مرحلتنا.. وهدف التحكم بالمستقبل

Last Updated: 2024/06/18By

مرحلتنا.. وهدف التحكم بالمستقبل

(افتتاحية مجلة اتجاهات مستقبلية، العدد الثالث، 1999م)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

تجاوزت الدراسات المستقبلية في دول الشمال أو الدول المتقدمة صناعياً مرحلة التنظير لهذا الحقل المعرفي واكتشاف مناهجه والتعريف به والحديث عن أهميته وضرورته، لأنها مارسته كآلية لاقتحام المجهول القادم، منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، ووقفت عملياً على خطورة إغفاله، ولم تكتف بإقراره مادة تعليمية في الثانويات والجامعات، وبتخصص مئات المؤسسات البحثية لاستخدامه في التحكم والسيطرة المستقبلية، بل حوّلته إلى رأي عام وثقافة اجتماعية يتشبع بها الفرد والأسرة، ويتشبع بها المجتمع بكل ألوانه واختصاصاته، سياسية كانت أم اقتصادية أم فكرية أم مدنية، فضلاً عن الدولة وأجهزتها. وباتت معظم الدراسات الإستراتيجية والخطط الحكومية تضع دعائمها على النتائج التي تخلص إليها الدراسات المستقبلية، حتى باتوا يحسون أنه يعيشون المستقبل.

ولا نبغي في هذه الكلمة عقد مقارنة بين الحقائق التي ميزت عالم الشمال بتبنيه خيار المستقبل، وواقع الدراسات المستقبلية في وسطنا العالم ثالثي أو الجنوبي أو الإسلامي، بالنظر للتباين الشديد في نوعية المراحل التي يعيشها العالمان، ولا سيما بعد أن تنبه عالمنا إلى خيار مرحلته الواقعية، أي خيار العصر وأهمية اقتحامه والعيش في صميمه، وهي خطوة متقدمة بحد ذاتها، وفيها الكثير من الواقعية التي تحتم الانتقال من الماضي أو التاريخ إلى الحاضر أو العصر ثم إلى المستقبل، دون عبور حالم على المراحل، وهي أيضاً المعادلة التي سبق أن أذعن إليها الشمال في العقود الأولى من القرن العشرين، إذ كان هذا العالم ينفض يديه حينها من خيار العصر، بعد أن عاش في صميمه عقوداً طويلة، وبات يفكر بالخروج من قمقم العصر ليتجه نحو المستقبل اتجاهاً علمياً يضمن من خلاله المحافظة على إنجازات العصر، وتحويلها إلى مولدات لإنتاج طاقة اقتحام العصور القادمة، بهدف ضمان التحكم بها عن بعد. وهذا لا يعني أن تبني عالم الشمال لخيار المستقبل ضمن له تجاوز الأزمات التي تعصف به وحل مشكلات إنسانه ومجتمعه، بل إن الخطأ القاتل الذي وقع فيه الشمال والمتمثل في إغفال البعد المعنوي في التطور والاندفاع نحو المستقبل، ثم استحضار آلهة جديدة تحمل عناوين المادة والعلم والتكنولوجيا، أدى إلى هذه الأزمات الحادة في الأخلاق والسلوك الفردي والاجتماعي وفي الثقافة والفكر.

أما عالمنا، فإنه يعيش مرحلة أخرى ـ كما تقدم ـ هي مرحلة التشبث بالعصر وخياراته، وهي مرحلة لا يمكن تجاوزها إلى مرحلة أخرى، إلاّ بعد التسلح بمتطلبات المعركة الجديدة، ونقصد بها معركة المستقبل.

ونرى أن السلاح الأهم في هذه المعركة، على المستوى المعرفي والمنهجي، هو سلاح الدراسات المستقبلية، وذلك يتطلب ـ في مرحلتنا ـ التعرف على هذا الحقل والتنبه لضرورته وأهميته، ثم ممارسته نظرياً، وصولاً إلى هدف ثماره العملية، التي تأخذ فيها الأصول والمبادئ المقدسة موقعها الحقيقي في رسم معالم المستقبل وتحديد شكله ومضمونه.

ومركز دراسات المستقبل يساهم ـ من موقعه ووفقاً لإمكاناته ـ في ممارسة دور التعريف بحقل الدراسات المستقبلية، وخلق وعي إسلامي بالمستقبل، ومحاولة اكتشاف منهج إسلامي مستقل، يمارس من خلاله عملية الاستشراف في إطار الأهداف والغايات الإلهية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment