قهر السلطة في تاريخ المسلمين وتعزيز الطوائف

Last Updated: 2024/06/10By

قهر السلطة في تاريخ المسلمين وتعزيز وجود الطوائف

د. علي المؤمن

السلطة والطائفة: دعامتا حماية العقيدة والمذهب

ترافق ظهور العقائد التفسيرية والفرق والمذاهب الإسلامية، مع التحولات السياسية المتعاقبة والكثيرة في الواقع الإسلامي، وكان كثير من عقائد وأفكار الفرق والمذاهب ينسجم مع حاجة الدولة والسلطة والحكام، ولكن لايمكن القول أن السلطة والسياسة كانت تقف وراءها جميعاً، لأن حاجات الفرد المسلم والمجتمع المسلم للحكم الشرعي والفتوى في الموضوعات المستجدة، والتفسيرات العلمية للنص القرآني والسنني، ومعرفة الرأي الإسلامي في الموضوعات النظرية التي أخذت تظهر باطراد؛ كانت أسباباً مهمة وأساسية في نشوء تلك الفرق والمذاهب.

ولكن؛ دور السياسية والسلطة حيال الفرق والمذاهب التي نشأت نشوءاً طبيعياً وموضوعياً، يأتي في المراحل اللاحقة؛ فإذا كانت العقيدة والمذهب أو أفكارهما ومخرجات حراكهما العلمي تنسجم مع الميول الطائفية والتاريخية للخليفة والحاكم والوالي، وكان مؤسس العقيدة والمذهب مقبولاً أو مقرباً من السلطة؛ فإن الأخيرة تتبنى هذه العقيدة والمذهب وتدافع عنهما وتروجهما، وتضرب الفرق والمذاهب الأخرى، ولا سيما المتعارضة مع عقيدة الدولة ومذهبها. أما إذا كانت العقيدة والمذهب لاينسجمان مع الانتماء الطائفي والتاريخي للخليفة والحاكم، وربما تتسببان نظرياً وميدانياً في زعزعة سلطة الحاكم، كما يعتقد هو، فإنه يحاربهما، وصولاً الى قتل مؤسسيها واجتثاث أتباعهما« لأن أغلب الخلفاء والحكام الذين حكموا دول المسلمين، بدءاً بالامویين والعباسیين والحمدانيين والبویهیين والسلجوقيين والفاطمیين والایوبیين، وانتهاء بالعثمانیين والصفویين، كانوا شبه أُمّيين من الناحية العلمية، وكان جل اهتمامهم الغزوات والتوسع والمؤامرات والحفاظ على سلطاتهم بأي ثمن، فضلاً عن أن تسلطهم على زمام الامور بالوراثة أو الغلبة؛ تجعلهم فاقدين لشروط الحكم الإسلامي الثلاثة: العلم والعدالة والكفاءة.

وحيال ذلك؛ فإن أغلب الخلفاء والحكام المسلمين، كان ينظر الى العقيدة والمذهب نظرة طائفية ــ سياسية ومصلحية، من أجل تسويغ سلوكياته وإضفاء الشرعية على حكمه، ويفرض على المسلمين أن يطلقوا عليه ألقاب أمیر المؤمنین وإمام المسلمین وخلیفة رسول الله، في حين أن هذا الخليفة والحاكم ليس سوى ملك وسلطان وامبراطور، وقد تم تنصيبه بممارسة علمانیة صرفة. بل حتى بعض الخلفاء والحكام والولاة الذين كانوا يحظون بقسط من العلم وآخر من العدالة والكفاءة؛ فإنه كان ـــ غالباً ـــ يمارس التعصب نفسه في الترويج للمذهب الذي يؤمن به، ويضيق على المذاهب والفرق الاخرى. وبالتالي؛ فإن المشلكة ليست في العقيدة والمذهب دائماً، بل في الحاكم الذي يسيء استغلالهما لمصالحه؛ إذ أن كثيراً من العقائد والمذاهب الإسلامية قامت على العلم والمعرفة والظهور الموضوعي، وكان مؤسسيها يتمتعون بالعدالة والتقوى.

وبصرف النظر عن استغلال الحكام والسلاطين المسلمين للمذاهب والفرق الإسلامية، أو إيمانهم بها إيماناً حقيقياً؛ فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها، هي أن السياسة والسلطة كان لهما الدور الأساس في بقاء الفرق والمذاهب الإسلامية ونشرها، أو العكس، بل إن هذه الحقيقة تنسحب على جميع الأفكار والعقائد والأديان، الأرضية والسماوية، الملحدة والمؤمنة، ولا يوجد في التاريخ فكرة انتشرت فقط عبر الإقناع بوسائل التبليغ والتبشير والترويج والدعاية. نعم عامل الإقناع التبشيري الموضوعي، مهم ويساهم في نشر العقيدة، لكنه بطيء وقلق ومعرض للضرب في الصميم، أي انه ضعيف في حماية العقيدة، فإذا نجح في نشر العقيدة، فإنه يفشل في حمايتها. ولعل الذين آمنوا بالعقائد وربما لا يشكل أكثر من ربع المؤمنين بالعقيدة.

وبالتالي؛ فإن العبء الأكبر في نشر العقيدة وحمايتها وحماية أتباعها، يقع على عاتق السلطة والدولة، وهي سنة تاريخية ثابتة، لا علاقة لها بالحق والباطل، لأن الحق والباطل لا يحميان نفسهما بنفسيهما، بل ينهاران بدون وجود سلطة قاهرة تحميهما، ومهما كان الحق واضحاً وعميقاً ومقنعاً؛ فإنه يتبخر بدون سلطة، لأن الحق أيضاً بحاجة الى القوة أيضاً لنشر معاييره وأفكاره وحمايتها، وبدونها سيتعرض الى أبشع الضربات (1)، وربما يبقى حضوره قائماً، لكنه ضعيفاً ومحدوداً، وهو مضمون قول الرسول محمد: ((إنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالإيمان))(2).

الديانة المسيحية مثلاً؛ لم تنتشر إلّا بقوة السيف، بعد أن اعتنقتها الدولة الرومانية في عهد قسطنطين الأول، ولولا السيف والاحتلال والقوة المفرطة والفرض بالقهر، لبقيت المسيحية منحصرة ببضعة جغرافيات محدودة، ولا تصل إطلاقاً الى بلدان أوروبا وأفريقيا وأمريكا وروسيا، ولولا السلطة والدولة، لما أصبحت بريطانيا إنجيلية وروسيا أرثذوكسية وأوروبا كاثوليكية. بل هذا هو حال كل الديانات والعقائد والايديولوجيات التبشيرية، غير المحلية، بدءاً بالهندوسية والبوذية والطاوية والزرادشتية والإسلام، وانتهاء بالعلمانية والليبرالية والماركسية.

وبالنسبة للإسلام، فهو لم يحم نفسه داخل الحجاز وعموم الجزيرة العربية إلّا بالقوة، وإلّا كانت القبائل اجتثته في السنوات الأولى، ثم لم يكن سينتشر خارج الجزيرة العربية، في العراق وبلاد فارس وبلاد الشام وشمال أفريقيا وبلاد الترك والهند، إلّا عبر الفتوحات التي تحركها السلطة وتنفذها الجيوش، ولولا القوة الإسلامية وانهيار الممالك العراقية والفارسية، لبقيت الديانات السومرية والبابلية والزرادشتية والمزدكية والمسيحية هي ديانات أكثرية الشعب العراقي، ولبقيت المناذرة نصرانية وشمال العراق نصرانياً.

وفضلاً عن أهمية حماية السلطة السياسية؛ فإن حماية السلطة الاجتماعية للمعتقدات التأسيسية للعقائد والمذاهب هي بالأهمية نفسها أحياناً، وهذه الحماية كفيلة باستمرار حضور المعتقدات والمذاهب في الواقع الإنساني، سواء كانت دينية أو دنيوية، ولن تبقى وتستمر وتنمو دون تحولها الى عصبية اجتماعية ومنظومة إنسانية متشكلة على قواعد العقيدة والمذهب، وهو ما يصطلح عليه في موروث المسلمين بـــ “الطائفة”، وإلّا فإن العقيدة تبقى حبيسة العقول والأوراق وبعض الأنصار، وعرضة للاندثار أيضاً. وهذه الطائفة هي مجتمع المذهب أو مجتمع العقيدة، وليس العقيدة أو المذهب نفسيهما، وهي الدعامة الثانية الكفيلة ببقاء العقيدة والمذهب. وتبرز أهمية الطائفة، عندما تنهار السلطة الداعمة للعقيدة والمذهب، وتأتي سلطة مناوئة لهما، فهنا تكون الطائفة أو مجتمع العقيدة والمذهب جدار الصد لحماية المذهب والعقيدة. بيد أن هذا الجدار ربما لا يستطيع الاستمرار في المقاومة، وينهار بفعل قهر السلطة وقمعها، وهو ما حصل في جميع مراحل التاريخ الإنساني والإسلامي.

والطائفة هو مجتمع إنساني تأسس وفق المعتقد والمذهب، ويتحول إلزاماً بالتدريج الى عصبية اجتماعية، وهذه العصبية تضم كل الأفراد والمجتمعات التي تنتمي بالوراثة ـــ عادة ـــ الى المذهب، وبالتالي؛ ليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الأفراد ملتزمين بتعاليم العقيدة والمذهب، نظرياً وعملياً، ولكنهم جزء من الطائفة، ويدافعون عنها ويحمون تعاليمها وطقوسها ورموزها، لأنهم بذلك يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم ووجودهم، وليس عن المذهب والعقيدة وحسب. ولا يستقيم وضع الطائفة إلّا كانت لديها نظاماً وبناءً اجتماعياً، فيه قيادة روحية اجتماعية ومؤسسات دينية وثقافية ومالية غالباً، وسياسية وعسكرية أحياناً، وقواعد بشرية (أتباع العقيدة والمذهب) تعمل في إطار هذا النظام وتحميه وتحتمي به(3).

إن العوامل التي لعبت الدور الأساس في الإبقاء على بعض العقائد والمذاهب وزوال أخرى، تكاد تكون ذاتها التي عملت على نشر ما بقي منها في أصقاع الدنيا، وأهمها: إرادة الدولة بالدرجة الأولى، ثم قوة مجتمع المذهب (الطائفة) وحصانته وفاعليته، ويشتمل ذلك على النشاط التبليغي، واستثمار أتباع المذهب للمواقع التي يتسنمونها في الحكومة، وخاصة مواقع الوزارة والإفتاء والقضاء. مع الأخذ بنظر الاعتبار أن بعض هذه المذاهب لم يحظ – ابتداءً – بدعم تلك العوامل، بل شق طريقه بصعوبة، تحت وقع الفعل العكسي السلبي.

السلطة وأسلوب فرض الفرق والمذاهب على المسلمين

إذا أمعنا النظر في خارطة المذاهب الإسلامية اليوم، فسنجد أن تفصيلها قد تم على مقاسات السلطات التي تعاقبت عليها وحكمتها، فلولا الدول الأُموية والعباسية والسلجوقية والأوزبكية والغزنوية والعثمانية لما انتشر التسنن وفرقته الأشعرية ومذاهبه الأربعة، حتى بات أتباعها يمثلون الأكثرية العددية المسلمة، رغم أن مذاهب سنية أخرى، كالظاهرية، كانت أعمق علمياً من المذاهب الأربعة.

خلال خلافة الراشدين الثلاثة؛ كان الوضع الحكومي يدعم اتجاه مدرسة الخلفاء أنفسهم، فيما يتعلق بمنهج تفسير القرآن، وأسلوب الاستفادة من السنة النبوية، وإصدار الحكم الشرعي والولائي والفتوى، وعدم الأخذ بمنهج أهل البيت في هذه المجالات، لأن من شأنه التشويش على المسار الأحادي لحركة الدولة، وتضخم هذا الاتجاه في عهد الخليفة الثالث، بعد سيطرة الأمويين، يتقدمهم صهر الخليفة مروان بن الحكم على مقاليد السلطة، وكان ذلك بداية لظهور العقيدة الأموية وفرضها على المسلمين فيما بعد. ألّا أن خلافة الإمام علي أخرت المشروع العقدي الأموي بضع سنوات؛ فعاش المسلمون خلال حكم الإمام علي حرية عقدية وفقهية، سمحت لكل التيارات المتعارضة بالتعبير عن نفسها. وبسيطرة معاوية على السلطة والخلافة، أخذت العقيدة الأموية بالتبلور، وتحولت الى العقيدة السياسية ــ الدينية الرسمية للدولة(4)، وبات كل من لا يؤمن بها يقف تلقائياً في صف المعارضة العقدية والفقهية، وليس السياسية وحسب، ولذلك؛ كانت مدرسة آل البيت الأكثر عرضة للقمع والإقصاء والتصفية العقدية والفقهية، فضلاً عن التصفية الجسدية لأئمتها وشيعتها.

ويمكن القول أنّ الدولة الأُموية كانت تختلف في قواعد نظرتها الى نفسها والى الإسلام وآل البيت، مع الدولة العباسية؛ فالأُمويون كان خلافهم مع الإسلام وآل البيت هو خلاف ايديولوجي عقائدي، وفيه إرث كبير من الأحقاد الجاهلية، أي أنها ظلت تمثل عقيدة العودة الى الجاهلية واختطاف الإسلام وحرفه واجتثاث مدرسة آل البيت وشيعتهم، بوصفها ممثلة الإسلام وانعكاس أصالتها وشريعتها وسلوكها، وبالتالي؛ لم يكن الأُمويون ينظرون الى أئمة آل البيت باعتبارهم منافسين على السلطة أو خصوماً سياسيين، بل باعتبارهم يمثلون أصالة الإسلام التي يجب اجتثاثها والتخلص منها، لبلوغ الأهداف النهائية لاختطاف الإسلام وحرفه، وتحويله الى غطاء ديني لإمبراطورية أُسرية تدوم الى الأبد. في حين أن نظرة العباسيين الى آل البيت هي نظرة الحاكم الى من يعتقد أنه منافسه على السلطة وخصمه السياسي، ولم يكن للعباسيين عداءً لأصل الإسلام وعقيدته وشريعته، أو لأصل وجود آل البيت، أو نزعة جاهلية، بل كان هاجسهم الحؤول دون وجود آل البيت كمنافسين سياسيين، ولذلك؛ كانت عملية محاربتهم الأئمة وشيعتهم، وإقصائهم، تستند الى منطلقات سياسية وليست عقدية. ولذلك؛ كان تعامل الأئمة والشيعة مع السلطة العباسية مختلفاً ــ غالباً ــ عن تعاملهم مع السلطة الأموية. وقد حاول بعض الخلفاء العباسيين تقريب أئمة آل البيت وإغرائهم وترغيبهم وترهيبهم، وصولاً الى مصاهرتهم وتوليتهم العهد، لجعلهم فقهاء سلطة ومفتي بلاط، وإضفاء الشرعية الدينية على خلافتهم، لإيمانهم أنّ الخلافة هي حق الأئمة الحصري، كما حدث تحديداً من قبل المأمون، الذي اتهمه خصوم آل البيت بالتشيع(5)،  لكن رفض الأئمة لهذه المحاولات التآمرية، كانت تحمل العباسيين على المحاولة في اتجاهين:

  • تصفير تأثير أئمة آل البيت وذراريهم، على المستوى الديني والعلمي والاجتماعي والسياسي، من خلال القتل والسجن والتشريد، ومنع الناس بالقوة من اتّباعهم حتى على المستوى العقدي والفقهي، لأن السلطة العباسية كانت تعرف يقيناً ميل المسلمين دينياً وسياسياً واجتماعياً لأهل البيت، ولو تركوا الأمور للناس وقناعاتهم، لانقلبت الأوضاع على السلطة العباسية على كل المستويات.
  • إيجاد البدائل العلمية والفتوائية لأئمة آل البيت، وإجبار المسلمين على اتباع الفقهاء والمتكلمين البدائل وتقليدهم، لكي يبتعدوا ابتعادا قسرياً عن الأئمة.

وعندما أطاح بنو العباس بسلطة آل أمية سنة 132 ه، تحت شعار الانتقام لآل البيت وإعادة الحق لهم؛ فإنهم أبقوا على السلطة ملكية وراثية خاصة بهم، وفعلوا بآل البيت وأحفاد رسول الله وعلي وفاطمة مثلما فعل آل أمية، وقتلوا أئمة آل البيت وأبنائهم وذراريهم وشيعتهم، ومنعوا انتشار عقيدتهم وفقههم ومنهجهم العلمي النبوي، ثم حصروا المذاهب الإسلامية التي يجب أن يتعبّد بها المسلمون بأربعة مذاهب فقط: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وحظروا الأخرى، وبذلك؛ أسسوا لبدعة خطيرة في تاريخ المسلمين؛ حين منعوا المسلمين رسمياً من إتّباع مدرسة آل البيت، والأخذ بعقائدها وفقهها.

وكانت بداية اهتمام الدولة العباسية بتقريب الفقهاء السنة إليها وخلق طبقة من فقهاء السلطة، لاستغلالهم في مواجهة أئمة آل البيت والتشيع، مع محاولات الخلفية العباسي الأول أبو العباس السفاح مع الفقيه ربيعة الرأي التيمي (ت 136 ه)، حين طلب منه أن يكون قاضي الدولة العباسية، كما أرسل له خمسة آلاف درهم ليشتري بها جارية، فامتنع الشيخ ربيعة عن قبول المنصب والجائزة، رفضاً للتعاون مع السلطة، رغم كونه أبرز الفقهاء السنة في المدينة، وأستاذ الإمام مالك بن أنس، ما أدى أُفول نجم ربيعة واندثار مذهبه، وبروز مذهب تلميذه مالك الأقل علماً منه، بسبب ارتباطه بالسلطة، برغم وجود فقهاء سنة كبار، ويشهد لهم الفقهاء الآخرون بأنهم أعلم وأكثر تقوى من الإمام مالك، كربيعة والليث وأبي حنيفة وسفيان الثوري، وكان ربيعة يقول: «أما علمتم أن مثقالاً من دولة، خيرٌ من حِمل علم» (6)، وهي كناية لغلبة أهمية المرتبط بالسلطة على الأعلم، في إشارة واضحة الى الفارق بين وضعه ووضع تلميذه مالك.

أما المنصور الدوانيقي؛ فقد استغل تعارضات الفقهاء الشخصية والعلمية، ليلعب على تناقضين، التناقض القومي والتناقض الطائفي؛ فقد كان في بداية حكمه يدعم أبا حنيفة، بهدف ضرب كبرياء العرب وفقهاء المدينة، لكون أبو حنيفة فارسياً، ولأن العباسيين اعتمدوا أساساً على العنصر الفارسي في التأسيس لدولتهم، وهو ما كان يسخط عرب الحجاز، وكان المنصور يقابلهم بالتصعيد. ولكن؛ حين فشل في استقطاب الإمام أبي حنيفة، كما فشل من قبله السفاح في استقطاب ربيعة الرأي؛ فإنه اتجه الى المحاولة مع الإمام مالك بن أنس؛ فنجح في مسعاه، وصولاً الى تثبيت مذهب مالك بن انس مذهباً رسمياً للدولة، وحصر الإفتاء به، نكاية بمذهب آل البيت الذي كان يتزعمه آنذاك الإمام الصادق، وهو أستاذ الإمام مالك والإمام أبي حنيفة، ودليل هذه النكاية قول المنصور للإمام مالك: «ضع للناس كتابا أحملهم عليه… فما أحد اليوم أعلم منك»، وقوله آخر يطمئن مالكاً: «لئن بقيتُ، لأكتبنّ قولك كما تُكتب المصاحف، ولأبعثنّ به إلى الآفاق فأحملهم عليه)) (7)، فقال له مالك: «إن أهل العراق لا يرضون عِلْمَنَا»، فقال المنصور: «أما أهل العراق فلا أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، فالعلم علم أهل المدينة»، وأضاف يبشر مالكاً بأنه سيفرض فقهه بالسيف على أهل العراق بقوله: «يضرب عليه هامتهم بالسيف، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط»(8)، وهذا دليل آخر على حقد المنصور المتراكم على أهل العراق، بسبب تشيعهم لآل البيت، وهو ما ينسجم مع موقف مالك الذي يعلم إن أهل العراق متشيعون ويرفضونه.

ويمكن تلخيص أسباب اختيار المنصور لمالك، في ثلاثة:

  • موقف مالك السلبي من مقام الإمام علي؛ إذ كان يساويه بعامة الناس، وليس بمستوى الخلفاء الثلاث وقدرهم، وعندما كان يسأل عن سبب ذلك يقول: ((ليس من طلب الأمر كمن لم يطلبه»(9)، وفيه تعريض بالإمام علي بأنه كان يطلب الخلافة، بينما لم يطلبها الخلفاء الثلاثة. ويصف بعض العلماء السنة بأن هذا الرأي ((يدل على نزعة أموية)) لدى مالك(10). وكان هذا الرأي يمثل حاجة سياسية ملحة للمنصور وللخلفاء الذين جاءوا من بعده: المهدي والهادي وهارون الرشيد، ليكون ركيزة عقدية في مواجهة العلويين وشيعة العراق وثوراتهم، وخاصة بعد ثورة السيد محمد النفس الزكية الحسني (ت 145 ه)(11)، على عكس فقهاء العراق السنة الآخرين، الذين كانوا يتعاطفون مع العلويين والشيعة، وفي مقدمهم الإمام أبي حنيفة، الذي يقف موقفاً مناصراً للعلويين، وخاصة ثورة زيد بن علي (ت 132) وثورة محمد النفس الزكية.
  • إعراب الإمام مالك عن استعداده للعمل وظيفياً في إطار الدولة العباسية، وشرعنة عمل الدولة وسلوكياتها، في مواجهة المعارضة، وخاصة الشيعة، وفي المقابل، سيتيح له ذلك نشر مذهبه، بل تحوله الى المذهب الرسمي للدولة، وقد تم له ذلك بالفعل خلال خلافة المنصور والمهدي والهادي والرشيد، فكان بمثابة مفتي البلاط.
  • فتاوى مالك بن أنس بحرمة الخروج على الحاكم الظالم، واعتزال الحراكات الثورية(12).

وبالتزامن مع فرض المنصور تقليد الفقهاء السنة على عامة المسلمين؛ فإن موقفه من الإمام جعفر الصادق كان موقفاً معادياً، بالرغم من عدم قيام الإمام الصادق بأي حراك سياسي مناوئ للسلطة، وعدم دعمه الظاهري للحراك الثوري الشيعي الذي قام بها عمه السيد زيد بن الإمام السجاد، أو ثورات أولاد عمه الحسنيين، ورفضه فيما سبق منصب الخلافة بعد أن عرضه عليه القائد الشيعي أبو مسلم الخراساني، وكذلك أبو سلمة الخلال. ولم يكن رفض الإمام الصادق للخلافة زهداً بها أو عدم إيمانه بأنها حقه، لكنه يعلم أن دعوات العباسيين لآل البيت وتوجهات أبو مسلم وأبو سلمة؛ إنما هي ألاعيب سياسية وأطماع يراد توريط الإمام الصادق بها، ولا تنطلق من إيمان هؤلاء بحق آل البيت، وهو ما يتضح من جواب الإمام الصادق لأبي مسلم الخراساني (13)، ورفضه التقرب من البلاط العباسي، رغم أنهم أبناء عمومته.

وبلغ عداء المنصور الدوانيقي للإمام الصادق ذروته عندما أحرق داره؛ إذ أوعز الى واليه في المدينة بذلك؛ فجاءوا بالحطب الجزل ووضعوه على باب دار الإمام الصادق، وأضرموا فيه النار، وحينما أخذت النار ما في الدهليز، تصايحنَ النساء من عائلة الإمام داخل الدار وارتفعت أصواتهن؛ فخرج الإمام الصادق، وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان، وجعل يخمد النار ويطفئ الحريق، حتى قضى عليها، وهو يقول: ((أنا ابن أعراق الثرى أنا ابن إبراهيم خليل الله عليه السلام)) (14).

وسار الخلفاء الثلاثة الذين أعقبوا المنصور: المهدي والهادي وهارون الرشيد، على خطى سلفهم، حتى يذكر المؤرخون ((أن هارون الرشيد أراد أن يعلّق الموطّأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه)) (15). ولما أراد الرشيد العودة إلى العراق منطلقاً من المدينة، قال لمالك: «ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطّأ كما حمل عثمان الناس على القرآن» (16)، ثم أخذ منادو الرشيد في بغداد والولايات الإسلامية، ينادون: «لا يفتي إلا مالك» (17).

ورغم كل هذا التطرف في فرض مذهب مالك؛ إلّا أن الرشيد فشل في فرضه في العراق، لشدة كراهية العراقيين لمذهبه، بسبب ميولهم للتشيع، ولكونهم يرون في مالك نزعة أموية، كما مر، لذلك اقتنع الرشيد بعد وفاة أبي حنيفة باستمالة أبرز تلاميذه في العراق، وهو الشيخ يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، المعروف بأبي يوسف القاضي، الذي بات قريباً جداً من الرشيد، حتى قال الرشيد لأبي يوسف: «لو جاز لي إدخالك في نسبي ومشاركتك في الخلافة المفضيّة إليَّ لكنت حقيقاً به»(18)، وهو ما سمح لأبي يوسف القاضي العمل بكل قوة على نشر المذهب، وأصبحت تولية رجال القضاء في العراق وخراسان والشام ومصر بإشارة منه، حتى أعلن هارون الرشيد المذهب الحنفي مذهباً رسمياً للدولة. وإضافة الى أبي يوسف القاضي؛ فقد عمل ثلاثة تلاميذ آخرين للإمام أبي حنيفة، هم: محمد بن الحسن الشيباني، وزفر بن الهذيل، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وآخرون جاؤوا من بعدهم، على نشر المذهب الحنفي في جميع مفاصل الدولة العباسية، وكان لهم الدور التاريخي الأهم في صياغة شكل المذهب الحنفي ومحتواه.

وفي الأندلس فرض السلطان الأموي الحكم بن هشام ثم ابنه السلطان عبد الرحمن على الناس اتّباع مذهب مالك وترك مذهب الأوزاعي. وفي هذا الصدد يقول ابن حزم: «مذهبان انتشرا في مبدأ أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنّه لما ولّي أبو يوسف القضاء كان لا يولّي إلاّ قاضياً من أصحابه والمنتسبين إلى مذهبه. والثاني مذهب مالك عندنا في الأندلس، فإن يحيى بن يحيى كان مكيناً عند السلطان ومقبولاً في القضاء، فكان لا يولي قاضياً في أقفار الأندلس إلاّ بمشورته واختياره ولا يسير إلاّ بأصحابه»(19)، حتى وصل الأمر أن يصدر ملك الأندلس الأموي الحكم المستنصر مما جاء في الأمر الإداري الذي أرسله إلى الفقيه أبي إبراهيم المالكي: ((من خالف مذهب مالك في الفتوى، وبلغنا خبره، أنزلنا به من النكال ما يستحقه، وجعلناه عبرة لغيره، فقد اختبرت فوجدت مذهب مالك وأصحابه أفضل المذاهب، ولم أر في أصحابه ولا في من تقلد مذهبه غير معتقد للسنة والجماعة، فليتمسك الناس بهذا، ولينهوا الناس أشد النهي عن تركه، ففي العمل بمذهبه جميع النجاة»(20). وكان هذا القرار الأُموي الشديد؛ نكاية بالعلويين الأدراسة الذين أسسوا دولتهم في المغرب العربي، وكادوا يهددون السلطة الأُموية في الأندلس، فكانت هذه السلطة بحاجة الى أراء عقدية وفقهية وتاريخية في مواجهتهم وكبح جماحهم، ولم يجدوا أفضل من مذهب مالك يدعمهم في معركتهم.

وكان القاضي سحنون، والمعز بن باديس، رسولي المذهب المالكي إلى إفريقيا، حيث قدّر لهما نشره في معظم ولاياتها الإسلامية. ولكن حين عين يعقوب بن يوسف والياً على المغرب، فرض على الناس ترك المذهب المالكي، واتباع مذهب داود الظاهري، إلى انقرض هذا المذهب، وعاد مذهب مالك مرة أخرى.

وخلال حكم الدولة الأيوبية لمصر وبلاد الشام، فقد منع المذهب الشيعي منعاً باتاً، وبات يقتل من يتبعه، في مقابل نشر مذهب الإمام الشافعي، بعد أن اختص القضاء والمدارس الدينية به. وقد تخللت عملية انتشاره في مصر نزاعات مع المالكيين، إلاّ إن انتماء بعض أعيان البلاد، كبني عبد الحكم، والربيع بن سليمان، وإسماعيل المزني، والبويطي، إلى المذهب الشافعي، غالباً ما كان يختم النزاع لصالح الشافعية، حتى انتهت له الغلبة في البلاد. وكانت الدولة الأيوبية قد سبقت الخليفة المستعصم بحصر المذاهب الإسلامية في الأربعة المذكورة في مصر وبلاد الشام، حين أعلن الملك الأشرف (ابن شقيق صلاح الدين الأيوبي) في سنة 643 هـ عبر فتوى الشيخ عثمان الشهرزوري عن ((حرمة الخروج عن تقليد المذاهب الأربعة))(21).

وقد تحدث المقريزي عن دور السلطة في انتشار المذهب الأشعري بالقول ((فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة وانتقل منه إلى الشام؛ فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر، كان هو وقاضيه صدر الدين عبدالملك بن عيسى بن درباس الماراني على هذا المذهب، قد نشئا عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألّفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وصار يحفظها))(22). وفرض صلاح الدين وورثته العقيدة الأشعرية على جميع مسلمي البلدان التي احتلوها، ثم هكذا فعل السلاجقة والمماليك في مصر وتركيا والعراق، وكذلك ملوك الموحدين في بلدان المغرب وشمال أفريقيا.

فتنة حصر التعبد بالمذاهب الأربعة

بدأت فتنة حصر العقيدة الرسمية للدولة بالأشعرية، والمذاهب الإسلامية الرسمية بالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، في عهد الخليفة المستنصر العباسي، الذي خصص الدراسة في المدرسة المستنصرية التي أنشأها سنة 625 هـ لهذه المذاهب فقط، وقسّم قبلة الصلاة فيها إلى أربعة أقسام، لكل مذهب قسم. بيد أن قرار الخليفة العباسي المستعصم بحصر المذاهب الإسلامية بالأربعة المذكورة سنة 645 ه، ومعاقبة من يتمذهب بغيرها؛ يعد التاريخ الرسمي لحصر المذاهب الإسلامية، وكان هذا القرار هو السبب الأهم في اندثار المذاهب السنية الأُخرى، التي سميت بالمتروكة، بل كانت الفرق الأخرى غير الفرقة الأشعرية، والمذاهب الأخرى غير الأربعة المذكورة، تواجه بالقوة والاتهام بالبدعة والخروج عن الدين من قبل السلطة؛ إذ يقول الشيخ أبو زرعة: «من خرج عن ذلك (المذاهب الأربعة) لم ينله شيء، وحرم ولاية القضاء، وامتنع الناس عن استفتائه، ونسب إلى البدعة»(23).

واستمر هذا الأمر بعد سقوط الدولة العباسية، وهو ما حدث بعد احتلال المماليك الأتراك مصر، إذ يقول المقريزي: «فلما كان سلطة الظاهر بيبرس البندقداري، ولي بمصر أربعة قضاة، وهم: شافعي، ومالكي، وحنفي، وحنبلي، فاستمر ذلك من سنة 665 هـ، حتى لم يبق من مجموعة أمصار الإسلام مذهب يعرف مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة… وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ولم يولّ قاضياً، ولا قُبلت شهادة أحد، ولا قُدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها»(24).

ويرى المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون، بأن سبب عدم انتشار المذهب الحنبلي وقلة مقلديه، يعود إلى «بعد مذهبه عن الاجتهاد، وأصالته في معاضدة الرواية والأخبار بعضها ببعض»(25)، ولكن لا أعتقد أن هذا السبب كاف، بل السبب الأهم يعود الى عدم وجود دولة تدعمه وتتباه، وعدم وجود طائفة تحميه وتحتمي به، والدليل أن مفصلين غيّرا في واقعه، الأول تولي عبدالله الحجازي القضاء سنة 738 هـ، وكذلك مساعي ابن تيمية وابن قيم الجوزية في مجال إعادة تأسيس الطائفة الحنبلية على قواعد العصبية المذهبية والعقدية والضبط المجتمعي. أما المفصل الثاني فهو الذي صنعه التحالف السياسي ــ الديني بين محمد عبد الوهاب وأل سعود في نجد، ليعود المذهب الحنبلي، بنسخته التيمية، الى عصر الظهور والازدهار، بسبب وجود سلطة وقوة عسكرية ومؤسسة دينية كبيرة وطائفة عصبوية تنشره وتحميه.

ولم يكن ممكناً بقاء مذاهب كالإباضية، لولا حماية وتبني الدولة العمانية، والزيدية بحماية وتبني الدولة اليمنية، والدروز لولا سلاح الإمارات الدرزية في جبل لبنان وجبل سوريا. كما كان تبني الدولة العثمانية المذهب الحنفي، وإعلانه مذهباً رسمياً للدولة، سبباً في تعزيز حضور المذهب الحنفي في الولايات العثمانية كافة. ويعود اختيار الدولة العثمانية المذهب الحنفي مذهباً رسمياً، الى عدم اشتراط المذهب الحنفي في خليفة المسلمين أن يكون قرشياً، وهذا الاختيار المصلحي السياسي، تعبير آخر عن الاستثمار السيئ الذي يقوم به بعض الحكام للمذاهب، من أجل تمرير مصالحهم، دون أن تكون لديهم قناعة بهذا المذهب وذلك، بل ربما بالإسلام برمته. وقد ظل السلاطين العثمانيون يقومون بالأفعال نفسها التي كان يقوم بها الأمويون والعباسيون والأيوبيون من قتل ومطاردة وتشريد وسجن ونفي واستباحة المدن وهتك الأعراض ومصادرة الأموال ضد أتباع أل البيت، حتى كانت فترة حكم السلطان سليم الأول تتساوى في دمويتها وقسوتها مع فترة حكم الأمويين والعباسيين والأيوبيين والسلاجقة والمماليك.

أما التشيع، عقيدة ومذهباً؛ فقد كان يتحمل ضغطاً مركباً، فهو ممنوع علمياً بوصفه مذهباً آخر غير المذاهب الأربعة، ومقموع سياسياً بوصفه معارضاً للدولة، ولولا وجود أئمة آل البيت ومقاومة الشيعة وثوراتهم، وتأسيس دول شيعية خلال القرون الرابع والخامس السادس داخل الدولة العباسية (الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام، والإدريسية في شمال أفريقيا، والفاطمية في شمال أفريقيا ومصر، والبويهية في العراق وايران)؛ لاندثرت المذاهب الشيعية أيضاً، بل كاد الشيعة خلال عهود الدول الشيعية المتزامنة والمتعاقبة، أن يتحولوا الى أغلبية سكانية في كل العالم الإسلامي، لولا سقوط هذه الدول بالتدريج، بفعل صراعاتها الداخلية والبينية من جهة، والغزوات العسكرية العكسية للقوى السنية غير العربية النامية الجديدة، وخاصة القوى العسكرية السلجوقية والزنكية التركيتين، والأيوبية الكردية، فإذ قضت القوة العسكرية الزنكية على الشيعة في شمال العراق وجزء من بلاد الشام، والقوة السلجوقية على كثير من في الشيعة وأجزاء من العراق؛ فإن سلطة القهر الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي وأبنائه، كان لها الدور التاريخي الأكبر في القضاء على الشيعة قضاء تاماً في شمال أفريقيا وبلاد الشام، ولولا الأيوبي لكان الشيعة اليوم يشكلون الأغلبية السكانية الساحقة في جميع المغرب العربي وشمال أفريقيا ومصر وسوريا والأُردن وفلسطين ولبنان.

أما في إيران والهند؛ فلولا الدولة الصفوية لدخل العثمانيون بلاد فارس وقضوا على الأغلبية الشيعية في إيران والعراق، ولولا ضعف الدولة الصفوية وسقوطها لاستمر تمدد التشيع في شبه القارة الهندية وشرق آسيا، وأصبح مذهب الأكثرية المسلمة هناك، بل لولا السلطات الشيعية المتعاقبة في إيران، لتبخر التشيع في آسيا، ولبقي الشيعة مجرد جيوب متناثرة حالهم حال الدروز والصابئة والآشوريين.

الدول الشيعية والذاكرة الطائفية

لا جدال في أن المذاهب الشيعية هي أكثر من عانى من فتنة حصر المذاهب، ومن الموقف الايديولوجي للسلطتين الأُموية والعباسية المعادي للتشيع. ولم تحظ المذاهب الشيعية بدعم عامل السياسة إلا في بلدان قليلة وفترات محدودة خلال القرون الرابع الى السادس الهجرية، وهي الفترات التي حكم فيها العلويون في شمال ايران، والحمدانيون في شمال العراق وسورية، والبويهيون في العراق وايران، والفاطميون في مصر وشمال أفريقيا، ثم الصفويين – في فترة متأخرة – خلال حكمهم إيران، وما عداها فقد كانت السلطات السنية  تحاسب من يتبع المذاهب الشيعية، وخاصة المذهب الجعفري، وتقتل أو تعتقل أو تنفي من يشتبه بتشيّعه، لأن الشيعة والحاكمين في أغلب العصور كانوا على طرفي نقيض، الأمر الذي وضع الشيعة في موقف المعارضة والمواجهة بشكل طبيعي.

لقد انتشر التشيع في ظروف استثنائية، على يد جمهرة من صحابة الرسول والتابعين الملتفِّين حول الإمام علي، كسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد الكندي، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وخزيمة بن ثابت، ومالك الأشتر، وأبي أيوب الأنصاري، وصعصعة بن صوحان، وقيس بن سعد بن عبادة، وعلي يد أئمة الشيعة من ولد الإمام علي وفاطمة، ولاسيما الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق، وتلامذتهم مثل أبان بن تغلب، وهشام بن الحكم الكندي، وبكير بن أعين الشيباني، وأبان بن عثمان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، ولم يكن فيهم قاض ولا وزير. وهذه الحقائق البديهية تتعارض مع الدعاية المركزة التي مارستها السلطات الأموية والعباسية والأيوبية وبعض قصّاصيها ومؤرخيها المتقدمين، أمثال ابن كثير وابن عبد ربه وابن حزم وابن طاهر البغدادي(26)، ومن تبعهم من خصوم ومستشرقين، الذين ارجعوا التشيع إلى أصول يهودية وفارسية، كما مر.

والدول التي أسسها الشيعة وحكموها، هي دول الشيعة وليست دول التشيع، حالها حال الدول السنية؛ فقد كانت دولاً سلطانية سياسية وراثية، ولم تكن ملتزمة التزاما كاملا، في شرعية تأسيسها وعملها وسلوكياتها، بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وفق مذهب ال البيت، وخاصة في مجالات الحكم الإسلامي الشرعي، رغم أنها قدمت خدمات كبيرة للتشيع، وقامت بنشرته، وحمت الشيعة، ولذلك؛ شكلت ضرورة مصيرية لحماية الشيعة والمذهب، في مواجهة حملات القمع والتصفية. وأهم هذه الدول:

  • دولة المختار في وسط وغرب العراق، وعاصمتها الكوفة (66 -67 ه)
  • الدولة الإدريسية في المغرب العربي وجزء من الأندلس، وعواصمها وليلي ثم فاس (172- 373هـ)
  • الدولة العلوية في شمال بلاد فارس، وعاصمتها طبرستان (آمل الحالية) (۲۰٥ ـ ۳۰٤ هـ)
  • الدولة البويهية في بلاد فارس والعراق، وعواصمهم شيراز والري وكرمان الإيرانية وبغداد العراقية (320 -447 هـ)
  • الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام، وعاصمتاها الموصل العراقية وحلب السورية (293- 406 هـ)
  • الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ومصر وبلاد الشام، وعاصمتها القاهرة (296- ٥٦۷ هـ)
  • الدولة العمّارية في شمال لبنان وغرب سوريا، وعاصمتها طرابلس (462 ـــ 502 ه)
  • دولة السربداران في شمال شرق بلاد فارس، وعاصمتها سبزوار (736 ـــ 788 ه)
  • الدولة المزيدية في وسط وغرب العراق، وعاصمتها الحلة (402 – 545 ه)
  • الدولة المشعشعية في جنوب غرب إيران وجنوب العراق، وعاصمتها الحويزة (844 ـــ 914 ه)
  • دولة الصفويين في بلاد فارس والعراق، وعاصمتها تبريز ثم قزوين ثم إصفهان (۹۰٥ ــــ ۱۱48هـ).

ولعل من المناسب التوقف عند تأسيس أول سلطة سياسية شيعية في التاريخ، وهي دولة الكوفة بقيادة المختار الثقفي (ت 67 ه)، لفهم طبيعة ردود الفعل السياسية التاريخية للشيعة على سياسات القمع والاجتثاث التي ظلت السلطات الأموية والعباسية تمارسها ضد الشيعة، والتي ينتج عنها غالباً عنها ثورات وانتفاضات، وربما تقود أحياناً الى تأسيس إمارات ودول مستلقة، فقد كانت ثورة المختار في العراق ثم تأسيس إمارته؛ أول رد فعل سياسي من نوعه في التاريخ الإسلامي، وهو رد فعل يختلف عن نهضة الإمام الحسين، التي كانت حركة إصلاحية دينية في جوهرها، إلّا أن السلوك العجيب للسلطان الأموي يزيد بن معاوية ضد النهضة، والذي ختمه بمجزرة دموية ضد آل البيت، ربما جعل الشكل الثوري هو الأبرز في مراحل النهضة، بينما كانت حركة المختار حركة سياسية ثورية، اتخذت سلوكيات سياسية صرفة، وخاصة ما يرتبط بنوعية التحالفات.

لذلك؛ يعد المختار الثقفي مؤسس “الشيعية السياسية” في التاريخ، أي المنظومة التي تستخدم أساليب وسلوكيات سياسية وعسكرية في التحرك والوصول الى السلطة، وفي ممارسة الحكم، وربما يكون في جزء من هذه السلوكيات خروجاً على الثوابت الشرعية لمدرسة آل البيت، ولاسيما تشبهها بالسلوكيات السلطانية للدول السنية، وهو ما يجعل المختار أول سياسي وعسكري شيعي في التاريخ بالمعنی الاحترافي للسیاسي، والذي يمارس العمل السیاسي والعسكري بصیغة المتعارفة آنذاك، بما جعله نداً سياسياً للأمويين والزبيريين. فبعد مقتل الإمام الحسين وموت يزيد، تقسمت بلاد المسلمين الى ثلاث دول مسلمة متناحرة أو ثلاث خلافات وثلاث خلفاء، كل منهم كان يعد نفسه خليفة المسلمين:

  • الدولة الأُموية في الشام، عاصمتها دمشق، وخليفتها مروان بن الحكم، وهو خليفة الأُمويين، وهي دولة ناصبية معادية لآل البيت، وقد أسست عقيدة دينية سياسية جديدة، تتعارض في أفكارها وسلوكياتها عن الدين الإسلامي، كما سبق أن فصّلنا، وقد بدأ حكمها بسقوط دولة الإمام الحسن بن علي وسيطرة معاوية بن أبي سفيان على مقدرات دولة المسلمين.
  • الدولة الزبيرية في الحجاز، عاصمتها مكة، وخليفتها عبد الله بن الزبير، الذي أعلن نفسه خليفةً للمسلمين وأميراً للمؤمنين، وهي معادية لآل البيت، لكنها لم تبتدع عقيدة جديدة، وهي الأكثر تمثيلاً لمدرسة الخلفاء والصحابة، وقد قضت عليها الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان.
  • دولة المختار في العراق، عاصمتها الكوفة، وأميرها المختار الثقفي، وهي أول دولة شيعية بعد سقوط دولة الإمام الحسن بن علي، إلّا أن أميرها المختار لم يعلن نفسه خليفةً للمسلمين، لأن مرجعيته السياسية كانت متمثلة بالسيد محمد بن الإمام علي المعروف بــ “ابن الحنفية”، ومرجعيته الدينية الإمام علي بن الحسين السجاد، وقد استمر حكمها سنة ونصف، وقضت عليها الدولة الزبيرية.

ويمكن القول؛ إن هذا الواقع السياسي المعقد الذي هيمن على كل العالم الإسلامي آنذاك؛ كان يقوده الثلاثي: المختار الثقفي (الشيعي) وعبد الله بن الزبیر (السني) ومروان بن الحکم (الأموي). وقد دخل المختار في صفقات ومفاوضات ومراوغات، وتمکن من خداع خصومه، من أجل تحقیق أهدافه، كما تعرض للخديعة والغدر أيضاً، وقد شنّ علیه الأمویون والزبيريون حملة اعلامیة قویة لتشویه سمعته، ومنها اتهامه بمخالفة الإمام السجاد ومبايعة محمد بت الحنفية (ابن الإمام علي)، حتى أصبح المختار نموذج السياسي الشيعي الذي تحتذي به النخبة السیاسیة الشیعیة طوال التاريخ، في أساليب الوصول الى السلطة وممارسة الحكم، من أجل تحقيق الأهداف الأكبر، وفي مقدمتها حماية الشيعة والمذهب.

لقد تلخصت أهداف المختار في إقامة دولة آل البيت ونصرة التشيع ودفع فتنة الأُمويين، وهي أهداف يشترك فيها جميع الشيعة، وعلى رأسهم إمام التشيع في زمانه علي بن الحسين زين العابدين، لكن كان هناك اختلاف في النظرة الى الأدوات والوسائل؛ إذ أن هذه الأدوات لم يكن ليستخدمها الإمام السجاد، لأن موقعه يحتم عليه ألّا يستخدم ما لا ينبغي للإمام استخدامه، ومنها أن المختار رسم أولوياته السياسية منذ بداية حراكه؛ فالأولوية تكمن في ضرب سلطة آل أُمية، وهو ما سمح لنفسه إنشاء تحالف سياسي مع خصم اقل خطورة هو عبد الله بن الزبير، من اجل القضاء على آل أُمية، رغم أن آل الزبير خصوم لآل البيت؛ الأمر الذي أثار حفيظة كثير من الشيعة، لكن المختار كان يستخدم أدوات خصوم الشيعة نفسها، أي التحالفات السياسية مع الجماعات غير المنسجمة عقدياً ومذهبياً معه، والصراع السياسي والعسكري على السلطة، والعمل الدعائي والاستخباري، وتأليف القلوب وكسب الموالين والمتعاونين، وتعميق ثقافة السلطة لدى الشيعة، وتحسيسهم بأهمية الحكم في حماية العقيدة والمذهب والفكرة والنظام الديني.

إلّا أنّ المختار لم يمارس سياسة الإقصاء العقدي والمذهبي، ولم يتدخل في توجهات الناس في هذا المجال، بل كان جل همه إقصاء آل أمية سياسياً فقط، وكان شعار “الثأر للحسين” وآل البيت، شعاراً يقوم على قاعدة القصاص من القتلة فقط، وليس تعميم الانتقام، ليتحول الى إقصاء عقدي ومذهبي، أي أن المختار أسس أيضاً لقاعدة أخرى في الحكم والعمل السياسي، وهي قاعدة التسامح في الاعتقاد والتمذهب، وهي التي أسسها الإمام علي خلال سنوات حكمه. وبناء عليه؛ فإن الدول الشيعية على مر التاريخ لم تكن طائفية، بل منفتحة على المذاهب والطوائف الأُخر، ولم تمارس أي نوع من فرض المذهب الشيعي أو الإقصاء لاتباع المذاهب الأُخرى؛ لأن طبيعة مذهب أهل البيت وتعاليمه وانفتاحه وتسامحه، لا تسمح بتحويلها الى دول طائفية ، ولم يذكر أي من المؤرخين السنة، حتى المعروفين بطائفيتهم، أن الدولة الادريسية أو الطبرستانية أو الحمدانية أو البويهية أو الفاطمية وغيرها، إنها كانت تمارس سياسة الإقصاء المذهبي والطائفي أو فرض مذهب أهل البيت بالقوة، أو أنها مارست الانتقام الطائفي، ما يعني أن الذاكرة الطائفية لدى الدول الشيعية ظلت ممحية على الدوام، على العكس من سياسات فرض العقائد والمذاهب، والانتقام والاجتثاث الطائفي التي كانت تمارسها الدول الأموية والعباسية السلجوقية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.

وربما كانت الدولة الصفوية، الوحيدة التي تطالها شبهات الممارسة الطائفية، والتشبه بالدول والحكومات السنية، لكن هذا التشبه كان يقتصر على الخطاب المذهبي والاستثمار الطائفي، وذلك بهدف مواجهة حروب الدولة العثمانية ومحاولاتها إسقاط الدولة الصفوية، وممارسة سياسة اجتثاث الشيعة في أراضي الدولة الصفوية، كما فعلت في تركيا وسوريا ولبنان والعراق، كما سيأتي.

الآثار الحديثة والمعاصرة للصراع العثماني ــ الصفوي

شكّل قيام الدولة الصفوية(27) عاملاً مهماً في نشر المذهب الجعفري في إيران والهند وشرق آسيا، وحماية المذهب في العراق والبلدان الخليجية العربية، وكان يتم ذلك من خلال الأساليب التبليغية والثقافية التي يقودها المبلغون العرب، وكذا الترغيب السياسي والاقتصادي. وقد بادر مؤسس الدولة السيد إسماعيل الصفوي الى دعوة الفقيه الشيخ علي الكركي (ت940 هـ) من جبل عامل في لبنان، للمجيء إلى إيران، لقيادة عملية تثبيت دعائم المذهب الشيعي في مفاصل الدعوة وبين عموم شعوب بلاد فارس؛ فأصبح الشيخ الكركي مرجع الدولة والشيعة في البلاد، واستعان عشرات العلماء والدعاة الشيعة العرب، الذين جاؤوا من لبنان والحجاز والقطيف والعراق والبحرين. كما استقدم الشاه عباس (حفيد إسماعيل الصفوي) فقيهاً كبيراً آخر من جبل عامل، هو الشيخ بهاء الدين العاملي، فكان له ما كان للمحقق الكركي من الدور والموقع، ثم قدم الفقيه الفقيه الشيخ محمد الحر العاملي (ت 1104 ه) من لبنان والسيد نعمة الله الجزائري (ت 1112ه) من العراق، والعشرات غيرهم.

وقد قام هؤلاء العلماء والمبلغون بتأسيس حوزات علمية ومراكز تبليغية في أغلب مناطق بلاد فارس، وباشروا بتدريس وتعليم العقيدة والحديث والتفسير والفقه، وفق ما أنتجه المحدثون والمتكلمون والفقهاء الشيعة، ولم يكن أياً من هذه المعارف التراكمية تتمايز عن تشيع علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت؛ إلّا إذا عُدّ تمايز المذاهب الشيعية الأخرى عن المذهب الإمامي الإثني عشري، كالزيدية والإسماعيلية، بأنه تشيع مفارِق لمسار التشيع الإثني عشري عقدياً وفقهياً وقواعدياً وتاريخياً، أما المدارس الحديثية والفقهية والأصولية التي تتنوع في قراءتها لأصول التشيع وأدوات هذه القراءة؛ كالإخبارية والأصولية وغيرهما؛ فلا يمكن فرزها كتشيّعات جديدة متعارضة أو متضادة، وإعطاءها تسميات انشقاقية؛ لأن الخلافات بينها خلافات علمية طبيعية غالباً، ولا تصل الى مستوى الانشقاق المذهبي إطلاقاً. وبالتالي؛ لم يفرز هذا العمل العملي والتبليغي أي تشيع آخر، كما روجت له الدولة العثمانية، وتلقفه بعض الأصوات والأقلام الطائفية أو الشيعية المنفعلة فيما بعد، وهو ما أطلقت عليه التشيع الصفوي، وهو إطلاق دعائي مبني على وهم وانفعال ونكاية.

وإذا كان المتهم بتأسيس التشيع الصفوي، هم ملوك الصفويين؛ فإن هؤلاء الملوك وذويهم لم يكونوا فقهاء ومحدثين ومتكلمين، لكي يؤسسوا مدرسة عقدية وفقهية شيعية جديدة تتعارض مع تشيع أهل البيت؛ بل كانوا يأخذون شرعيتهم في الحكم وفتاواهم من مراجع وفقهاء عصرهم، وكان الفقهاء العرب من لبنان والبحرين والعراق، كالشيخ الكركي والشيخ البهائي وحسن بن زين الدين العاملي والشيخ الحر العاملي والشيخ الجباعي والسيد نعمة الله الجزائري؛ هم أصحاب الفتوى ومروجي عقيدة أهل البيت وفقههم وحديثهم في جغرافيا الدولة الصفوية، ولم يكن للأسرة الصفوية الحاكمة أية دالة وسطوة على هؤلاء الفقهاء، بل العكس هو الصحيح، وهو خلاف ما كان يحدث في الدولة العثمانية؛ حيث كان المشايخ والمفتون مجرد موظفين عند السلطان العثماني.

وبالتالي؛ كان يستحيل على الأسرة الصفوية إيجاد تشيع جديد ومذهب فقهي جديد، غير مذهب الإمام الصادق، وغير فقه الصدوق والمرتضى والمفيد والطوسي وابن إدريس والحلي والشهيدين العامليين، وخاصة في ظل وجود الفقهاء العرب في العاصمة الصفوية إصفهان، والقابضين بإحكام على الوضع الديني في البلاط وجميع مفاصل الدولة، فضلاً عن يقظة فقهاء النجف وكربلاء وجبل عامل، وأغلبهم كان يراقب حراكات الدولة الصفوية ويمضيها. نعم؛ أسس الصفويون لمدرسة جديدة في سلوكيات الحكم، لم تكن مألوفة في الدول الشيعية التي سبقتها، وتتمثل في الاهتمام رسمياً بتعظيم شعائر أهل البيت وذكرهم وسيرتهم وفضائلهم، وخاصة ذكرى استشهاد الإمام الحسين، وفي فتح البلدان وتأسيس الممالك باسم أهل البيت، وبهدف تبليغ سيرتهم وتعاليمهم، وفي دعم الحوزات العلمية والعلماء، ونشر المبلغين في كل جغرافيا الدولة، بإشراف مباشر من المرجعية الدينية.

وخلال حكم الدولتين العثمانية (الحنفية السنية) والصفوية (الجعفرية الشيعية)، أصبح الصراع الطائفي في جانبه الأعظم صراعاً وتنافساً سياسياً مغلّفاً بالشعارات المذهبية. وقد ساهمت في صنعه وتعميقه دول أوربا (التي كانت في بدايات مد نفوذها الخارجي)، بهدف تفتيت وحدة الدول الإسلامية. فخلال انتصارات العثمانيين المتتالية في عمق أوربا، والتمدد الصفوي في المنطقة، وبعد أن أصبحتا أقوى دولتين في العالم الإسلامي أجمع، تحرك الأوربيون لضربهما من الداخل، فنشبت الحروب بينهما، حتى قيل إن أية دولة في العالم لم تستطع الوقوف بوجه العثمانيين سوى الدولة الصفوية، وإن أي دولة لم تناصب الصفويين العداء أكثر من الدولة العثمانية. وفي الوقت الذي كان فيه الصفويون يحولون دون تمدد العثمانيين باتجاه الشرق، فإن العثمانيين كانوا يجبرون شيعة لبنان وسوريا والعراق على العمل كمقاتلين وعاملين في الجيش العثماني، ليموتوا في القوقاز وشرق أوروبا وشمال أفريقيا، فإنهم كانوا لا يسمحون لأي عسكري شيعي أن يصبح ضابطاً (28).

وكانت النتيجة؛ أن انتهى صراع النفوذ الطائفي – السياسي بين الدولتين المسلمتين الأكبر، إلى سقوط الصفويين عاجلاً، وسقوط العثمانيين آجلاً، وتقسيم الدولة الصفوية الى دول وممالك، وكذلك تقسيم الدولة العثمانية بالصورة نفسها، وإخضاعهما للنفوذ البريطاني والأوروبي.

وإذ يتركز الحديث على قيام السلطات بممارسة الطائفية، وخاصة خلال الحكم العثماني، فلا يعني ذلك أن الصراع انحصر في الدائرة الرسمية، وفي منطقة معينة، وأن الشعوب الأخرى كانت تنعم بالتعايش المذهبي فيما بينها، بل إن الصراع قد حفر آثاره في عمق عقول الكثيرين من المسلمين وضمائرهم، وظلت تتوارثه الأجيال واحداً تلو الآخر. ولعل الحادثة التي ينقلها السيد جمال الدين الأفغاني الأسد آبادي مصداق لهذه الحقيقة، إذ يقول: «يوجد في بلاد الأفغان قبيلة تدعى التركمان، يعيشون على السلب والنهب، فيغيرون على بلاد إيران، يأسرون الرجال والنساء ويبيعونهم باسم العبيد والإماء، مستدلين بأن أسراهم من الشيعة، وكثيراً ما يأسرون أشخاصاً من السنيين، ويجبرونهم بالضرب والكي على أن يعترفوا أمام الناس بالتشيع، كي لا يمتنع أتقياء بخارى عن شرائهم»(23).

وفي العام 1744 م تم عقد أخطر اتفاق في التاريخ الإسلامي الحديث، بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والأمير محمد بن سعود، أمير نجد، برعاية بريطانية، عرف بــ “اتفاق الدرعية”، وبموجبه يتعهد محمد بن سعود بتبني العقيدة الجديدة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والتي عرفت فيما بعد بــ “الوهابية”، مقابل تقديم محمد بن عبد الوهاب كل أنواع الدعم الديني لمحمد بن سعود، وأهمها فتاوى التكفير والغزو والقتل والسبي، وبموجبه أطلق محمد بن عبد الوهاب على محمد بن سعود لقب (الإمام)، بينما اطلق محمد بن سعود على محمد بن عبد الوهاب لقب (شيخ الإسلام).

وبعد هذه الاتفاقية الدينية ــ السياسية، التي  أعادت لمعتقدات آل أمية أمجادها، بكل المعايير العقدية والفقهية التكفيرية، والسلوكيات الإرهابية؛ أخذت الخارطة الطائفية والسياسية لإمارات الجزيرة العربية تتغير بالتدريج، فضلاً عن سريان رياح التغيير باتجاه العراق والمنطقة الخليجية؛ فقد كانت العقيدة الوهابية ــ السعودية معادية لكل مذاهب المسلمين وفرقهم، سنة وشيعة، وكانت تكفر الجميع، عدا أتباعها، وتعطي لنفسها الحق في احتلال أراضي المسلمين ونهبها وقتل رجالها وسبي نسائها، ولذلك؛ فقد بدأ آل سعود بترويع السنة قبل الشيعة. ومنذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، قامت الدولة السعودية بمحاولات هدم أئمة آل البيت في العراق، وضرب الشيعة، حتى نجحت في العام 1802 م بتدمير مرقد الإمام الحسين، لكنها فشلت في تدمير مرقد الإمام علي في النجف، رغم تكرار المحاولات، ثم قامت بقتل الشيعة في الشرقية والحجاز وحضرموت، وطاردتهم وهمشتهم وكفّرتهم، خلال دولتها الثانية والثالثة، ولاتزال هذه الدولة حاضنة لكل الأفكار التكفيرية التي تتحول الى جماعات مسلحة، متخصصة في الذبح والحرق والاغتصاب والمصادرة، أمثال منظمات “القاعدة” و”داعش” و”النصرة” و”بوكو حرام” و”طالبان”، كما لاتزال ممارساتها ضد المسلمين تتصاعد بقوة في مناطق السعودية نفسها، وفي العراق والبحرين وسوريا ولبنان وايران وباكستان وأفغانستان واليمن وغيرها.

وفي البحرين، استولى آل خليفة على السلطة في العام 1783 م، وتحكموا برقاب أتباع المذاهب الأُخرى، وخاصة الشيعة، رغم أن الشيعة يشكلون الأكثرية السكانية البالغة آنذاك 80 بالمائة من نفوس البلاد، واليوم يشكلون حوالي 70 بالمائة من سكان البحرين، ولكن لايزال النظام يمارس ضدهم كل ألوان التمييز والإقصاء والاعتقال والتهجير وإسقاط الجنسية والقتل، وهو وضع يشبه نسبياً وضع شيعة العراق خلال سنوات حكم البعث.

وبعد انهيار الدولة العثمانية، تحولت مستعمراتها الى مستعمرات بريطانية وفرنسية، ثم بلدان مستقلة شكلياً، ومنها الدول التي يشكل فيها الشيعة أكثرية سكانية كالعراق ولبنان، أو تحظى بحضور سكاني شيعي كثيف، كتركيا نفسها وسوريا، ولكن تحكمها الرموز العثمانية الطائفية نفسها، والتي حولت ولاءها من الأتراك الى البريطانيين والفرنسيين، وبرزت الأفكار الطائفية العنصرية التي تستهدف الشيعة ووجودهم ومذهبهم بصور جديدة ووسائل جديدة؛ فأصبح الشيعة بين مطرقة التهميش والإقصاء السياسي والثقافي والقانوني، وبين الاتهام بكونهم إيرانيين وهنود وغجر.

ورغم أن الشيعة في العراق يمثلون الأكثرية السكانية المطلقة (65 بالمائة)؛ فإن سياسة الإقصاء والتهميش والتمييز الطائفي استمرت ضدهم خلال العهدين الملكي والجمهوري، وازدادت بشاعة بدءاً من الحكم الطائفي لعبد السلام عارف. وحين استولى حزب البعث على السلطة في العراق، تحوّل البلد الى ساحة عاصفة للإقصاء والقتل الطائفي، وبشكل غير مسبوق، اللهم إلّا في عصور يزيد والمنصور وصلاح الدين وسليم الأول؛ إذ مارس البعث أبشع صنوف التهميش والاعتقال والقتل والمطاردة والتهجير ضد الشيعة، فضلاً عن مصادرة معتقداتهم وممارساتهم الدينية والمذهبية، وكان ممن قتلهم المئات من الفقهاء الشيعة، كما افتعل أربعة حروب، أولها ضد الكرد، ثم ضد الجارة الشيعية إيران، ثم غزو الكويت؛ فكان أغلب القتلى في هذه الحروب هم من الشيعة، ثم أغار على المناطق الشيعية العراقية المنتفضة بعد حرب الكويت وقتل مئات الآلاف. ويعد صدام حسين أكثر حاكم تورط بدماء الشيعة بعد المنصور وصلاح الدين الأيوبي وسليم الأول؛ إذ يقدر عدد من تسبب بقتلهم من شيعة العراق وإيران والكويت وباكستان وأفغانستان ولبنان وسوريا؛ أكثر من مليونين ونصف المليون شخص.

وبعد سقوط دولة البعث؛ ظل معتنقو المعتقدات الأموية الوهابية، من أمثال القاعدة والنصرة وداعش؛ يمارسون الأفعال التكفيرية الإرهابية نفسها ضد المسلمين عامة، وشيعة آل البيت خاصة، وبتقنيات عالية وأموال وفتاوى ومخابئ توفرها لهم الدولة السعودية ومشايخها، فضلاً عن دعم ميداني ومعلوماتي وتدريبي ومالي من بعض الحكومات الخليجية والطائفية وبقايا نظام صدام.

وحين توافرت للشيعة في العراق فرصة المشاركة في حكم الدولة العراقية بعد العام 2003، بحكم أكثريتهم العددية؛ فإنهم لم يقوموا بحركة ثأرية أو إقصاء أو تهميش ضد الطوائف الأخرى، رغم ما تعرضوا له على أيدي المنظومة الطائفية وحواضنها من محاولات اجتثاث رهيبة، لكنهم ارتضوا أن يكون لهم ثلث مناصب الدولة، وثلثان للسنة (العرب والكرد)، مع أن بإمكانهم تشكيل دولة شيعية وحكم شيعي، ورغم انتظارهم هذه الفرصة لمدة 1350 عاما.

وذهاباً الى البحرين؛ حيث يشبه الواقع ما كان عليه في العراق خلال حكم نظام صدام حسين؛ إذ تنتمي الدولة والحكومة والسلطة الى الطائفة الأقل سكانياً، بينما الأكثرية المحكومة والمقموعة تنتمي الى الآخر المذهبي، وحين تحاول هذه الأكثرية السكانية أن تعبر عن إنسانيتها، من خلال التوجع العلني والنطق بالألم، والاعتراض السلمي على قمع وإرهاب واضطهاد وتهميش السلطة المنتمية الى الأقلية السكانية الطائفية؛ فإنها تتهم بالممارسة الطائفية والتخريب الأمني، وقبل ذلك بالتهمة التقليدية المعلبة الجاهزة: العمالة لإيران. وظل حكام المنطقة ومشايخها الطائفيين وجماعاتها الدينية والعلمانية يجمعون على دعم حكومة البحرين في ضرب شعبها المستضعف الأعزل، بل ودعمها في احتلال البلد عسكرياً، لضرب الطائفة المقموعة.

وفي حالة لبنان السياسية أيضاً؛ فإنّ رئيس الحكومة ينتمي طائفياً الى الأقلية السكانية في البلد، وفي الوقت نفسه ظلت أغلب النخبة السياسية لطائفية الأقلية تقاتل بكل وسائل المال والسياسة والإعلام لتجفيف منابع القوة السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية للطائفة الأكبر، أي الشيعة، حتى لو أدى هذا التجفيف الى انهيار البلد أمام العدو الصهيوني الذي يستهدف تدمير المقاومة التي تنتمي الى الشيعة، وبالتالي؛ فإنّ المهم هو ضرب القوة التي يواجِه بها لبنان العدو، بل أنّ انتصارات المقاومة الشيعية على الكيان الإسرائيلي في أكثر من موقعة وحرب، لاسيما في عامي 2000 و 2006، كان يواجَه بامتعاض وغضب وتآمر أغلب النخبة السنية، رغم أن مآلات حراك المقاومة الشيعية اللبنانية تصب في مصلحة لبنان والعرب والمسلمين، وليس مصلحة الطائفة الشيعية وحسب.

الحكام المؤسسون للمنظومة الطائفية وروّادها ورموزها

عند دراسة تاريخ المسلمين، منذ عصر صدر الإسلام وحتى الآن؛ سنتعرف على مئات الشخصيات التي ساهمت في التأسيس لمنظومة التمييز الطائفي، أو كان لها دور ريادي، أو أصبحت من رموزها في مراحل مختلفة من التاريخ، ومارست الجريمة السياسية بدوافع طائفية أو دوافع مركبة: طائفية سياسية شخصية، وليست سياسية سلطوية محضة، كما هو الحال مع كل الحكام الذين يقتلون ويغزون ويقمعون لأسباب سياسية وسلطوية وطموحات شخصية محضة، إذ لا يعنينا هنا هؤلاء. ونستطيع القول إن معاوية بن أبي سفيان هو المؤسس الأول للمنظومة الطائفية في التاريخ الإسلامي. صحيح أن هناك شخصيات سبقته وأخرى زامنته، قد مارست التمييز والإقصاء والقمع الطائفي، إلّا أنها لم تحوله الى منظومة تأسيسية متكاملة، كما فعل معاوية. وبالتالي؛ فإن التأريخ للاقصاء الطائفي بصورته المنظمة يبدأ مع عقيدة معاوية وسلوكياته، وهي التي كانت خليطاً من العداء للبيت النبوي الهاشمي، والرواسب الجاهلية، والطموحات الشخصية.

أما الشخصيات الطائفية التي زامنت معاوية أو جاءت بعده، أمثال مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ويزيد بن معاوية؛ فقد ساهموا في التأسيس، وجاء بعدهم الرواد أمثال المنصور والرشيد والمتوكل، ثم الرموز اللاحقة، وصولاً الى عبد العزيز الأول آل سعود وصدام حسين وأسامة بن لادن. ومنذ تأسيس المنظومة؛ التحق بها محدثون وفقهاء وعلماء كلام ومؤرخون وأدباء وشعراء، في إطار عملية تخادم بين السلطة السياسية والسلطة الدينية وسلطة الدعاية. والفتوى الطائفية والعقيدة الطائفية والأرخنة الطائفية، هي سلاح بيد الحاكم الطائفي، وإذا لم ينفذها حاكم؛ ستموت.

المفارقة التي ستظل تشكل عائقاً نفسياً أمام محاولات التقارب الحقيقي بين السنة والشيعة؛ هي النظرة الى هؤلاء الحكام؛ فالشيعة يعدونهم طائفيين وجزارين وقتلة ومجرمين، والسنة يعدونهم ملوكاً عدول فاتحين، قدموا خدمات كبيرة للإسلام. والملفت للنظر إن الخطاب الطائفي يستند الى قاعدة ذهبية في تقويم هؤلاء الحكام؛ فكلما كان الحاكم مغالياً في طائفيته وعدائه للشيعة، وتضمنت سيرته مجازر جماعية كبرى وعمليات استراتيجية لاجتثاث الشيعة؛ كلما كان الخطاب الطائفي مبجلاً وضافياً على الحاكم أوصاف العدالة والتقوى والكفاءة والحزم الديني ونصرة الإسلام والقرآن وحماية المسلمين، بل إن بعض الخطاب الطائفي الأكثر تطرفاً؛ يجهر في توصيف هؤلاء الحاكم بجملة: ((قاهر الشيعة وناصر السنة))، ولايزال هذا الخطاب في أوج قوته واتساعه.

والمفارقة الأُخرى؛ أن بعض حسني النية من الشيعة والسنة يدعون الى تجاوز هذا التاريخ، وعدم اجتراره، وأنه زمن مضى، وعلى المسلمين اليوم الالتفات الى واقعهم ومشاكلهم، وهذا خطاب جميل ورقيق وينم عن إخلاص، لكنه نظري وغير واقعي؛ لأن عدم اجترار هذه الأحداث والوقائع وعدم التوقف عند هذه أسماء هؤلاء الحكام، درءاً للفتنة الطائفية، يستوجب إجراءات على الأرض، تستوجب الكف عن امتداح هؤلاء الحكام وتأليههم نهار مساء، في الكتب ووسائل الإعلام والمناهج الدراسية، وإطلاق أسمائهم على المدن والشوارع والمنشآت العامة، وإنتاج الأفلام والمسلسلات التي تحولهم الى شخصيات أسطورية ملائكية، ولكن؛ في المقابل، يُطلب من الطرف الشيعي أن لا يتكلم بأي كلمة لكشف كل هذا الزيف التاريخي، وعدم استفزاز مشاعر إخوانهم السنة الذين يقدسون هؤلاء الحكام، وإذا تكلم الطرف الشيعي مطالباً بالكف عن الإجراءات المستفزة المذكورة المفروضة عليه في كل ركن من أركان بلاده؛ فإنه يتهم مباشرة بإثارة الفتنة الطائفية. وبالتالي؛ فإن مطلب تجاوز هذا التاريخ، يفرض عدم القيام بأي إجراء استفزازي للشيعي وللسني معاً، وليس لطرف على حساب طرف آخر، وهو نوع من ازدواجية المعايير التاريخية التراكمية التي ظل المسلمون يعيشونها، منذ السقيفة وحتى الآن.

وأبرز هؤلاء الحكام الرموز:

  • معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية (ت 60 ه)
  • يزيد بن معاوية السلطان الأموي الثاني (ت 64 ه)
  • مروان بن الحكم، السلطان الأموي الرابع (ت 65 ه)
  • عبد الله بن الزبير، سلطان الحجاز المنشق على الدولة الأموية (ت 73 ه)
  • عبد الملك بن مروان، السلطان الأموي الخامس (ت 86 ه)
  • الحجاج الثقفي، والي الأُمويين على العراق (ت 95 ه)
  • أبو جعفر المنصور، السلطان العباسي الثاني (ت 158 ه)
  • هارون الرشيد، السلطان العباسي الخامس (ت 193 ه)
  • أبو الفضل جعفر المتوكل، السلطان العباسي التاسع (ت 247 ه)
  • المعز بن باديس، سلطان شمال أفريقيا (ت 454 ه)
  • محمد طغرل بيك، مؤسس الدولة السلجوقية (ت 455 ه)
  • نور الدين زنگي، مؤسس الإمارة الزنگية في بلاد الشام (ت 559 ه)
  • صلاح الدين الأيوبي، مؤسس الدولة الأيوبية (ت 589 ه)
  • محمد شيبك خان الأوزبكي، مؤسس الدولة الأزبكية في خراسان (ت 1511 م)
  • سليم الأول، السلطان العثماني التاسع (ت 1521 م)
  • محمود افغان هوتكي، مؤسس الدولة الهوتكية في شرق بلاد فارس (ت 1724 م)
  • عبد العزيز الأول آل سعود، الأمير الثاني للدولة السعودية الأولى (ت 1803م)
  • صدام حسين، الرئيس الثاني لدولة البعث في العراق (ت 2006 م)
  • سلمان بن عبد العزيز، الملك السابع للمملكة السعودية

ومن بين هؤلاء التسعة عشر، هناك ستة حكام، كانوا الأكثر رمزية في الجريمة الطائفية، فقد غيروا ديمغرافيا الطوائف وجغرافيا المذاهب الإسلامية، هم: معاوية بن أبي سفيان والمنصور العباسي وصلاح الدين الأيوبي وسليم الأول العثماني وعبد العزيز الأول آل سعود وصدام حسين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

ـ

(1) أنظر: علي المؤمن، “الاجتماع الديني الشيعي

(3) أنظر: المصدر السابق، ص 57.

(4) حول نشوء العقيدة الأموية وأسسها الفكرية والسياسية، راجع: علي المؤمن، “المنظومة الطائفية”، الفصل الأول.

(5) وهو ما أراه أيضاً، ولا يقدح في انتمائه الشيعي قتله الإمام الرضا، لأن عقم الملك دفع المأمون الى قتل أخيه الأمين من أجل السلطة، بل أنّ أغلب السلاطين مستعدون لقتل آبائهم وأولادهم، حتى لو لم يكونوا منافسين لسلطتهم، كإجراء احترازي، وهو ما نجد مئات النماذج منه في دول المسلمين، الشيعية منها والسنية، كالعباسية والعثمانية والصفوية. وبالتالي؛ فكون المأمون الحاكم شيعياً لا يمنعه من قتل إمام زمانه الذي كان يعترف بإمامته، كما المستفاد من بعض الروايات

(6) أبو إسحاق، “طبقات الفقهاء”، ص54، والخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 8 ص 424

(7) ترتيب المدارك، ج 1 ص 192.

(8) تذكرة الحفاظ، ج 1 ص 190.

(9) ترتيب المدارك، ج 1 ص 45.

(10) محمد أبو زهرة، “مالك”، ص 207.

(11) يذكر ابن كثير بأن الإمام مالك بن أنس، قبل التحاقه بالسلطة العباسية، قد أفتى بجواز الخروج مع محمد النفس الزكية، فقيل له: ((إن في أعناقنا بيعة للمنصور))، فقال: ((إنما كنتم مكرهين، وليس لمكرَه بيعة)). وكان ذلك سبباً في تعرض مالك الى الضرب من والي المدينة، وأعقبه اعتذار المنصور له، وتقريبه إليه، وانعقاد الحلف بين الطرفين. أنظر: ابن كثير، “البداية والنهاية”، ج 10 ص 84.

(12) محمد أبو زهرة، “مالك: حياته وعصرهـ ــ آراؤه وفقهه”، ص 208 ـــ 211.

  • أنظر: أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة.
  • الكليني، الكافي، ج ١ ص ٤٧٤

(17) كشف الظنون، ج 2 ص 198

(18) مفتاح السعادة، ج2 ص 87

(20) المعيار، ج 12 ص 26.

(21) لشيخ محمد مصطفى المراغي، “بحث في التشريع الإسلامي”، عن كتاب “تأريخ حصر الاجتهاد” للشيخ أغا بزرگ الطهراني، ص 108.

  • المقريزي، الخطط.

(27) الأُسرة الصفوية أُسرة موسوية علوية هاشمية جليلة، من ذرية السيد حمزة بن الإمام موسى بن جعفر، وكانت تقيم في شمال العراق، وهو ما دفع بعض المستشرقين الى نسبتهم الى الكرد، لأن الكردية لغتهم الأصلية، ثم هاجر جدهم الى منطقة أردبيل الإيرانية، وتصاهروا مع الآذريين المنسوبين الى الترك، وأصبحت لغتهم آذرية بالتدريج، تأثراً بلغة أهل المنطقة، وهو حال جميع الأُسر العلوية والعربية المهاجرة الى البلدان الإسلامية، ومنها إيران. والصفويون هم أبناء عمومة جميع أسر السادة الموسوية، ولاتزال فروع منهم تنتشر في إيران والعراق وآذربيجان وسوريا ولبنان وغيرهما. وكان شاهات الدولة الصفوية، ككل الملوك والزعماء، فيهم الصالح والطالح، لكن الدولة بشكل عام، قدمت خدمات تاريخية كبيرة للإسلام ولمذهب آل البيت.

ولعل أفضل من كتب في هذا المجال السيد علاء نجف في كتابه المخطوط ((رجال المجد والعزة في سلالة الشريف حمزة بن الإمام موسى الكاظم))، وهي موسوعة في تراجم الأسرة الصفوية وأبناء عمومتها.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment