حضور المنظومة الطائفية في الواقع الإسلامي

Last Updated: 2024/06/09By

حضور المنظومة الطائفية في الواقع الإسلامي

د. علي المؤمن

منهج دراسة المسألة الطائفية في الواقع الإسلامي

منذ نشوء المنظومة الطائفية في الواقع الإسلامي، وتشكيل نواتها وظهور ممارساتها المدخلية في عصر صدر الإسلام؛ فإنها لم تكن ذات أهداف دينية أو رؤى عقدية، بل ظلت تعمل وفق أهداف سلطوية وسياسية وممارسات إقصائية، لكنها تحوّلت بمرور الزمن إلى عقائد وفرق ومذاهب، مؤطرة ــ غالباً ــ بألوان من الطائفية السياسية، أي أن الوجود للطائفي في الواقع الإسلامي، يسبق ظهور الفرق العقدية والمذاهب الفقهية، بل أن أغلب هذه الفرق والمذاهب تأسس بناء على الأمر الواقع الطائفي أو الفرز الطائفي القائم أساساً.

وهذا لا يعني أن الخلاف بين المسلمين بدأ سياسياً وطائفياً، بل كان هناك تباين في النظرة الى خلافة رسول الله؛ ففريق الإمام علي كان يعتبرها شأناً عقدياً ودينياً، بالنظر لوجود نصوص ووصايا من الرسول، وهي نصوص دينية وليست سياسية، كما يعتبرون الخلافة شأناً دينياً وسياسياً غير منفصلاً في بعديه، أو أنها الشق السياسي الإداري الدنيوي من الإمامة، بينما كان يرى فريق من الصحابة أن الخلافة شأن سياسي ودنيوي، ويرى بأن الخلاف حولها خلاف سياسي خاضع لوجهات النظر فيمن يمكنه قيادة الأمة ورئاسة الدولة بعد النبي، وليس موضوعاً دينياً عقدياً. وبالتالي؛ فإن الخلاف ليس له توصيف موحّد بين المسلمين، لأن كل فريق ينظر إليه من زاوية مختلفة. وهو ما اضطرهما الى الدخول تدريجياً في سجالات ومماحكات روائية ثم كلامية ثم فقهية، فضلاً عن الصراعات السياسية، التي بدأت في عهد الخليفة عثمان، وسيطرة آل أمية على مقدرات الدولة، وهو ما أفضى الى تأسيس الفرق الكلامية والمدارس الفقهية، والتي عززها الابتعاد عن عصر النص، وعمليات الوضع في الحديث خلال حكم معاوية بن أبي سفيان، واختطاف الدولة الإسلامية، وإقصاء آل البيت، وما رافقه من ممارسات وسلوكيات تتعارض مع بديهيات الشريعة. وهكذا بات الموضوع الطائفي خليطاً من السياسة والسلطة والرواية والعقيدة والتفسير والفقه.

وبقي الواقع الاسلامي محكوماً بهذا الخليط التاريخي، بل يعيشها بكل تفاصيلها؛ فما برح المسلمون يعيشون التاريخ، ويتفاعلون مع أحداثه، وكأنهم جزء منه وهو جزء من حیاتهم الیومية. کما ظلت إثارة الموضوع الطائفي وتضخيمه واللعب على تناقضاته، خارج سياقاته التاريخية والموضوعية، محكومة بالظرف السياسي، وبقوة المنظومة الطائفية أو ضعفها، حتى نجد ــ غالباً ــ أن وراء هذه الإثارات مؤامرة من قبل المنظومة الطائفية، تستهدف الواقع الإسلامي في الصميم، وتضع نصب عينيها تمزيقه وشرذمته.

وفضلاً عن العامل الداخلي التاريخي المتمظهر في التباين والتضاد والتعارض بين تيارات المسلمين العقدية ومذاهبهم الفقهية ومجتمعاتهم (الطوائف) وتوجهاتهم الفكرية والسياسية؛ فقد دخل عامل آخر على خط خلافات المسلمين وتشتيتهم، هو العامل خارجي، والذي كان يتمثل سابقاً في دور اليهود والنصارى في اختراق مدونات الحديث والرواية، بينما بات يتمثل منذ ثلاثة قرون تقريباً في التدخل الأوروبي، الفكري والسياسي والعسكري، والذي ظل يستثمر الخلاف ويصعده ويجني نتائجه.

ولا شك؛ إنّ العصبية الطائفية مرض قاتل في جسد أمة الإسلام، لأنها نزعة سياسية اجتماعية إقصائية، لا علاقة لها بتعاليم الدين والتمسك بها، أو الالتزام الديني المذهبي، فالمتعصب الطائفي ليس بالضرورة أن يكون متديناً أو ملتزماً نظرياً وسلوكياً وعبادياً بتعاليم المذهب، لكنه يتعامل مع موضوع الطائفة تعاملاً اجتماعياً سياسياً، شأنه شأن العنصري؛ فالعنصرية هي أيضاً نزعة اجتماعية سياسية، ومظهرها التعصب للعرق والقومية، وإقصاء أبناء القوميات الأُخر وتهميشهم سياسياً واجتماعياً وثقافياً ومعيشياً. وإذا ما اجتمعت النزعتين الطائفية والعنصرية في جماعة واحدة(1) تعيش داخل أمة المسلمين؛ فإنها ستكون سلاح دمار شامل وخلية سرطانية فتاكة.

كما أنّ التكتم على جذور الطائفية وأفكارها وأعراضها ومن مارسها ويمارسها، بذريعة عدم إثارة الطائفية؛ هو تكريس للطائفية وتثبيت لدعائمها الى أمد غير منظور، كالتكتم على وجود المرض في جسد المريض. ولذلك؛ فإن دور الطبيب الحاذق يبدأ بدراسة أعراض المرض، كمقدمة لمكافحة الخلايا السرطانية والفايروسات والجراثيم، وهي الدراسة التي ينبغي أن تكون عميقة ولصيقة بالمرض، أما ترك الحديث عن المرض، والتغطية عليه، والنظرة السطحية إليه، بحجة عدم تخويف المريض وأسرته أو كيلا يشمت خصوم المريض؛ فإنه لن يؤدي الى معالجة المرض، بل سيقود المريض الى الموت قطعاً. أي أن التكتم على مسارب الطائفية وأفكارها وأعراضها ومن مارسها ويمارسها؛ بذريعة عدم إثارة الطائفية؛ هو الآخر تكريس للطائفية وتثبيت لدعائمها الى يوم القيامة. وحين يتعمق الطبيب بموضوع المرض ومسبباته، ويتحدث عن أعراضه؛ فإنه يهدف الى استئصال المرض، ولا يريد مفاقمة المرض وتحفيز مسبباته.

وهنا يتقمص الباحث في موضوع الطائفية، دور الطبيب في أساليب اكتشاف المرض في الجسد وتشخيص حجمه، ثم تشخيص العلاج والدواء، ما يعني أن الفرق بين الطبيب الذي يقوم بالكشف عن جذور المرض وأسبابه وأعراضه، وبين الفايروس الذي يتسبب في المرض ويقود المريض الى الموت، هو فرق لا يحتاج الى استدلال. وبما أن الدراسة الموضوعية لمرض الطائفية، بهدف تشخيصها والمساهمة في علاجها، يحتاج الى مهارة ودرجة عالية من الوعي والتخصص والخبرة والممارسة؛ فإنّ الطبيب الذي يقوم بهذه المهمة، كأنّه يمشي على حد السيف، ويواجه مهمة صعبة جداً. وهنا لابد من التحذير والتشديد على خطورة إثارة الموضوعات الطائفية دون وعي بهذه الخطورة، ودون الإمساك بخيوط الحل والعلاج، وإلّا فإن العبث في هذا المضمار ومجرد الإثارة؛ سيؤدي الى تفاقم أعراض الطائفية.

وبالتالي؛ لا يمكن تجنب المعالجات العلمية الحفرية لواقعنا الوطني والإقليمي والإسلامي وأمراضه؛ بمسوغ استغلالها من السياسيين أو من الخصوم، أو بمسوغ عدم توافر الوعي والخبرة والتخصص، لأن السياسي والخصم والعدو يستغل أي شيء لتحقيق أهدافه، بل يستغل حتى كلام الله والدين والمذهب. وينبغي الالتفات هنا الى أنّ لغة الباحث تختلف عن لغة السياسي والدبلوماسي والصحفي؛ فالباحث ليس سياسياً بحاجة الى إرضاء الآخرين أحياناً، واستفزازهم أخرى، وليس دبلوماسياً أو مفاوضاً لكي يضطر الى الحديث بلغة ضبابية عامة، بل أنّ من بديهيات عمل الباحث الموضوعي المتخصص تسمية الأشياء بمسمياتها، ووصف الواقع وتحليله كما هو، دون مواربة وتسطيح واستغفال لنفسه وللآخرين، وصولاً الى إيجاد مفاتيح الحلول وتفكيك الإشكاليات. كما أنّ من واجب الباحث المنتمي، بصفته العلمية وبحكم انتمائه وهويته؛ عدم العبور على الحقائق، وعدم تجاوز المفاهيم المصطلحات أو تزييفها.

وإذا كان المنهج الحفري الوصفي التحليلي في قراءة المنظومة الطائفية، وجذورها ومساراتها التاريخية، وحضورها في الواقع الإسلامي، وصولاً الى استنتاج الباحث لرؤيته؛ يستفز بعض الناس، ويدفعهم الى توزيع الاتهامات جزافاً؛ فإن هذه مشكلتهم وليست مشكلة الباحث. ومقتضى استخدام هذا المنهج؛ الابتعاد عن هذا الخطاب التسطيحي في الوصف والتحليل والاستنتاج والمعالجة، والذي يقود الى نتيجتين متعارضتين: إحداهما طوباوية، ترى أن المجتمع الإسلامي مجتمع واحد والأمة الإسلامية أمة متعاضدة متكافلة، ولا توجد خلافات وصراعات بين المسلمين، وأن هذه الصراعات صنيعة الكتّاب التي يتحدثون بها، والأخرى سوداوية، تذهب الى أن المسلمين مجموعة أمم متعارضة، لا يمكن أن تتعايش وتتقارب، وأن الوحدة على أساس المصالح بين المسلمين أمرٌ مستحيل، وأن الصراع الطائفي لابد أن يستمر.

    وتدفع هذه المنهجية الحفرية أيضاً، بعض من يصف نفسه بـ (المتحرر من المذهبية) و(العابر على عقد التاريخ)، بتوجيه اللوم للباحث، لأنه يجتر التاريخ ويعيش فيه، ويلوك التراث ويتعبّد به، ويرى ـــ في المقابل ـــ بأن الحل الوحيد لــ (عقدنا النفسية المذهبية) يكمن في تحررنا من لوثات التاريخ والتراث. والحال؛ أن التراث ليس موضوعاً للتعبد ولا للتقديس، بل هو الخزين المعرفي لمنظومة المسلمين الفكرية، وهو يختلف عن أصول الإسلام المقدسة (القرآن والصحيح من السنة)، وهذا الأصلان ليسا تاريخاً ولا تراثاً، بل الثابتان المعياريان لكل أنواع الفكر والسلوك، والتحرر منهما يعني الخروج عن الدين وعليه.

وهنا يكمن الفرق الجوهري بين من يمارس النزعة الطائفية ويجتر التاريخ، ويحولهما الى مظاهر تعصب وتمييز وتهميش وإقصاء، بهدف إثارة الفتنة الطائفية وتعميقها بين شرائح الأمة والشعوب المسلمة، وبين من يعتمد العقيدة ويستثمر التاريخ ومساراته، ويكشف عن شكل المنظومة الطائفية ومضمونها، ويتحدث عن خطورتها ورموزها، ويضع الحلول للقضاء عليها؛ فالطائفيون هم الذين يمارسون الدور الأول، أما الباحث المنتمي الحريص؛ فهو يمارس دور الطبيب المعالج ورجل الإطفاء. وبما أن الأمة كائنٌ حي؛ فإنها حين تتعرض لأية أزمة مرضية أو ظهور أعراض جديدة لمرض مزمن؛ فعليها ألّا تخفيه ولا تعبر على حقيقة وجوده، بل لابد أن تعترف بمرضها، فذلك هو مدخل الشفاء والتعافي؛ إذ سيدفعها ذلك الى الذهاب الى الطبيب الاختصاص، الذي سيشخص المرض بدوره ويكتب لها العلاج. وأمتنا المسلمة مصابة بأمراض مزمنة، لابد أن نكشف عن أسبابها وأعراضها، حتى وإن كانت الأسباب والأعراض مخجلة وقاسية ومؤلمة، ثم يكون لحكماء الأمة كلمة الفصل في طرق العلاج وأساليبها.

وهنا لابد من الإشارة الى بعض النماذج السرطانية الطائفية، التي ظلت تتبع منهج ((رمتني بدائها وانسلت))، كونها تسببت بشكل أساس في واقعنا المرضي الطائفي، وفي الوقت نفسه اتهمت من يعترض على طائفيتها بأنه طائفي يستحق السجن والجلد والقتل والتشريد ومصادرة الأموال؛ فقد كانت الأنظمة الطائفية الاستئصالية، منذ الأمويين وحتى العثمانيين والوهابيين والبعثيين والقوميين، وصولاً الى الطائفيين من الحركيين الإسلاميين والعلمانيين، تعمل على مسارين متكاملين:

الأول: قمع المختلف المذهبي وتهميشه، ومنعه من الحصول على حقوقه الاجتماعية والمدنية والسياسية والمذهبية، بذريعة الخروج على مذهب الدولة.

الثاني: قمع صوت المختلف المذهبي من الاعتراض على الممارسة الطائفية للسلطة. أما مسوغ السلطة هنا فهو أن هذا الصوت هو صوت طائفي يعمل على بث الفرقة في المجتمع وزعزعة أمنه الاجتماعي.

والمفارقة هنا تكمن في المسار الثاني؛ فمسوغ السلطة في اتهام كل من يعترض على ممارساتها الطائفية بأنه طائفي، إنما هي تهمة معلبة جاهزة، أو بكلمة أخرى، سيف مسموم تذبح به السلطة الطائفية الاستئصالية كل من يعترض على قمعها الطائفي؛ فإذا أراد الآخر المذهبي ممارسة شعائره الدينية بحرية؛ فهو طائفي، وإذا أراد المطالبة ببعض حقوقه الاجتماعية؛ فهو طائفي، وإذا تحدث بجزء من مظلوميته؛ فهو طائفي. وهذا اللون من القمع المركّب والإقصاء والقتل السياسي والإعلامي الاستفزازي، لايزال يمارسه الطائفيون بكل أشكالهم، ضد كل من يتحدث عن طائفيتهم، بهدف الإبقاء على الواقع الطائفي المتراكم كما هو، وتسقيط كل من يواجههم ويفضحهم متلبسين بطقوسهم الطائفية. في حين أن الالتصاق بالواقع والبيئة والزمان والمكان، واستشعار المخاطر بشكل موضوعي ومعتدل، سيقود تلقائياً الى معالجة أمراض الواقع، وفي مقدمتها الطائفية، لتجنب العيش على أنقاض وتراكمات مَرَضية معدية، والتغطية على هذه النفايات الملوثة. ولعل أكثر من يستطيع معالجة الطائفية، هو من اكتوى بنارها، وأبصر ضوء الحياة وهو يعيشها بكل تفاصيلها وأشكالها ومضامينها. ولذلك؛ فإن بغض الطائفية والتمييز الطائفي والتهميش والإقصاء من الذي اكتوى بنارها، ليس مجرد بغض نظري وترف فكري وتشدق بالحقوق والحريات، كما يفعل المترفون فكرياً والمتفرجون والمنفعلون والمصلحيون، بل هو بغض ورفض معجون بالتجربة المريرة، وبالتالي؛ لا يمكن للإنسان العاقل السليم أن يبغض ظاهرة ويمارسها.

والواقع الإسلامي بأمس الحاجة دائماً الى حراك شامل مركّز يقوده عقلاء الأمة، فضلاً عن جهود فكرية وإعلامية وبحثية مكثفة من شأنها التقريب بين فصائلها ومكوناتها، ولا سيما الطائفتين السنية والشيعية، بالنظر لأجواء الشحن والتوتر الطائفي التي تميز المشهد الإسلامي، وخاصة بعد التحول السياسي والاجتماعي الذي أعقب تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتداعياته وآثاره في المنطقة الإسلامية، وكذلك سقوط دولة البعث في العراق وتداعياته، ثم تحرر الأمة الإسلامية نسبياً من ظاهرة الحصر الطائفي والانغلاق المذهبي. ولعل من أخطر هذه التداعيات تنامي ظاهرة التكفير، والاستخفاف بدماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ومقدساتهم.

خطاب إسلام بلا مذاهب

خطاب “إسلام بلا مذاهب” الذي يتبناه بعض الباحثين المسلمين(2)، هو جزء من الخطاب التسطيحي العابر على الواقع، لأن وجود المذاهب والفرق والطوائف في الأديان والعقائد أمر بديهي ومتجذر في الواقع الإنساني، ولا يمكن تجاوزه وتجنبه وتجاهله، بل لا ينفع أي جهد لمحاربته ومقاومته إطلاقاً؛ إذ تبدأ المذاهب والفرق بالظهور تدريجياً كلما ابتعد أتباع الدين عن زمن التأسيس والتشريع والنبوة، وهي تمثل – عادة – قراءات واجتهادات في ثوابت الدين وأصوله؛ فيما لو كانت أهداف الفقهاء والمتكلمين المؤسسين دينية وأدواتهم علمية، وفي النتيجة؛ يرى كل صاحب مذهب انه على الحق. وهذه سنة الله والتاريخ في الخلق. وهنا لابد من التأكيد على أن قاعدة الاجتهاد والقراءة العلمية الدينية تستثني أصحاب الأهداف الدنيوية السلطوية، الذين عملوا على تأسيس منظومات عقدية مبتدعة في الدين، تتعارض مع الدين نفسه؛ خدمة لأهدافهم السلطوية، ونماذجهم: السامري في اليهودية، وقسطنطين الأول في المسيحية، ومعاوية في الإسلام.

ولا يختص ظهور المذاهب والفرق بالإسلام والديانات السماوية؛ بل يشمل الفكر البشري الأرضي أيضاً، فكل مذهب فكري وضعي هو عرضة ليتحول تدريجياً الى مذاهب وطرائق، كلما ابتعد أتباعه عن زمن المؤسس والتأسيس، وربما تكون العقيدة الشيوعية ومذاهبها التي تمثل قراءات واجتهادات في فكر ماركس؛ دليل واضح على هذه الحقيقة.

وبالتالي؛ فإن الحديث عن إلغاء المذاهب والطوائف أو توحيدها أو الرجوع الى أصول الإسلام دون مذاهب؛ إنما هو حديث خيالي وطوباوي. وحتى من يريد، بحسن نية، العودة الى الأصول مباشرة، دون المرور بالمذاهب؛ فستكون له، إلزاماً، قراءته الخاصة واجتهاده المستقل، وسيتحول بمرور الزمن الى مذهب جديد، ثم الى طائفة جديدة.

ومن البديهي أيضاً أن المذاهب الكلامية والفقهية؛ تفرز بمرور الزمان مجتمعات إنسانية خاصة بكل مذهب، وهذه المجتمعات تسمى الطوائف الدينية، وهي تمثل هويات اجتماعية دينية ضاغطة ومائزة، وهو أهم الظواهر التي يدرسها علم الاجتماع الديني. ولا يشترط في الانتماء لهذه المجتمعات أو الطوائف أن يكون الفرد فيها متديناً أو ملتزماً بالفرائض والطقوس، لكنه ينتمي انتماءً اجتماعيا للمذهب وليس انتماءً فرائضياً؛ بل وحتى ليس عقدياً أحياناً. وهذا هو المانع الكبير الآخر أمام إلغاء المذاهب وتوحيدها وتجاوز حقيقتها.

ولكن؛ يمكن التقريب بين أتباع المذاهب وتوحيد توجهاتهم، في إطار اشتراك المصالح الدينية العليا، أو التعايش الوطني والإقليمي، أو أية مصالح مشتركة أخرى، وهي مهمة لا تقتصر على النخبة الفقهية والعلمية والفكرية وحسب، كما يعتقد بعض أصحاب فكرة التقريب بين المذاهب، وهي الفكرة التي أثبتت ضعف فاعليتها على طول التاريخ؛ بسبب اعتمادها حقيقة المذاهب، ممثلة بعلمائها، وإلغائها أهمية مجتمعات المذاهب، ممثلة بالمحاور الفاعلة الأُخر فيها؛ ظناً من أصحاب فكرة التقريب أن مجتمعات المذاهب تنقاد بأكملها الى علماء الدين وحسب، وان علماء الدين السنة والشيعة إذا اتفقوا على شيء؛ فإن الأمة ستنقاد إلى توجيهاتهم تلقائيا.

والحال أن هناك محاور فاعلة ومؤثرة في مجتمعات المذاهب، غير الفقهاء وعلماء الدين، كالمفكرين والمثقفين والكتّاب والإعلاميين والأكاديميين والأدباء والشعراء والخطباء والفنانين وشيوخ العشائر والوجهاء الاجتماعيين والطلبة والشباب والنساء، فضلاً عن المؤسسات التي تضم هؤلاء، وبينها منظمات المجتمع المدني، وكذلك الحكام والسياسيين والقيادات الحزبية والتنظيمية. هؤلاء كلهم فاعلون أساسيون في عملية التقريب بين المذاهب وأتباعها. ولا شك أن إغفال دورهم المصيري هو السبب في عدم فاعلية فكرة التقريب بين المذاهب، والإبقاء عليها في حدود المقولات النظرية والجهود العلمية، وعدم تحولها الى واقع ميداني قائم على أرض مجتمعات المذاهب (الطوائف).

الشيعة: إشكالية معرفية لدى النخب السنية

من العوامل المهمة التي تفاقم الفرقة والخلاف بين أتباع المذاهب المسلمين هو جهلهم بالتفاصيل العقدية والفقهية والتاريخية المثيرة للجدل للآخر المذهبي، وعدم الاطلاع عليها من مصادرها الأصلية، رغم إدراك الجميع حقيقة أن ((الإنسان عدو ما يجهل))(3). ولكي لان عمم ونبتعد عن الإنصاف؛ فإن النخب الشيعية، بل عموم متعلميهم، لا يفرقون في مطالعاتهم بين كتاب مؤلفه شيعي أو كان سنياً، لذلك نجدهم مطلعون بعمق على معتقدات وأفكار وآراء الفقهاء والمتكلمين والمفكرين السنة. كما أن كثيراً من النخب الشيعية؛ يعد فكر الشخصيات الإسلامية السنية فكراً إسلامياً عاماً وثقافة إسلامية مشتركة، وليس فكراً مذهبياً أو طائفياً. ولكن؛ في المقابل تحجب أغلب النخب السنية عن أعينها الفكر الإسلامي الذي ينتجه المفكرون والعلماء الشيعة، ويعدونه فكراً مذهبياً، وظلت هذا الحالة مثار سؤال دائم، فلماذا لا يطّلع أهل السنة ومتعلموهم على معتقدات الشيعة وفقههم ورؤاهم الفكرية من كتبهم وليس من كتب أهل السنة أو من كتب خصومهم؟، ولماذا لا تقرأ النخب السنية للمفكرين الإسلاميين الشيعة؟(4)، فمن المدهش والغريب، والعالم يعيش عصر المعلوماتية وسهولة اقتناء اي كتاب وبحث ومعلومة خلال ثواني، أن تكون معلومات أغلب السنة عن الشيعة هي معلومات مأخوذة من مؤرخين وصحافيين وباحثين خصوم!.

والمشكلة أن ممارسات التجهيل لعامة الناس يقوم بها بعض من يُعدُّ من أهل العلم والفكر والثقافة؛ وإلَا كيف نفسر إصرار كثير من هؤلاء على أن الشيعة مجوساً، وأنهم مذهب يهودي وطائفة ماسونية، وإن مؤسسهم هو الشخصية الأسطورية عبد الله بن سبأ وغيرها من التخاريف؟! بل ويبذلون جهوداً مضنية لإثبات ذلك مستندين الى كتب المشايخ السلف من خصوم الشيعة، وبالتالي؛ يحكمون على الشيعة بالكفر والشرك والزندقة عقائدياً، والخيانة والعمالة سياسياً؛ وبأنهم مهدورو الدم عملياً. ويعود ذلك ــ كما ذكرنا ـــ الى ظاهرة عدم الوعي المتعمد وغير المتعمد لدى مفكري السنة وعلمائهم ومثقفيهم وكتّابهم؛ بعقائد الشيعة وفقههم وفكرهم ومساراتهم التاريخية؛ الأمر الذي يؤدي قسراً الى تفسيرات طائفية لدى هؤلاء في كل تحرك أو حدث يكون طرفه شيعي.

تحريف التاريخ والوضع في السنة

الركيزة الأساسية الأخرى التي تتسبب في استمرار حالة الشقاق النفسي والعملي بين السنة والشيعة، هي اعتماد الباحثين وعلماء الدين على الموروث التاريخي للخلاف، والذي تسبب بأغلبه الرواة والوضاعون والمؤرخون الجهلاء أو المندسون أو موظفو السلطتين الأموية والعباسية، حين ارتكبوا جريمة تحريف السنة النبوية وتحريف السيرة والتاريخ. فإذا تركنا جانباً المحدثين والرواة والوضاعين (خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة) جانباً، ودرسنا كتابات الذين جاؤوا فيما بعد (القرون الرابع حتى الثامن)، والذين تحملوا مسؤولية تدوين التاريخ الإسلامي، نرى أن مساهمتهم في تأجيج الفتنة الطائفية وتعميق الفرقة بين المسلمين، لا تقل خطورة عمّن سبقوهم من الرواد، بل وتفوقها أحياناً، فكما طعن البعض في أئمة المذاهب السنية الأربعة، فإن الكثيرين من المؤرخين اتجهوا بكل ثقلهم للطعن في أئمة الشيعة وتلامذتهم وأتباعهم وفكرهم.

يقول ابن عبد ربه المالكي (ت328هـ): ((الرافضة(5) يهود هذه الأمة، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية، وإن محنتهم هي محنة اليهود، كما قالت اليهود: لا يكون الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب))(6). بينما عدّ ابن طاهر البغدادي (ت429هـ) الشيعة بأنهم ((من أهل الأهواء))، ووفّر على معاصريه مهمة تكفير الشيعة بجميع مذاهبهم، بمن فيهم الإمامية، في فصل كامل من كتابه(7)، وهو ما فعله ابن حزم الظاهري (ت456هـ) أيضاً، حين اعتبر ((الشيعة، ومنهم الإمامية الاثنا عشرية، مرتعاً لكل من يريد الكيد للإسلام))، وأن ((الإمامية من الروافض سلكت مسلك اليهود والنصارى في الكذب والكفر))، وأن ((أهل السنة هم أهل الحق، ومن عاداهم فأهل البدعة))(8).

أما أحمد ابن تيمية (ت728هـ)؛ فكان الأكثر عداءً للشيعة وطعناً بأئمتهم، بدءاً بالإمام علي، واعتبرهم ملة خارجة عن الإسلام. ويقول بأن ((الرافضة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته مع كونهم على مذهب الرافضة، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا صاروا من أهل السنة))(9). ويؤيده ابن خلدون (ت808هـ)، حين يقول في مقدمته: «وشذّ أهل البيت في مذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به»(10).

وكانت مجمل هذه الكتابات والمقولات هي المراجع التي اعتمدها المؤرخون الذين ظهروا في القرون اللاحقة، وكذلك فعل الكتّاب المعاصرون (كما سنعرض لذلك في فصل قادم)؛ الأمر الذي يؤكد الدور السلبي الذي مارسه معظم المحدثين والرواة والمؤرخين وعلماء الكلام، وما زالت آثاره قائمة حتى الآن، في تصديع كيان الأمة وتسويغ انقساماتها، وهو ما ظل هدفاً للسلطات التي حكمت المسلمين منذ نهاية عصر الخلافة الراشدة؛ فتاريخ المسلمين كتبه الحاكمون ـــ غالباً ـــ عبر عقول وأقلام قريبة منهم سياسياً وطائفياً، وحتى المؤرخ والكاتب المحايد – إن وُجد – فإنه يصعب أن يكتب ما يسيء إلى الحاكم، وإن أصر على كتابة الحقائق. وبالتالي؛ من الطبيعي أن تكون كتابات وآراء ابن عبد ربه وابن طاهر وابن حزم وابن خلدون وعشرات غيرهم معبرة عن آراء الحاكمين ورغباتهم، فضلاً عن انسجامهم مع انتمائهم الطائفي.

ومن خلال حركة الوضع في السنة وتحريف التاريخ، انبرى معظم الفرق والمذاهب لدعم رموزه ومواقفه العقدية والفقهية والتاريخية، بغية ضرب الفرق والمذاهب الأخرى، واستقطاب المسلمين إليه، وكان ذلك مدعاة لخلق مزيد الفتن وتعميق الصراع الطائفي. فنرى في التاريخ أن بعض الشيعة غالوا في حب أئمة أهل البيت، وخاصة الإمام علي، ونسبوا إليهم ما لا يُنسب سوى إلى الله (تعالى)، فخرجوا بذلك عن جادة الدين ودائرة التشيّع، وقد تبرأ منهم أئمة المدرسة الشيعية وعلماؤها. كما غالى أتباع المذاهب السنية في أئمتهم، وافتروا عليهم بأحاديث وكرامات مكذوبة، ظناً منهم بأنهم يحسنون إليهم بذلك، ولو كان أئمة المذاهب، ومنهم الأئمة الأربعة، أحياءً في عصر الفتن والنزاعات، لتبرأ كل إمام من أتباعه، ولتبرؤوا من الذين يضعون الأحاديث على لسان رسول الله بحقهم.

فقد زعم – مثلاً – بعض المتقدمين من أتباع المذهب الحنفي، أن أبا حنيفة أعلم من رسول الله، وكان من هؤلاء، أتباع عبد الله بن مبارك، حيث يقول علي بن جرير: «كنت في الكوفة، فقدمت البصرة وفيها عبد الله بن مبارك، فقال لي: كيف تركت الناس؟ قال: قلت تركت بالكوفة قوماً يزعمون أن حنيفة أعلم من رسول الله(ص). قال قلت: اتخذوك في الكفر إماماً. قال: فبكى حتى ابتلت لحيته»(11). وروى آخرون عن رسول الله قوله: «الأنبياء يفتخرون بي، وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني»(12).

أما بعض المتقدمين من المالكية، فقال بأن على فخذ مالك مكتوب بقلم القدرة: «مالك حجة الله في أرضه»(13). ويقول القاضي عياض السبتي: «إن مالكاً أهدى سبيلاً وأقوم قيلاً وأصح تفريعاً وتفصيلاً، في حين ترك أبو حنيفة نصوص الأصول وتمسّك بالمعقول، ووجد بعضهم استحسانه أنه الميل إلى القول بغير حجة. أما أحمد وداود الظاهريين، فإنهما سلكا اتباع الآثار ونكبا عن طريق الاعتبار، ولكن داود غلا في ذلك، فتهافت مذهبه واختل نظره، والشافعي خالف بعض أصول المالكية لا عن دراية بل عناداً»(14). فالقاضي عياض هنا يتهم كل المذاهب بالبدعة، عدا مذهبه.

وبشأن الإمام الشافعي، يروي المزني أنه رأى رسول الله(ص) في منامه، فسأله المزني عن الشافعي، فقال الرسول: «من أراد محبتي وسنتي، فعليه بمحمد إدريس الشافعي المطلبي، فإنه مني وأنا منه»(15).

ويروي المديني بشأن الإمام أحمد: «إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة»(16). ويقول الجوزي بالإسناد عن أبي جعفر القاضي: «قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من بحر الهند، فقال: إني رجل من بحر الهند، خرجت أريد الصين، فأصيب مركبي، فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر، فقال لي أحدهما: أتحب أن يخلصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل السلام؟ قلت: ومن أحمد؟ ومن أنتما يرحمكما الله؟ قال: أنا إلياس، وهذا الملك الموكل بجزائر البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت: نعم، فنفض البحر نفضة، فإذا أنا بساحل الأبلة، فقد جئتك أبلغك منهما السلام»(17).

ونحجم عن ذكر مئات الروايات في هذا المجال، والتي تصطدم بأبسط مبادئ الشرع والعقل، ولا يستثنى منها أي من المذاهب الإسلامية، وهي متوافرة في مصادرها وكتبها الأساسية، وتحديداً كتب الحديث والروايات والفضائل والطبقات، وهو ما رفضه آخرون، وأكدوا أن جميع هذه الروايات موضوعة، سواء تلك التي ترتبط بالكرامات أو التي ترتبط بالمثالب، إذ يقول العجلوني في كتابه «كشف الخفاء» والفيروز آبادي في خاتمة «سفر السعادة»: «باب فضائل أبي حنيفة والشافعي وذمهم، ليس فيه شيء صحيح، وكل ما ذكر من ذلك فهو موضوع ومفترى»(18).

بل ولا تنسجم هذه الروايات مع آراء أئمة المذاهب أنفسهم، وخاصة مع ما اشتهر عنهم من القول: «مذهبي صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب»(19). وربما يكفي للدلالة على براءة أئمة المذاهب ممن نسبوا إليهم ما ليس لهم، ما قاله الإمام مالك: «إنما أنا بشر، أصيب وأخطئ، فأعرضوا قولي على الكتاب والسنة»، وقول الإمام أبي حنيفة: «هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي آخر غير هذا قبلناه. حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي» (1)، وقول الإمام الشافعي: «إذا صح بخلاف قولي، فاضربوا بقولي الحائط»، وكذا الإمام ابن حنبل: «لا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا»(20).

كما أن أئمة آل البيت، بدءاً بالإمام علي وانتهاء بالإمام المهدي؛ تبرؤوا من أتباعهم الذين غالوا فيهم، إذ يقول الإمام الصادق: «إن قوماً يزعمون أني لهم إمام، والله ما أنا لهم بإمام، ما لهم لعنهم الله، أقول كذا ويقولون كذا، إنما أنا إمام من أطاعني». كما يخاطب الإمام المهدي صاحبه محمد بن علي بن هلال الكرخي(21) قائلاً: «يا محمد بن علي، قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينهم جناح البعوضة أرجح منه. فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيداً، ورسوله محمد صلى الله عليه وآله، وملائكته وأنبياؤه، وأولياؤه(ع)، وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا، أني بريء إلى الله وإلى الرسول ممن يقول: إنا نعلم الغيب، ونشاركه في ملكه، أو يحلنا محلاً سوى المحل الذي رضيه لنا وخلقنا له»(22). وكان أحمد بن هلال الكرخي عم محمد بن علي الكرخي من أصحاب الإمام العسكري إلا أنه غلا فيما بعد، فتبرأ منه الإمام المهدي.

وهذه المؤيدات، تؤكد ضرورة إخضاع روايات ومدونات الرواة والمؤرخين والكتّاب الذين عاشوا في ظل الحكومات الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية والصفوية إلى التمحيص الدقيق والتحليل التاريخي المعمَّق، للحيلولة دون تكريس منهج التفرقة والانقسام الذي أسسه معظمهم بأمر من السلطات. وقد فتحت المدرسة الشيعية لعلمائها باب الطعن في الحديث، بعد أن ابتليت – كالمدرسة السنية – بالأحاديث والروايات التي دسّها الغلاة وبعض أصحاب المصالح الضيقة في كتبهم. ومن الأمثلة في هذا المجال موسوعة «بحار الأنوار» في الحديث للشيخ المجلسي (ت1110هـ)، التي فيها الكثير من الأحاديث الضعيفة، والتي سعى علماء المذهب لاستخراجها وتصحيحها. وحتى كتاب «الكافي»(23) الذي يعده الشيعة أهم كتبهم الأربعة، فإن بعض علمائهم ذكر أن فيه «9485» حديثاً ضعيفاً من مجموع «16121»(24)، في حين ذكر محقق معاصر أن «4428» من أحاديث الكافي صحيحة فقط والباقي متروك(25). حتى أن السيد مرتضى العسكري يرد على الحديث المنقول عن الإمام المهدي(ع) والذي مضمونه «إن الكافي كافٍ لشيعتنا»، فيقول عنه: «قول مجهول راويه، ولم يسمِ أحد اسمه، ويدل على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت(ع) بعد الكافي»(26).

وإذ فتحت المدرسة الشيعية باب الطعن في الأحاديث المروية في أهم كتبها، فإن المدرسة السنية لم تحاول ذلك بعد، وخاصة في مرويات أبي هريرة وابن اسحق والبخاري، حيث تعتبر أن كتب الصحاح الستة في الحديث، ولا سيما صحيح البخاري، هي كتب صحيحة، ولا يرقى إلى أحاديثها ورواياتها.

وهذا لا يعني أن تنقية كتب الموروث الإسلامي هو عمل عام وارتجالي ودعائي، يمكن للجميع ممارسته دون معرفة عميقة بالضوابط العلمية، بل هو عمل تخصصي، ومكانه المؤسسات العلمية الدينية التخصصية، شأنه شأن أي عمل علمي آخر، فوسائل الإعلام العامة ليست منبراً علمياً تخصصياً مناسباً، لكي يتم عبره طرح موضوعات الإصلاح العلمي والفكري والكلامي والفقهي؛ إن كان الهدف هو التنقية والتصحيح، ولا الزمان الطائفي الصاخب الخطير الذي تعيشه الأمة والمجتمعات الإسلامية، يصلح للمقاربات التصحيحية المثيرة للصراعات الطائفية المجتمعية، ولا المنهج الانتقائي التعميمي هو منهج موضوعي، ولا النتائج المستندة إليه يمكن أن تكون علمية.

لا نختلف أن كثيراً من آراء الغلو والإقصاء والخرافة موجود في موروثات المسلمين الروائية والتاريخية والعقدية والفقهية، وإن اندثر آراء أغالبها، ولم يعد معمولاً به في منهج أغلب علماء المسلمين. لذلك؛ ليس من الوعي والحكمة والموضوعية والإصلاح أن نبش الموروث الإسلامي بأسلوب عشوائي ودعائي، وانتقاء ما يتطابق مع الأهداف الطائفية والشخصية والايديولوجية والسياسية، وتسخيرها لنتائج مسبقة، وإعادة ترويجها بأساليب شعبوية ودعائية، بحجة النقد والتصحيح، ولكن الهدف الحقيقي هو ضرب الفرق والمذاهب الأخرى.

وبالتالي؛ فإن هذا الخطأ المركب يكشف بوضوح عن الافتقاد لحكمة ((لكل مقام مقال))، ولوعي متطلبات الزمان والمكان، فضلاً عن الافتقاد لصوابية المنهج العلمي والمخرجات البحثية حيال هذا الموضوع. وهو ما يتطلب معالجة سريعة ومركزة للموقف، لإغلاق باب الاتهامات والاصطفافات المتجددة ضد الشيعة.

الطائفيون وازدواجية المعايير

يمكن إسقاط عنوان المعايير المزدوجة أو سياسة الكيل بمكيالين على أكثر من حالة في عالمنا المتخم بالتناقضات والمفارقات، ولاسيما على صعيد المعادلات الاجتماعية والسياسية، سواء المرتبطة بالسياسات الدولية أو السياسات الإقليمية، وصولا إلى السياسات المحلية في بلد من البلدان. ولكي نبتعد قليلاً عن الخطاب التنظيري، ينبغي أن ننطلق من صلب الواقع الذي نعيشه؛ لنصل إلى حقيقة الدور الذي يمكن أن تلعبه شفافية مثل هذه المنهج الصريح في مواجهة سياسة الكيل بمكيالين أو المعايير المزدوجة، وإلا فالحديث التنظيري يمكن ترديده في التجمعات التعبوية والمؤتمرات الاستنهاضية. أما حديث الواقع فيعني وضع القدم الأول على طريق الانعتاق من جزء من الطائفية القائمة، ونعني بذلك الوقوف على بعض النقاط الأساسية في المعايير المزدوجة التي يستخدمها الطائفيون، ممثلون بتياراتهم الفكرية والسياسية، وأنظمتهم، قياساً بسياسات الغرب في هذا المجال؛ على اعتبار أن العدوى التي انتقلت إلى هذه التيارات والأنظمة هي أخطر بكثير من أصل سياسة الغرب المتناقضة واصل المرض التي نعتقد أن الغرب يعاني منه.

لا يرى الغرب أي تناقض في سلوكياته وفي سياساته التي يستخدمها تجاه الشعوب المسلمة وسائر الشعوب الأخرى؛ فهذا هو الغرب، في عقله وفي تكوينه وفي بنيته الفكرية وفي منظومته السياسية وسلوكياته، متناقض ومنفصم، وتنطوي تصرفاته على كم هائل من المفارقات والازدواجية، ولكنه لا يرى نفسه كذلك، لأن هذه السياسات تعبر عن وعيه بنفسه وبالآخر، وتستند إلى بنيته؛ إذ إن العقل الغربي هو عقل مصلحي براغماتي مادي استعلائي. وهذه الأوصاف قد تكون في المعايير المثالية أو القيم الأخلاقية أو المبادئ الإنسانية الأساسية لونا من الشتيمة، ولكنها في معايير القيم الفكرية والسياسية الغربية تمثل الواقعية والعقلانية بكل خصائصهما التي فصلها العقل الغربي على مقاساته. ومن هنا فان مضمون مصالح الغرب وشكلها تمثل وعي هذا العقل بذاته وبالآخر، وتتمظهر في سلوكياته، وهي سلوكيات تمثل العقلانية والواقعية من منظاره، والمزدوجة من منظارنا. وهذا ما يجعل الغرب منسجما بالكامل مع نفسه.

فمنذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى الآن والغرب الاستعماري يمارس أبشع ألوان المعايير المزدوجة. فهو من جهة يرفع شعارات الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان والحريات، وربما تجد تطبيقاتها في الداخل الغربي بصورتها ومضمونها المتناسبين مع الأفكار، لكنه في الوقت نفسه ينتهك حقوق الإنسان بأكثر الصور ترويعا في جغرافيا الشعوب المستعمرة أو المناطق التابعة لنفوذه. ومثال ذلك فرنسا الداخل: الثورة المناهضة للاستبداد والحكم المطلق والمنادية بالحقوق والحريات، وفرنسا الخارج: سجلها الاستعماري والتبشيري في شمال أفريقيا ووسطها وبلاد الشام. ومثال بريطانيا العظمى: تقاليدها العريقة في أساليب الحكم والإدارة، وأفكار علماء السياسة والقانون فيها، وسجلها الاستعماري في الخارج: الاحتلالات وألوان الاستيطان في آسيا وأفريقيا وأمريكا، فضلاً عن تأسيسها أسوء مشروع استعماري استيطاني في فلسطين.

ومثال الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، التي تنتمي إلى أكثر دساتير العالم  تحضرا، والى أفكار ثورتها الاستقلالية التحررية، وتبشيرها بكل ما يتناقض مع سلوكيات بريطانيا المستعمرة  آنذاك، ولكنها في واقع الحال تأسست على أكبر تناقض في تاريخ البشرية؛ فمبادئ الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والليبرالية التي تأسست عليها، والذي تمثل في سلوكها التأسيسي؛ ترجمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى أبشع ألوان الاستعباد وانتهاك حقوق الإنسان ضد السكان الأصليين وضد السود وضد الشعوب اللاتينية وغيرها من الشعوب غير الأوربية. وهو ما فعلته أيضاً عبر التبشير بمبادئ ثورتها في أمريكا الوسطى وشرق آسيا، ولاحقا في الشرق الأوسط، والمثال الأبرز في هذا المجال موقفها من القضية الفلسطينية الذي ورثته من بريطانيا؛ إذ استخدمت أمريكا في مجلس الأمن الدولي حق الفيتو حتى الآن أكثر من (85) مرة لمصلحة الكيان الصهيوني؛ للحيلولة دون صدور أي إشارة من مجلس الأمن يدين انتهاكات إسرائيل لحق الإنسان الفلسطيني في مجرد العيش أو البقاء في داره، فضلا عن العيش بكرامة وحرية واستقلال، وهو سلوك تأسيسي أيضاً يتطابق مع السلوك الذي قامت عليه الولايات المتحدة. وأمريكا التي تقول إن مسؤوليتها (الأبوية) تجاه العالم تجعلها تبحث عن أي إنسان في غابات الأمازون أو مجاهيل أفريقيا لتدافع عن حقه، تتحد في الوقت نفسه اتحادا مصيرياً كاملا مع سلوك إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهما من شعوب الجوار. وفي الوقت الذي يصر الغرب على منع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية، ويعده مشروعاً تستحق عليه إيران اشد أنواع العقوبات؛ في حين يرعى الغرب البرنامج النووي العسكري الباكستاني، ويقاتل من اجل حماية الترسانة النووية الإسرائيلية.

هذا هو الغرب؛ لا يتنكر لهذه المعايير المزدوجة ولا يمارسها بسرية، بل بكل صراحة وشفافية؛ فهو منسجم مع عقله ومع منظومته الفكرية وهو يمارس هذه السلوكيات. ومن هنا؛ يفترض ألّا ننظر الى الغرب من خلال الأنا أو من خلال وعينا بذاتنا؛ بل من خلال وعيه بذاته ونظرته لنفسه، وحينها لن نستطيع محاججته على سلوكياته وأفكاره ومبادئه؛ لأنه منسجم مع نفسه ولا يتستر وراء شعارات، كما تفعل بعض الجماعات والتيارات والأنظمة في منطقتنا، والتي تعيش التناقض بين مبادئها وشعاراتها وممارساتها في كثير من الكليات والتفاصيل. ولا أريد هنا أن أدخل في مقاربات فكرية في إطار ما يطرحه بعض المفكرين والباحثين أمثال إدوارد سعيد من اختزان الوعي الغربي لتناقض المعايير في وعيه، باعتباره يعي الآخر من خلال وعيه بذاته. وإذا كان الغرب يعيش هذه المفارقة؛ فمن الأولى ألّا نعيشها نحن، في الوقت الذي ننتقده على بنية الوعي لديه.

وإذا انتقلنا من مسألة سياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب لننتقل إلى واقعنا الوطني والعربي والإسلامي؛ سنجد أن هذه السياسة اشد خطورة على المسلمين من سياسات الغرب؛ الأمر الذي يزيد من تمزيق هذا الواقع وانكفائه وانفعاله، وينطوي على تناقض أكبر؛ لأن التيارات الإسلامية، في الوقت الذي تستنكر المعايير المزدوجة للغرب، وتعتبر أن استنكارها لهذه السياسة يمثل نقطة ارتكاز في خطابها المناهض للغرب، لكنها فهي في الوقت نفسه تمارس المنهج ذاته، فتستخدم منهج المعايير المزدوجة وتكيل بمكيالين حيال الآخر المذهبي بقوة أكبر، وهي بذلك تتماهى مع الغرب بالكامل في انسجامه مع نفسه وفي وعيه بالآخر من خلال وعيه بذاته، أي أن التيارات والأنظمة السنية تمارس مبادئ وسلوكيات استعمار تجاه الآخر المذهبي، كما يفعل الغرب بالضبط.

ولكن التيارات الإسلامية والعروبية السنية التي تقول إنها تأسست على وفق قيم الإسلام والعروبة وتشرّبها؛ فإنها حين تمارس مثل هذه المعايير فهي تخالف أيسر التعاليم الإسلامية (( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ))(27)، والتعاليم الأخلاقية التي يعبر عنها الشاعر بقوله: «لأتنه عن خلق  وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم»(28)، فضلاً عن ان العروبي والإسلامي السني لا يمارس سياسة المعايير المزدوجة تجاه غريب، بل تجاه شريكه في الوطن والجغرافية والعيش المشترك والمعتقد. والحال؛ أن الميدان الأول للإنسان هو نفسه، فإذا أراد العروبيون والإسلاميون السنة تغيير واقعهم ومواجهة الغرب مواجهة حضارية كما يقولون؛ فعليهم أن يبدؤا بأنفسهم، وأن لا يمارسوا مثل هذه السياسة بحق أهلهم الشيعة.

وهناك حالتان إسلاميتان عربيتان، كانت المعايير المزدوجة ومواقف الكيل بمكيالين حيالهما الأكثر وضوحاً واستفزازاً، هما: العراق والبحرين، فعلى مستوى الظهور الإعلامي وغير الإعلامي لاتزال التيارات الطائفية تعتبر وجود العراق وحضارته وتاريخه وحاضره ومستقبله وعروبته وإسلاميته في خطر، لأن الدولة العراقية لم تعد دولة تتفرد في حكمها ومقدراتها المنظومة السلطوية السنية الطائفية العنصرية التقليدية، بل بات للأكثرية المهمشة مشاركة فاعلة في السلطة وفي الإمساك بمقدرات البلد وتحديد مساراته الفكرية والسياسية، وهنا مكمن الخطر في رأيهم. كما تعتبر هذه التيارات ما تسميه بالنفوذ الإيراني في العراق أخطر بكثير من الاحتلال الأمريكي، وبالتالي؛ فهي تسوغ لنفسها أي خطاب ديني تحشيدي فتنوي أو تكفيري أو تشكيكي في المعتقد ضد المكون الاجتماعي الغالب عددياً، وأي خطاب سياسي تحريضي على تدمير العملية السياسية والدولة والحكومة. وفضلا عن ذلك فان سياسة الكيل بمكيالين لهذه التيارات تتضح من خلال تعاطيها مع موضوع فتاوى التكفير، والتفجيرات وقتل الأبرياء، وتهجير العوائل، وممارسات نظام صدام حسين؛ إلى المستوى الذي بات فيه مشروع الاحتلال الأمريكي مجرد شماعة يعلقون عليها مواقفهم ضد العراق الجديد.

ولا تزال الذاكرة العراقية تختزن آلاف الصور المأساوية لهذه المعايير المزدوجة، وفي مقدمتها الخطابات الشهيرة لرموز الجماعات الإسلامية السنية وهي تدعو للوقوف خلف القائد المؤمن صدام حسين، ثم حمايته والدفاع عنه بعد اعتقاله، وكأنّ دماء محمد باقر الصدر والمئات من علماء الدين والمفكرين وما يقرب من مليون إنسان؛ هي مجرد مياه آسنة سكبها صدام في مجاري النسيان، بينما دماء سيد قطب وعبد القادر عودة والرنتيسي هي دماء مختلفة شكلا ومضمونا، وكأن أهوال نظام صدام في طوامير سجن “أبي غريب” كانت مجرد أفلام خيال؛ بينما أصبح سجن ابو غريب حين سقط بيد الاحتلال الأمريكي رمزا للصمود والمقاومة. وقد شاهد العرب الألم العروبي والإسلاموي جراء ما حدث في أبي غريب الامريكي في أربعة أفلام روائية مصرية ومسلسلين، أما أبو غريب صدام حسين، والذي حصل فيه آلاف الأضعاف من الجرائم أكثر من جرائم أبي غريب الأمريكان؛ فهو ما لا يريد ان يسمع به أحد من العروبيين والإسلامويين.

وغيض من فيض؛ في اليوم الذي حدث فيه تفجير الحلة الشهير عام 2004، وراح ضحيته أكثر من (180) شهيدا، استشهد أيضاً شخصان في غزة الفلسطينية؛ فقامت قيامة الإعلام الطائفي للجماعات والتيارات والأنظمة العربية على الشهيدين الفلسطينيين، بينما كانوا يتحدثون عن فاجعة الحلة (الشيعية) بصورة هامشية جدا. وحيال استشهاد آية الله السيد محمد باقر الحكيم؛ تجاهلوا الحدث ولم يصدروا مجرد استنكار، والرجل لم يكن قائدا عراقيا وحسب، بل كان صديقا لكثير منهم، وكان يرأس المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد استشهد ومعه العشرات خلال الصلاة وفي مرقد الإمام علي؛ أي أنها جريمة تاريخية مركبة؛ ولكن لم يرف لهم جفن؛ بل كانت لغة بعض وسائل إعلامهم التي تطرقت للحدث؛ تستبطن الكثير من اللؤم والشماتة.

وهكذا كانت عمليات الذبح المنظمة اليومية التي يتعرض لها أتباع آل البيت، وتهجير عوائلهم وتفجير أسواقهم وحرق بيوتهم واغتصاب نسائهم والتمثيل بجثث شهدائهم وتدمير مساجدهم ومراقد الأولياء والصالحين والأئمة؛ كانت مجرد أخبار عابرة هامشية؛ وكأنها حوادث سير تقع في بورما أو جزر الفولكلاند. وحين كان معتدلوهم يدعون العراقيين لضبط النفس حيال هذه الجرائم الوحشية التاريخية، ويساوون بين الجزار والضحية، فإن ضبط النفس هذا يتحول الى تحريض وتحشيد طائفي عالمي إذا تعرض شخص سني لحالة قتل أو اعتقال أو تهجير؛ فيكون حينها عراق الرشيد وابو حنيفة وابن حنبل والكيلاني، حسب توصيف عدنان الدليمي (29)، يتعرض للإبادة والتدمير والاندثار!!

وكان نداء ضبط النفس يتكرر حين تم تفجير مرقد الإمامين العسكريين في العام 2005، ولكن حين سرت شائعة بإمكانية تعرض مرقد الإمام أبي حنيفة الى الاعتداء؛ تحول مجرد التفكير بالعدوان هذا الى جريمة دولية؛ فتدخلت حينها حكومة أردوغان التركية وعدة أنظمة عربية وتيارات إسلامية من اجل حماية المرقد وحماية الآثار السنية. وفي الوقت نفسه، أصدرت المرجعيات الدينية والقوى الشيعية فتاوى وتعليمات مشددة بحرمة التعرض لأي مواطن سني أو رمزية سنية، وهو ما لم تفعله اي مرجعية سنية حيال الشيعة ورمزياتهم. أما الحكومة العراقية المسكونة بالهاجس التاريخي والإقليمي؛ فقد أصابها الرعب حينها جراء احتمال تعرض السنة وممتلكاتهم لردود الفعل الشيعية الغاضبة؛ فتركت الشيعة ومقدساتهم عرضة لكل ألوان الانتهاكات، وكرست خطابها وجهودها لحماية السنة.

ولم يفق المسلمون بعد على هول ما يحدث في العراق؛ حتى اشتعلت البحرين بغضب المحرومين والمهمشين من الأكثرية السكانية في البلاد. فقد خرج أكثر من (250) ألف شخص، أي ما يقرب من نصف سكان البحرين؛ بمسيرات واحتجاجات سلمية، يحملون مطالبهم التي أقر بمشروعيتها حتى ولي عهد ملك البحرين، وهي مطالب إنسانية بديهية عمرها عشرات السنين، بل من عمر نظام أُسرة آل خليفة. وكان الحراك البحريني متزامناً مع تحركات الشعوب التونسية والمصرية والليبية والجزائرية والأُردنية والمغربية والموريتانية ضد أنظمتهم، في موجة الاحتجاجات والانتفاضات التي عرفت بــ “الربيع العربي”، فكانت الحركات العروبية والإسلامية السنية تدعم هذه التحركات وتتفاعل معها وتشترك فيها، باستثناء تحرك الشعب البحراني، بالرغم من أنه الأكثر مشروعية والأبسط في شعاراته، والأهم في اندكاكه بالوطن والوطنية، فلم يكن يطالب المتظاهرون سوى بالعدالة المفقودة والمساواة الغائبة وتعميم حقوق المواطنة ورفع حالة الحرمان، وربما كان هناك من يطالب بتغيير النظام، وهو تعبير عن الرأي قاله ولايزال جميع المتظاهرين، من المغرب وحتى الأردن، ولم يعترض أحد، بل كانت العقول والقلوب والحناجر والإعلام الإقليمي والعالمي والسياسة الدولية كلها معهم، إلّا حراك البحرين؛ إذ وقف الإسلاميون والعروبيون صفاً واحدا ضد انتفاضة الشعب البحراني، كما وقفوا من قبل ضد الشعب العراقي في معركته مع صدام حسين منذ العام 1979، وكما لم يتحدوا يوما ضد إسرائيل، والسبب هو أن غالبية المحتجين في البحرين هم شيعة، بل وصل حجم المعايير المزدوجة الى مستوى فتاوى التكفير ضد المحتجين البحرانيين، فضلاً عن التهديدات الإقليمية الشاملة، وبيانات استنكار الحركات العروبية والإسلامية السنية.

وواجه المحتجون البحرانيون، وهم ما يقرب من نصف الشعب البحراني، أي أكبر نسبة بكثير، من احتجاجات الربيع العربي في كل البلدان العربية، واجهوا تهمة ألصقت الحركات اتهاماً مكروراً وجاهزاً وروتينياً، يواجه كل تحرك شيعي معارض في العالم، وهي تهمة التدخل الإيراني، وأن الانتفاضة البحرانية تتم لمصلحة إيران وأهدافها وبتخطيطها وتمويلها وتدريبها وتحريكها، وهي تهمة معلبة لأي شيعي في العالم يرفع صوته بالدفاع عن نفسه أو الحديث عن محروميته.

والحال؛ إن المحتجين البحرانيين لم يرفعوا سوى العلم البحريني، ولم يرفعوا صورة أي رمز إيراني أو عراقي، ديني أو سياسي، بل وحتى رمز بحريني، ولم يطلقوا أي شعار مذهبي، و لم يقدموا أي مطلب طائفي، ولم تسلمهم ايران قطعة سلاح واحدة أو دولار واحد أو حتى قنينة ماء، ولم يصدر مراجعها أي فتوى بتكفير نظام البحرين ولا الثورة ضده، بل ولم تجر أي شخصية بحرانية شيعية اتصالا هاتفيا واحدا مع ايران. ولكن في الجانب الآخر؛ حيث السعودية؛ فإن نواباً بحرانيين رفعوا العلم السعودي داخل البرلمان، وهتفوا علنا عدة مرات بحياة الملك السعودي عبد الله، ورفع محتفلون بحرينيون من أنصار النظام؛ العلم السعودي وصور الملك حمد الى جانب الملك عبد الله في شوارع المنامة. والاهم من كل ذلك؛ دخلت القوات السعودية تحت ستار قوات “درع الجزيرة” الى الأراضي البحرينية لتحتلها رسميا، وساهمت في قمع المتظاهرين وقتلهم والإجهاز على الجرحى في المستشفيات. وكان كل هذا يحدث بمباركة الإسلاميين والعروبيين السنة وتشجيعهم لقمع التحرك السلمي الوطني لشعب مضطهد مهمش.

والمفارقة الكبيرة الأُخرى؛ تمثلت في ردود فعل الشيعة في العراق تجاه العدوان الصهيوني على غزة في العام 2008؛ فقد أعلنت كل أطيافهم وفئاتهم سخطها واستنكارها للممارسات الهمجية الإسرائيلية، وتعاطفها الكبير مع الفلسطينيين، وتمظهر ذلك في التظاهرات الغاضبة التي خرجت في مدن الوسط والجنوب، وخطب أئمة الجمعة والجماعة، والبيانات التي أصدرتها المرجعيات الدينية ومؤسسات الدولة والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وفي المقدمة بيانات الإمام السيستاني ورئيس الحكومة، إضافة إلى بيانات الحوزة العلمية في النجف الأشرف. وبالرغم من الضغوطات المعيشية التي يعيشها العراق؛ فإن الحكومة العراقية أرسلت  كميات كبيرة من المساعدات الطبية والغذائية والعينية، وانتشرت حملات جمع التبرعات في الشوارع، وخصصت القنوات الفضائية الشيعية العراقية التابعة للأحزاب المشاركة في الحكم، برامج مفتوحة يومية لعرض المشهد الغزاوي بكل تفاصيله، وكان اللافت للنظر هتافات المشاركين في مجالس عزاء الإمام الحسين ودعوة خطباء هذه المجالس بالزحف لتحرير فلسطين، وكان هذا المشهد مكملاً لمواقف الإسلاميين الشيعة في البلدان الأخرى، ولا سيما لبنان والكويت وإيران وأفغانستان وباكستان والهند والسعودية وأذربيجان وأوروبا وأمريكا والبحرين وغيرها، حتى بدا أن شيعة العراق هم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.

وكانت مظاهر التعبير هذه تؤكد قدرة شيعة العراق على تجاوز الحواجز النفسية التي صنعتها مواقف بعض الطائفيين الفلسطينيين، وقسم منهم من الداخل الفلسطيني، حيث صدرت فتاوى ودعوات تبيح دماء شيعة العراق، وتصف مرجعياتهم الدينية وحكامهم وأحزابهم بأبشع الصفات، كعملاء الأمريكان وذيول الصفويين وحلفاء اليهود، فضلاً عن نسيانهم سرادقات مجالس العزاء التي أقيمت لصدام حسين بعد إعدامه، ومواكب التشييع الرمزية له، ورفع صوره في كل مكان من الأرض المحتلة، وإقامة نصب له في غزة ورام الله، وهو الرجل الذي ترك في كل بيت في العراق نائحة وصراخاً، وقتل ما لا يقل عن مليون عراقي، ومثلهم من الإيرانيين وآلاف الكويتيين ومئات العرب.

وفي المقابل؛ كان هناك إجماع فلسطيني وعربي وإقليمي على تجاهل المواقف الرسمية والشعبية الشيعية العراقية، فلم تشر أي من وسائل الإعلام إلى بيان أو تظاهرة أو دعم أو تضامن لشيعة العراق تجاه أشقائهم في غزة، بل تم تجاهل حتى بيان المرجع الديني الأعلى للشيعة في النجف الأشرف الإمام السيستاني الذي تضمن فتوى بوجوب تقديم الدعم لأهل غزة وردع الصهاينة، وكذا تجاهل المساعدات المالية الحكومية العراقية.

وبعد فترة قصيرة، وتحديداً في 4 كانون الأول(يناير) 2009، قامت انتحارية تكفيرية ترتدي حزاماً ناسفاً، بتفجير نفسها وسط تجمع لمعزّين بذكرى الإمام الحسين بن علي في مدينة الكاظمية ببغداد؛ ما أدى إلى تناثر أشلاء عشرات الرجال والنساء والأطفال، في مشهد رهيب، لا يقل وحشية عن المشاهد التي كان يصنعها صدام حسين، أو التي يصنعها الصهاينة اليوم في غزة. وكان المتصور أن يكون هناك نوع من التعاطف الإنساني والعروبي والإسلامي مع ضحايا الجريمة، لأن شهداء بغداد الشيعة هم مسلمون عرب أيضاً، وأن حمرة دمائهم لا تقل حمرة عن دماء شهداء غزة السنة، على اعتبار أنهم سواسية في حرمة الدم وقدسية العرض. ولكن؛ كان الصمت المطبق هو الحاكم على أجواء رجال الدين والسياسيين والإعلاميين في المحيط العربي والإقليمي والإسلامي، ومنه الفلسطيني، وكأنه علامة رضا على مجزرة بغداد.

وهذه المعايير المزدوجة هي عامل أساس في تعميق الهوة النفسية بين المسلمين، وتتعارض مع كون ذمة المسلمين واحدة، وانهم مجبرون وفق النص الإسلامي على التعاون والتضامن والتكاتف، ونبذ كل ما يفرقهم ويعمق الروح الطائفية بينهم، وحرمة أية دعوات تفرقهم، لأنهم أعضاء في جسد واحد، لا أن يكون بعضهم أعضاء وبعضهم الآخر ملحقين.

نخلص من كل ذلك؛ بأن الخلاف الطائفي المغلف بالدين والمذهب، هو تدافع وتزاحم اجتماعي سياسي إنساني بين أتباع المذاهب، وليس بين المذاهب أنفسها، وهو يرتبط بالمصالح والمغانم والعصبية الاجتماعية السياسية، وليس بالاختلاف في قراءة الدين ومصادره. وليس بالضرورة أن يكون الأتباع المتصارعون طائفياً، ملتزمين دينياً ومذهبياً، أو أن تطبيق عقيدة المذهب وفقهه وأخلاقه في أنفسهم وفي المجتمع، يعنيهم بشيء. أما الخلاف المذهبي فهو خلاف عقدي فقهي، أي خلاف في قراءة الدين ومصادره، وعادة ما يكون المختلفون هنا فقهاء وعلماء أو عقديين متفقهين ملتزمين نسبياً بتعاليم المذهب؛ ما يعني إن الخلاف المذهبي (العقدي الفقهي) هو خلاف طبيعي وغير مذموم، إذا لم يتجاوز ضوابط الخلاف العلمي والفكري وآدابه.

ولذلك؛ فإن مشكلة المسلمين الأساسية تكمن في الخلاف الطائفي الاجتماعي السياسي، وليس الخلاف المذهبي؛ لأن الخلاف المذهبي يخلق تعددية عقدية وفقهية في الآراء، وإن شابها بعض التعصب والتزمت والتطرف، بينما يفرز الخلاف الطائفي السياسي، ولاسيما الذي تمارسه الأنظمة والجماعات الطائفية؛ أبشع ألوان الإقصاء والتهميش والتمييز على أساس الهوية، رغم أن الغالبية الساحقة من هذه الأنظمة هي علمانية، ولا يعني لها الدين وتطبيق أحكامه، بل أن الغالبية الساحقة من حكام هذه الأنظمة لا يعرفون حتى اتجاه قبلة الصلاة ويرتكبون كل أنواع المحرمات والموبقات، ولكن في الوقت نفسه يعني لهم أن يظهروا بمظهر حماة المذهب، أما تعصباً أو للحصول على مكاسب اجتماعية سياسية، أو الاحتماء بالحاضنة المذهبية الاجتماعية.

وقد خلق الانقسام الطائفي الشيعي – السني هويات طائفية في مضمونها ومذهبية في شكلها، تبعاً للمسارات التاريخية التراكمية المتعارضة واختلاف السلوكيات الاجتماعية السياسية، والتي تستثمر الخلافات العقدية الفقهية، لتضفي على تعارضاتها شرعية دينية متعالية.

الصعود الشيعي والخلل النوعي في عمل المنظومة الطائفية

يمثل صعود الشيعة سياسياً ونهوضهم الثقافي؛ إشكالية تاريخية وايديولوجية مستدامة لدى المنظومة الطائفية؛ فهي ترى أنّ التوازن في المسارات المذهبية، من خلال حصول الشيعة على استحقاقاتهم السياسية والمعيشية، وتماسكهم المجتمعي عالمياً، وتنفسهم حرياتهم المذهبية أسوة بأتباع المذاهب الأخرى، هو توازن مرفوض وممنوع، ويشكل خطراً على المنظومة الطائفية وأهداف الإقصاء والتهميش والقمع التي تعمل على تحقيقها بكل السبل. وترى هذه المنظومة بأن هذا التوازن يمثل صعوداً تلقائياً للشيعة. ومن مظاهر هذا الصعود المعاصر الذي أغضب المنظومة الطائفية، وجعلها تستنفر كل ماكناتها السياسية والإعلامية والمالية:

  • تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979، وهي دولة يقودها مرجع شيعي، وتنظم سلطاتها وفق الفقه السياسي الإسلامي الشيعي، وشكّلت المركز الشيعي الايديولوجي الأساس على مستوى العالم، حيث تعمل على الدفاع عن المذهب الشيعي وحماية أتباعه أينما وجدوا، ولا تمنع قيام مؤسساتها الدينية من التبليغ لمذهب آل البيت ونشره في بلدان العالم. أي أنّ لوجود هذا المركز أبعاد متكاملة متخادمة: دينية مذهبية وسياسية واقتصادية واجتماعية ودفاعية.
  • توجهات الدولة السورية بعد العام 1979، وهي التوجهات المتوازنة والمعتدلة سياسياً ومذهبياً؛ حيث تعطي الحرية لأتباع المذهب الشيعي بالتعبير والظهور على المستويات كافة، إضافة الى تحالفاتها مع إيران الشيعية والجماعات الشيعية في لبنان وإيران واليمن، والتي يعود أهم أسبابها الى حضور النظام السوري في محور المقاومة، ووجود العلويين الشيعة في مركز قرار الدولة، وانتماء رئيسه الى الطائفة الشيعية.
  • التغییر فی لبنان بعد العام 1982؛ إذ تحول وضع الشيعة من الحضور الهامشي العرضي في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الى حضور قوي يتناسب ونسبة الشيعة السكانية.
  • التغییر فی العراق في العام 2003، والذي تسبب في سقوط الدولة الطائفية العنصرية، التي ظلت تقمع الشيعة وتقصيهم سياسياً وتضطهدهم مذهبياً، قرون طويلة، كما تسبب في إمساك الشيعة بالجزء الأهم من قرار الدولة ومشاركتهم الأساسية في الحكم، وهو ما تسبب في خلل نوعي في عمل المنظومة الطائفية؛ بالنظر لما يمثله العراق من ثقل في العالم العربي، وكون شيعة العراق هم الأكثرية الشيعية العربية، الفاعلة والمثقفة والمندفعة.
  • التغيير في اليمن بعد العام 2011، وسقوط الدولة الطائفية المرتبطة بالسعودية، عبر الثورة التي قادتها جماعة أنصار الله.

وحیال ذلك؛ كرّس الطائفيون جهودهم باتجاه تفتيت الأمة طائفياً ومذهبياً، واتهام الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحركات الإسلامية الشيعية بالطائفية، وبالتالي؛ إثبات فشل مشروعها الإسلامي الحضاري، أو تشويهه والحد من تأثيره. وبرغم أن التآمر الطائفي الذي يستهدف وحدة الأمة ظل دائماً الأكثر تأثياً وخطورة، إلا أنه في هذه المرحلة تبلور عن غزو طائفي واسع في مساحة حركته وتأثيره، وشامل في آلياته وأدواته وأطرافه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) نماذجها التاريخية: العصبية الطائفية العنصرية الأُموية والعصبية الطائفية العنصرية الأيوبية والعصبية الطائفية العثمانية، أما نماذجها المعاصرة فهما: العصبية الطائفية العنصرية الوهابية والعصبية العنصرية البعثية، وهو ما سيأتي تفصيله في الفصول القادمة.

(4) كنت شخصياً أكرر هذا السؤال على أصدقائي من الباحثين والمفكرين والأكاديميين الإسلاميين السنة في كثير من البلدان العربية والإسلامية؛ ففي العام 1996، زرت الدكتور عبد الرحيم علي في بيته بالخرطوم، وكان يعد حينها الرجل الثاني في الحركة الإسلامية السودانية بعد الدكتور حسن الترابي، فضلاً عن منصبة الأكاديمي رئيساً للجامعة الأفريقية العالمية. اتجهت الى مكتبته أطالع عناوين الكتب؛ فلفت نظري أن مكتبته التي تحتوي على أكثر من خمسة آلاف عنوان كتاب، ليس فيها مؤلفات لمفكرين وعلماء دين شيعة، عدا عن خمسة كتب فقط حسبما أتذكر، أحدها للسيد محمد باقر الصدر واثنين للشيخ مرتضى المطهري والرابع للإمام الخميني وآخرها للدكتور علي شريعتي، فسألته عن ((سبب عدم وجود كتب إسلامية شيعية في مكتبته))؛ فقال: ((يا أخي الشيعة لا يرسلون لنا كتبهم))؛ فقلت له: ((وهل هذه الآلاف من الكتب لديك هي إهداءات وكتب مرسلة من مؤلفيها !؟)).

كما أثرت هذا الموضوع في الندوة الخاصة التي عقدت في القاهرة في العام 2000 بحضور ست عشرة شخصية من علماء ومثقفي الشيعة والسنة، بينهم شيخ الأزهر المرحوم الدكتور الطنطاوي ومفتي مصر الدكتور فريد نصر واصل ووزير الأوقاف المصري وأمين المجلس الإسلامي الأعلى المصري الدكتور حمدي زقزوق وغيرهم. في تلك الندوة تحدثت عن ضرورة أن تطَلع النخب السنية على المذهب الشيعي وعقائده وفقهه وفكره من كتبه التي يجمع عليها رجال المذهب، وكذا التعرف على نتاجات الفقهاء والمفكرين والباحثين الشيعة، لأنه المدخل العلمي للتعارف الحقيقي، الذي يحول دون الجهل بحقائق الآخر وما يتبعه من ممارسات التجهيل لعامة الناس، وبالتالي؛ الإصرار على بقاء قواعد الفرز الطائفي والفتنة المذهبية. أنظر وقائع الندوة في ملاحق الكتاب.

(29) رئيس ديوان الوقف السني العراقي الأسبق، في خطابه في المؤتمر السني العراقي في اسطنبول، 2007.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment