة دخلوا في تجارب حكم أيضا منذ أواخر العصر العباسي، وكانت تستعير معظم مفاهيمها في السلطة وأدواتها في الحكم من الفقه السلطاني.

ثم يشير الأستاذ المؤمن إلى عوامل التقارب بين الفقه السياسي السني والفقه السياسي الشيعي (إن انتهاء عصر الإمامة ظاهرياً بغيبة الإمام المهدي(ع)، فتح الباب تدريجيا وببطء عن لقاء ممكن بين الفقه السياسي الشيعي والفقه السياسي السني، حيث يكون الفقيه في مدرسة أهل البيت ولياً على الفتوى والقضاء والحقوق الشرعية والحكم، وهو الفقيه الذي تعود إليه الأمة وترضيه مرجعاً وقائدا لها، باعتباره نائباً للمعصوم، وهو مالا يرفضه الفقه السياسي السني.. إن المواصفات التي تشترطها مدرسة أهل البيت(ع) من خلال الفقه السياسي للجمهورية الإسلامية وقانونها الدستوري فيما يرتبط بولي الأمر (رئيس الدولة وقائد الأمة) في عصر الغيبة لا تختلف عن المواصفات التي يشترطها الفقه السياسي لمدرسة الخلافة، وفي مقدمتها: الاجتهاد والعدالة والكفاءة.. إن أسلوب تنصيب ولي الأمر وعزله لا يختلف بين المدرستين أيضا، كالبيعة العامة (الانتخاب المباشر من قبل الأمة) أو البيعة الخاصة (الانتخاب من قبل أهل الحل والعقد(.

ثم يبين الأستاذ المؤمن الدور العملي الكبير الذي تقوم به الجمهورية الاسلامية الايرانية في التقريب بين المسلمين على مستوى التطبيق الفقهي والفكري السياسي: إن اللقاء بين الفقه السياسي الشيعي والفقه السياسي السني جسده الفقه السياسي التطبيقي للجمهورية الإسلامية.. لقد دخل الفقه السياسي الإسلامي بعد قيام الدولة الإسلامية الحديثة في إيران مرحلة جديدة ميزته عن مراحله السابقة على مستوى المنهج والأفق والتطبيقات ، ولعل من أهم نقاط التمايز في هذا المجال مساحة اللقاء الواسعة التي أوجدها الفقه السياسي للجمهورية الإسلامية في البعد النظري وقانونها الدستوري، وفي البعد التطبيقي مع الفقه السياسي لمدرسة الخلافة، وهو لقاء تاريخي مصيري لا ترقى إلى مستوى إنجازه كل الجهود الارشادية والاعلامية والخطابية التي ظلت مئات السنين تدعو المسلمين الى التعاضد والتكاتف والتعاون وصولاً الى الوحدة لأن انجاز الفقه السياسي للدولة أفرز وحدة على الأرض يعيش المسلمون تفاصيلها.

وعن أهمية الاستفادة من هذه التجربة في الفقه السياسي الإسلامي الحديث ، بعد دراستها، بعيدا عن الحساسيات والأفكار المسبقة، يقول الأُستاذ علي المؤمن: والباحثون الذين درسوا أطروحة الإمام الخميني وتجربة التطبيق التي دخلتها وقفوا على هذه الحقيقة، برغم أن بعض الباحثين السنة كان ينطلق ابتداء من وعي مسبق بأطروحة الإمام الخميني والفقه السياسي الشيعي.. ولكن عندما يتجاوز هذا البعض الموضوعات الكلامية الى الواقع والتجربة في أبعادها التطبيقية، سيدهش بحجم الباب الذي فتحته تجربة الفقه السياسي والقانون الدستوري للجمهورية الإسلامية للتقريب بين مدارس الفقه السياسي، ولا سيما بين مدرسة الإمامة في عصر غيبة الإمام المهدي(ع) ومدرسة الخلافة.. ويعد هذا الموضوع من أبرز وأهم مساحة للتقريب والوحدة بين مذاهب الأمة الإسلامية وشعوبها في الحاضر والمستقبل، وأخصب أرضية تجمعهم في مواجهة التحديات التي تعصف بالمسلمين على جميع الصعد، ومن هنا يستحق هذا الموضوع المزيد من الدراسات والبحوث العلمية المعمقة، التي تساهم في الكشف عنه لكل المسلمين وصولا إلى تطويره وتنميته.

وبعد انتهاء طروحات الباحثين، فتح باب الحوار بينهم وبين الحضور من العلماء والمفكرين.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment