جدلية علاقة الدعوة» بالمرجعية الدينية وولاية الفقيه

Last Updated: 2024/06/08By

جدلية علاقة حزب الدعوة الإسلامية بالمرجعية الدينية وولاية الفقيه

د. علي المؤمن

ثوابت المرجعية وولاية الفقيه وموقف «الدعوة»

المرجعية الدينية في مدرسة أهل البيت؛ تمثل نيابة الإمامة في عصر غيبة المعصوم، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات وواجبات وحقوق ترتبط بالجوانب العلمية والدينية والمالية والاجتماعية. وعلى أساسها تكون للمرجع الديني ولاية أو قيمومة حصرية على جملة من شؤون المجتمع الشيعي؛ كالولاية على إصدار الفتاوى والأحكام الشرعية، والولاية على الحقوق والأموال الشرعية؛ جباية وتوزيعاً؛ كالخمس والزكاة والصدقات ومجهول المالك وغيرها، والولاية على القضاء والتحكيم بين أفراد المجتمع، والولاية على الأمور الحسبية ذات العلاقة بالجانب النُظمي الاجتماعي. ويتوسع بعض الفقهاء في إعطاء مساحة أوسع للفقيه؛ لتشمل الولاية على الحكم والدولة. ومرد الاختلاف بين الفقهاء بشأن ولاية الفقيه هي هذه المساحة فقط. وبالتالي فإن المرجعية الدينية وولاية الفقيه مصطلحان مرادفان؛ فكل مرجع هو ولي فقيه أيضاً؛ بناء على إجماع الفقهاء، ولكن هناك ولي فقيه ذو مساحة مقيدة تقتصر على الفتوى والأموال والقضاء والحسبة، ولا تشمل الحكم، وهناك ولي فقيه ذو مساحة عامة مطلقة؛ تشمل ولاية الحكم أيضاً. وهذه الشمولية لا يختارها الفقيه بناء على رغبته الشخصية أو رؤيته السياسية؛ بل هي قضية علمية فقهية؛ يتوصل إليها الفقيه عبر الاستدلال والاستنباط العلمي الفقهي. وخلال هذا الجهد العلمي قد يتوصل إلى شمول ولاية الفقيه على الحكم أو لا يتوصل. وحينها يحدد موقفه الواقعي حول نوعية تصديه للشأن العام؛ أي بناء على قناعته العلمية الفقهية(1).

ومن الفقهاء المعاصرين القائلين بولاية الفقيه العامة: الإمام الخميني والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد محمد صادق الصدر والسيد علي الخامنئي. أما الفقهاء المعاصرون القائلون بولاية الفقيه الخاصة؛ فمنهم السيد الخوئي والسيد علي السيستاني. وبصرف النظر عن القول بالعموم والخصوص؛ فإن المرجعية الدينية أو ولاية الفقيه ظلت منذ أكثر من 1100 عام (أي منذ غيبة الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر) تقف على رأس النظام الديني الاجتماعي الشيعي، وهي التي أوجدت هذا النظام بالتدريج وبلورته وحفظته من الضربات المتوالية والانهيار. وتشكل الحوزة العلمية الشيعية مركزاً لهذا النظام، وهي ليست جامعة لتدريس العلوم الإسلامية وتخريج علماء الدين وحسب؛ بل هي مركز النظام الديني الاجتماعي الشيعي. ولذلك يقف المرجع الأعلى على رأس الحوزة العلمية ويقودها على كل الصعد.

وعلى مستوى المصاديق فإن المرجعيتين الدينيتين الشيعيتين الأبرز اليوم هما مرجعية السيد علي الخامنئي؛ القائل بولاية الفقيه العامة، وهو المرجع الأعلى والولي الفقيه في إيران، ومرجعية السيد علي السيستاني؛ القائل بولاية الفقيه الخاصة، وهو المرجع الأعلى في النجف الأشرف. وتستحوذ هاتان المرجعيتان على ما يقرب من 75 بالمائة من مساحة النفوذ الديني في الوسط الشيعي في كل العالم؛ وهو الوسط الذي تبلغ كتلته السكانية حوالي (400) مليون مسلم شيعي.

وبما أن حزب الدعوة الإسلامية تأسس في وسط هذا النظام الاجتماعي الديني ولا يزال يعمل في إطاره؛ فهو جزء منه، ويخضع لمعادلاته. وكان عدم الالتفات إلى بعض هذه المعادلات أو تصور القدرة على تغيير بعضها الآخر؛ يتسبب في حدوث توترات بين «الدعوة»؛ كحزب إسلامي شيعي دعوي تغييري سياسي، وبين منظومة المرجعية الدينية؛ بصفتها رأس هرم النظام الديني الاجتماعي الشيعي. وعليه؛ فإن النظرة إلى المرجعية الدينية تتجاوز القناعات الفكرية والاجتماعية والسياسية؛ لتندك بالواقع ومتطلباته. وأهم فرضيات هذا الواقع:

1 – أن المرجعية الدينية العليا ليست مرجعية علمية فقهية وحسب؛ بل هي منظومة دينية اجتماعية؛ تقف على رأس النظام الديني الاجتماعي للطائفة الشيعية الإمامية في العالم. ولهذه المنظومة معادلات ثابتة وسياقات عمل ونظم فرعية وتقاليد؛ أقلها أهمية هو الموضوع العلمي المرتبط بالدراسة والفتوى، وأكثرها أهمية هو أسلوب إدارتها للشأن العام. وعمر هذه المنظومة أكثر من أحد عشر قرناً. أي أن المرجعية وحوزتها هو الوجود الأصيل والثابت الوحيد في النظام الديني الاجتماعي الشيعي. أما حزب الدعوة؛ الجماعة الدعوية السياسية؛ فهو وجود عارض متغير يعمل في إطار النظام الديني الاجتماعي الشيعي، ولم يتجاوز عمره ستة عقود. وبالتالي فحزب الدعوة والمرجعية الدينية ليسا متساويين في الشأنية الدينية الاجتماعية (الاجتماع الديني الشيعي) ولا مساحات العمل والتصدي، ولا التأثيرات المعنوية، ولا هما متشابهان في الوظيفة والماهية. ولذلك لا يمكن القول بوجود علاقة متكافئة، أو علاقة ندية، أو إمكانية تبادل مواقع إدارة النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ بل هي علاقة المتغير بالثابت، والفرع بالأصل، والتابع بالمتبوع.

2 – بصرف النظر عن الأسانيد الروائية والعقلية لمبدأ المرجعية والحاكمية والولاية، وتطبيقاته وتحولاته وتطور منظومته؛ فإنه قبل كل ذلك يمثل أمراً واقعاً قائماً ضاغطاً، وينبغي لحزب الدعوة التعامل معه تعاملاً واقعياً لا تعاملاً معيارياً؛ أي التعامل مع منظومة المرجعية العليا كما هي كائنة، لا كما ينبغي أن تكون من وجهة نظر الحزب، وألّا يتعارض عمل الحزب مع سياقات ونظم منظومة المرجعية العليا؛ سواء قبل بتفاصيل هذه المنظومة أو لم يقبل، وسواء كانت صحيحة برأيه أو خاطئة. صحيح أن مدرسة الدعاة هي مدرسة السيد محمد باقر الصدر التغييرية النهضوية الانقلابية؛ ذات المنهجية المعيارية النقدية؛ ولكن ليس من شأن حزب الدعوة ووظيفته الحديث عن إصلاح منظومة المرجعية وسلوكياتها؛ لأن إصلاحها شأن داخلي خاص بالمنظومة نفسها. ويمكن لعلماء الدين الدعاة من الصف الأول (المجتهدون والفضلاء) المساهمة في عملية الإصلاح والتقويم، والاستفادة من آراء الدعاة (أكاديميين ومثقفين وباحثين) ودراساتهم ونقودهم وتقويماتهم الداخلية الخاصة، وتكون مساهمة هؤلاء العلماء بصفتهم الحوزوية وليست الحزبية. وفي المقابل تمتلك المرجعية العليا ومنظومتها الحق في الحديث عن إصلاح «الدعوة» وتقويم فكرها وسلوكها؛ بل إن هذا جزء من وظيفتها الدينية الاجتماعية.

3 – من أجل أن يكون تعامل حزب الدعوة مع المرجعية العليا تعاملاً واقعياً ومنتجاً ومثمراً؛ ينبغي للدعاة فهم منظومة المرجعية وسياقات عملها وحركتها ونظمها الفرعية وتقاليدها؛ فهماً توصيفياً دقيقاً؛ بدءاً بمدخلية البيوتات، وأساليب تدوير الحقوق الشرعية، ودور الأصهار والأولاد، وأساليب اختيار المرجعية العليا، وطرق الاعتراف العرفية بمرجعية ما، وطبيعة عمل الكيانات غير العراقية وغير العربية في الحوزة، وانتهاءً بالفرق بين المعمم والآخوندي، ولهجة التخاطب والتدريس في الحوزة. وينبغي القبول بها جميعاً والتعامل معها كما هي؛ لا كما ينبغي أن تكون من وجهة نظر الدعاة كنخبة واعية مثقفة تغييرية؛ كما سبق أن ذكرنا. علماً بأن ما يعيه الدعاة في هذه المنظومة هو الأقل تعقيداً فيها؛ كالجانب العلمي والفتوائي والتبليغي؛ لأنه الجزء الطافي من جبل الجليد.

4 – أن منظومة المرجعية الدينية بطبيعتها هي منظومة تقليدية في بناها وأساليب عملها وحركتها. أما المحاولات الإصلاحية في الحوزة فلم تلامس ثوابت هذه المنظومة يوماً، ولن تستطيع ملامستها؛ بل تلامس التفاصيل والمتغيرات. وما حركات المراجع المصلحين المعاصرين في الحوزة؛ وأهمها حركة السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد محمد صادق الصدر؛ إلّا موجات وتيارات تأتي وتؤسس، ثم يبقى منها ما يتوافق مع ثوابت المنظومة المرجعية التقليدية. وحتى منظومة ولاية الفقيه المتمثلة بالإمام الخميني ثم السيد علي الخامنئي؛ بالرغم من قوتها المعنوية والمادية، وكونها أكبر مرجعية دينية في إيران، ومشاريعها لإصلاح الحوزة القمية؛ ولكن تدخلها اقتصر على التنظيم ومأسسة النظم الفرعية، ولم تتدخل في الثوابت التقليدية لمنظومة المرجعية؛ فبقيت المنظومة تقليدية في ثوابتها، ومنظمة ومؤسَسِية في متغيراتها. بل لم يكن تدخل الولي الفقيه بصفته سلطة الدولة؛ ولكن بصفته المرجعية، وكونه رأس هرم النظام الديني الاجتماعي الشيعي، وهي الصفة التي تجد قبولاً غالباً لدى الحوزة العلمية ومنظومة المرجعية.

5 – أن المرجعية تمثل دائما الأبوّة لكل الوجودات الثقافية والسياسية والاجتماعية الشيعية؛ وإن كان بعضها ناقداً للمرجعية أومتمرداً على جزء من ثوابتها ومتغيراتها، أو كانت المرجعية لا تتوافق منهجياً مع هذه الوجودات المتغيرة العارضة. فحزب الدعوة – مثلاً – كوجود تغييري إصلاحي ناقد؛ يمتلك منهجيات قد لا تتطابق مع منهجية المرجعيات التقليدية؛ فإنه ظل يحظى منذ تأسيسه بحماية المدارس الرئيسة في الحوزة النجفية ودعمها: مدرسة السيد محسن الحكيم الإصلاحية ومدرسة السيد أبي القاسم الخوئي التقليدية ومدرسة السيد محمد باقر الصدر التغييرية؛ رغم الاختلاف المنهجي بين هذه المدارس من جهة، واختلاف منهجيات حزب الدعوة مع بعضها من جهة أخرى، وكانت هذه المدارس بشخوص مراجعها الثلاثة حاضنة لحزب الدعوة ومدافعة عنه بقوة وداعمة له مادياً ومعنوياً. وبالتالي فالمرجعية العليا هي (أم الولَد) التي تستوعب أبناءها وتحتضنهم وتخشى عليهم الضرر؛ وإن أخطأوا بحقها أو بحق الواقع الشيعي.

6 – أن حزب الدعوة غير معني بترجيح مرجع ديني على آخر في جانب التقليد، ولا ترجيح مبدإ فقهي على آخر ترجيحاً فقهياً؛ لأن «الدعوة» ليست مدرسة فقهية أو مرجعية علمية أو جهة خبروية لكي ترجح – مثلاً – مبدأ ولاية الفقيه العامة (المبدأ السائد في إيران)، على مبدأ ولاية الفقيه الخاصة (السائد في الحوزة النجفية)، أو العكس. قد يكون هذا الترجيح طبيعياً من الفقهاء وعلماء الدين الدعاة من الصف الأول (المجتهدون والفضلاء)؛ بصفتهم العلمية الدينية كخبراء، وليس بصفتهم الحزبية؛ ولكن لا مسَّوغ لهم لفرض آرائهم على الحزب ليتباها رسمياً. أما اختيار حزب الدعوة غطاءً شرعياً يتفق ومتبنياته الفكرية ومدرسته التغييرية؛ مفهوماً ومصداقاً؛ فسيكون ضرورياً لترشيد موقفه الشرعي وإخراجه من حالة الإحراج في الالتزام بجميع الآراء الفقهية ومصاديقها، وللتخلص من التجاذبات الداخلية والنقاش المستمر بين الدعاة؛ فالدعاة متعارضون في مواقفهم الشرعية حيال ثنائية المرجعية والولاية، ويخرجون أحياناً على الاعتدال والتوازن في القول والتفسير والتطبيق؛ فهناك من يرى أن المرجعية الدينية مؤسسة دينية علمية تبليغية تنتج معرفةً وفقهاً، ولو أنتجت رأياً في الشأن العام فهو رأي إرشادي غير ملزم لغير مقلدي المرجع. وهناك من يعطي المرجعية النجفية العليا (مرجعية السيد السيستاني تحديداً) ما لا تريده ولا تعتقد به؛ فيقول إنها قيادة الأمة، وأن آراءها أحكام ولائية ملزِمة. وهناك من الدعاة من يؤمن بولاية الفقيه بمصداقها السيد علي الخامنئي ويدافع عن هذا الخيار بشدة. ولذلك فإن خلاص «الدعوة» من التبعات السلبية للتجاذبات بين المرجعيات أو الخلافات داخل الحزب حول المرجعيات؛ يكمن في النأي بالنفس عن التدخل في الشأن المرجعي والحوزوي، وعدم الميل نحو مرجعية دون أخرى؛ باستثناء من أجمعت الحوزة على مرجعيته العليا.

7 – هناك رواسب فكرية وواقعية؛ رغم انتهاء مفعولها؛ إلّا أنها لا تزال تشكِّل شبهات حول حزب الدعوة بخصوص علاقته بالمرجعية؛ كفكرة «قيام شورى المؤمنين بإقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة وقيادتها»(2)، وفكرة «قيادة الساحة لمن يتصدى لها» أو «الساحة لمن يتقدم» أو «القيادة فعل وليس منصب»(3)، ونبرة «قالت القيادة وقالت المرجعية»، والمنهج النقدي للدعاة حيال النظم العرفية للمرجعية والحوزة وتقاليدهما. ولعل حسم «الدعوة» موقفها من هذه الأفكار والشبهات سيجعل العلاقة النفسية والواقعية أكثر نجاحاً وإنتاجاً.

8 – أن حظوة حزب الدعوة لدى المرجعية العليا النجفية ولدى ولاية الفقيه في إيران في مرحلة ما بعد سقوط نظام البعث في العام 2003 وحتى الآن؛ هي حظوة متفردة ومتميزة عن جميع الجماعات الإسلامية الشيعية العراقية الأخرى؛ فهناك أسباب موضوعية كثيرة جعلت حزب الدعوة هو الأقرب إلى السيد السيستاني وبيته من جميع الحركات الشيعية العراقية الأخرى، وظل خياره الأول في الدفع باتجاه إدارة الدولة وقيادة الحكومة. وكذا الحال بالنسبة للسيد الخامنئي؛ الذي يعدّ حزب الدعوة خياره الأول أيضاً في هذا المجال. وحتى خلال ملابسات الترشح لرئاسة الحكومة العراقية في العام 2014 وتشكيلها؛ فإن قرار السيد السيستاني كان مع مرشح بديل لنوري المالكي؛ على أن يكون من حزب الدعوة تحديداً، وأن يختاره نوري المالكي نفسه. وهي ثقة كبيرة توليها المرجعية العليا لحزب الدعوة ولشخص أمينه العام(4). أما السيد الخامنئي فكان يرى الإبقاء على نوري المالكي رئيساً للوزراء لدورة ثالثة، وفي حال كانت هناك ظروف قاهرة تحول دون ذلك؛ فإن البديل ينبغي أن يكون من حزب الدعوة. ورأي المرجعين السيستاني والخامنئي لا يزال هو نفسه منذ العام 2005 وحتى الآن. ولذا يرى الدعاة المقربون من مركز القرار المرجعي في النجف وإيران بأن التخطيط المنهجي لاستثمار هذه الأسباب وتحويلها إلى برامج عمل؛ ستنتهي دائما لما فيه المصلحة المشتركة للمرجعية العليا وحزب الدعوة والواقع الشيعي.

الدعوة بين مفارقتين: عدم الإيمان بالمرجعية وعدم الإيمان بولاية الفقيه

في العام 1979؛ بالتزامن مع تحرك الإمام السيد محمد باقر الصدر؛ كانت عناصر الأمن والمخابرات وحزب البعث في النجف الأشرف؛ تستند إلى مصطلحات ومعايير دينية مدروسة في نصحها للشباب المؤمن الناشط. تنصحهم أن لا يتورطوا مع جماعة الصدر العملاء المعادين للمرجعية الدينية؛ لأن الصدر هو ضد المرجعية، ولديه حزب يحارب المرجعية، وهؤلاء خطر على الشيعة، وأن الصدر عميل أمريكي وعميل للخميني، وأن الخميني هو عميل أمريكي أيضاً.

ولم يكن هذا النوع من التهم المدروسة بعناية في الغرف المظلمة لأجهزة المخابرات العراقية والإقليمية والعالمية؛ بعيدة عن مسامع الناس في الأوساط الدينية أو القريبة منها اجتماعياً؛ فقد كان يتحدث بها بعض المعنيين وغير المعنيين؛ متدينين وغير متدينين؛ كأنها أمر بديهي غير قابل للنقاش. كما كان الحديث عن عداء (جماعة الصدر) للمرجعية والحوزة وخطورتهم على الشيعة هو الشائع الذي يركز عليه رجال الأمن والمخابرات والبعثيين أكثر من غيره؛ بهدف التنكيل بالدعاة وتعميق الفرقة بينهم وبين الاتجاه العام في الحوزة العلمية والمتدينين التقليديين.

في هذه الفترة؛ لم يكن السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية؛ المستهدَفين الوحيدين من هذه الهجمة؛ بل كان كل التيار الإسلامي السياسي الشيعي متهماً بهذه التهم أيضاً؛ تزامناً مع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني؛ الذي كان يمثل قيادة هذا التيار؛ بل كان بعض المتدينين المحافظين الشيعة يقولون: ((الخميني يريد إسقاط الشاه الذي هو الملك الشيعي الوحيد في العالم!)).

وفي مرحلة المهجر الإيراني؛ بدءاً من العام 1979؛ تطورت تهمة عدم إيمان حزب الدعوة بالمرجعية إلى تهمة أخطر؛ وهي عدم إيمان الحزب بولاية الفقيه، وإن الدعاة هم ضد مبدأ ولاية الفقيه، ولا يوالون مصداقها. وهذه التهمة تعني، وفق مبدأ ولاية الفقيه، خروجا نظرياً على ولي الأمر مبسوط اليد. وكان المناوئون لحزب الدعوة من الفرقاء السياسيين الشيعة العراقيين المتواجدين في إيران يغذون هذه التهمة؛ على خلفيات مليئة بالمفارقات والتناقضات؛ فكانوا يقولون للجمهور العراقي في إيران بأن حزب الدعوة لا يؤمن بالمرجعية الدينية، ويقولون للإيرانيين الحكوميين بأن حزب الدعوة لا يؤمن بولاية الفقيه. وبالتالي؛ لم يكن بعض الإيرانيين المتشددين يتهمون حزب الدعوة بعدم الإيمان بالمرجعية؛ بل العكس؛ يقولون بأن حزب الدعوة تابع لمرجعية النجف؛ وبأنهم (جماعة الخوئي)، ولا يؤمنون بولاية الإمام الخميني. فكان الدعاة يواجهون نيران تهمتين متعارضتين؛ وهي مفارقة تستند إلى شبهة واقعية؛ لآن حزب الدعوة هو ابن مدرسة النجف بالفعل، ونتاج نظرية السيد محمد باقر الصدر الفقهية السياسية، وتأسس في كنف مرجعية الإمام الحكيم وتأثر بها، وأن كثيراً من قيادات الدعوة وكوادرها وأعضائها يقلدون الإمام الخوئي؛ وأن أكثر علماء حزب الدعوة هم من تلاميذ السيد الخوئي. ولكن في الجانب الفعلي كان حزب الدعوة في حالة حرب دموية شاملة مع نظام البعث، ويتماثل فقهياً وفكرياً ومنهجياً وميدانياً مع نظام ولاية الفقيه.

معطيات الوسط العراقي الديني المناوئ لحزب الدعوة

بين تهمة عدم إيمان حزب الدعوة بالمرجعية الدينية إلى تهمة عدم الإيمان بولاية الفقيه؛ كانت تبرز حزمة المفارقات التي تخلقها ثلاثة أطراف معنية؛ تنتمي إلى البيئة العراقية الدينية بشقيها التقليدي والسياسي، والبيئة الإيرانية المؤمنة بمبدأ ولاية الفقيه، وبعض الدعاة الذين تركوا التنظيم.

في إطار المدرسة النجفية وامتدادتها خارج العراق؛ والتي ترمز عادة إلى توجهات الوسط الديني الشيعي بشقيه التقليدي والسياسي؛ ظلت تهمة عدم إيمان حزب الدعوة بالمرجعية الدينية، وعدم الالتزام بأوامرها؛ تستند إلى المعطيات التالية:

1 – إن حزب الدعوة هو حزب سياسي ديني؛ يعتمد ايديولوجية غير مسبوقة في الوسط التقليدي الديني والحوزوي؛ فهو يؤمن بإقامة دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي؛ وهي نظرية غير مقبولة – غالباً – في هذا الوسط؛ لقول بعضهم بحرمة قيام راية ودولة إلا على يد المعصوم أو إذنه؛ وفق جزء من الموروث الفقهي الشيعي(7). ولكن السيد محمد باقر الصدر أسس نظرية فقهية جديدة قام عليها حزب الدعوة؛ قلبت موازين الفقه السياسي الإسلامي لمدرسة الإمامة. فكانت نظرية السيد الصدر تعتمد الشورى في قيادة العمل في أول أربع سنوات من عمر الدعوة (1957 – 1961)، ثم طوًر نظريته بعد ذلك؛ حين اعتمد نظرية ولاية الفقيه؛ بالمضمون نفسه الذي طرحه الشيخ محمد رضا المظفر في كتاب «عقائد الإمامية»(8) والإمام الخميني في كتاب «الحكومة الإسلامية». وفي النتيجة؛ كان من البديهي أن تتعارض نظرية حزب الدعوة في العمل الإسلامي السري وفي تأسيس الدولة الإسلامية في عصر الغيبة مع النظرية الموروثة الحاكمة في الحوزة العلمية. وبالتالي؛ ظهور نوع من عدم الانسجام مع هذا الوسط؛ وصولاً إلى ما أسماه خصوم الدعوة بعدم التبعية للمرجعيات الدينية.

2 – إن حزب الدعوة كان يريد تنفيذ منهجه ومشروعه في التحرك الخاص؛ بعيداً عن تأثيرات مكاتب المرجعيات؛ لأن هذه التأثيرات وخصوصياتها تتعارض مع مشروع «الدعوة» وخصوصيته. وكان هذا مدعاة لتهمة أكبر؛ هي العداء للمرجعية.

3 – إن حزب الدعوة لم يتبن مرجعية بعينها؛ بل حرّر أعضاءه من ضغط تقليد مرجع بعينه؛ بالنظر لتعدد المرجعيات واختلاف رؤاها الفقهية أحياناً، وتوجهاتها ومواقفها السياسية والاجتماعية والفكرية أحياناً أخرى.

4 – في الفترة التي أعقبت وفاة مرجع الطائفة الإمام الحكيم؛ انقسمت المرجعية النجفية العليا بين الإمام الشاهرودي والإمام الخوئي، وحدث فراغ نسبي في قيادة الشأن العام؛ أي قيادة الواقع الشيعي التي كان يمسك بها الإمام الحكيم؛ في الأبعاد الاجتماعية والإصلاحية والسياسية؛ الأمر الذي دفع الثنائي القيادي لحزب الدعوة؛ عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي؛ لطرح فكرة ((قيادة الساحة لمن يتصدى لها)) و((القيادة فعل وليس منصب))؛ أي أن المرجعية؛ من الناحية المصداقية الواقعية وليس من ناحية المفهوم؛ إذا تصدت للشأن العام أو قيادة الأمة؛ كما كان في مرحلة الإمام الحكيم؛ فإن الدعوة ستسير خلفها، وتكون قيادة الأمة للمرجع المتصدي المبسوط اليد. وإذا لم تتصد المرجعية الدينية للشأن العام ولقيادة الواقع الشيعي، وحصرت نشاطها في الشأن الخاص؛ أي البعد العلمي والديني المحض؛ فإن حزب الدعوة سيضطر لملء الفراغ والتصدي للشأن العام؛ أي لقيادة الأمة. وكانت هذه الفكرة من أهم المؤاخذات النظرية التي استثمرها خصوم «الدعوة» في الوسط الديني ضد الحزب.

5 – حين تبنى حزب الدعوة مرجعية السيد محمد باقر الصدر؛ بعد أن طرح رسالته العملية (الفتاوى الواضحة) في منتصف السبعينات؛ أصبحت الأغلبية الساحقة من وكلاء الصدر هم من علماء الدين الأعضاء في حزب الدعوة؛ بواقع 80 وكيلاً داعية من مجموع وكلاء السيد الصدر الـ (100) في داخل العراق وخارجه. ولكن لم تفرض قيادة الحزب على أعضائها تقليد السيد الصدر؛ بل كانت تروج لمرجعيته في أوساط الدعاة والمناصرين؛ في وقت كان معظم الدعاة يقلدون السيد الخوئي. وبذلك أصبح هناك خروج على المألوف الراسخ؛ والمتمثل في عدم تقليد الدعاة للمراجع الأكبر سناً والأشهر في الأعلمية؛ ولاسيما المرجع الأعلى السيد الخوئي، لصالح تقليد السيد محمد باقر الصدر، وهو فقيه شاب في بداية أربعينات عمره؛ وهو ما تم تصنيفه أيضاً عدم تبعية للمرجعية العليا. بل هناك مقترح تم طرحه في قيادة حزب الدعوة في العام 1971 بأن يعلن السيد محمد باقر الصدر عن مرجعيته، وتروج لها «الدعوة» وتنشرها؛ لملء الفراغ القيادي في الساحة الشيعية. وكان السيد الصدر حينها بعمر 36 سنة. وهو خروج كبير عن المألوف؛ رغم ما كان السيد الصدر قد بلغه من المستوى العلمي والفقهي العملاق. ولكن فكرة إعلان المرجعية اكتملت عند السيد الصدر في العام 1974.

6 – حين أعلن المرجع السيد محمد باقر الصدر عن مشروع الثورة؛ بايعته قيادات حزب الدعوة في إقليم العراق على الموت في طريق مشروعه، وأصدر المجلس الفقهي للدعوة الذي يضم آية الله الحائري، وآية الله الآصفي، وآية الله التسخيري، وآية الله العسكري، وآية الله فضل الله وغيرهم؛ فتوى شرعية في العام 1979 بالانتقال إلى مرحلة العمل المسلح. وكان من البديهي أن يتعارض التحرك الثوري للسيد الصدر والعمل المسلح لحزب الدعوة مع التوجهات المعلنة للمرجعية النجفية العليا؛ وهو ما يمثل عدم التزام بمواقف المرجعية.

7 – إن حزب الدعوة دخل في مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ وأصبح جزءاً من منظومة ولاية الفقيه التي لا تؤمن بها المرجعية النجفية كمبدأ فقهي.

أوساط نظام ولاية الفقيه ومعيار العلاقة بالدعوة

كان كثير من الإيرانيين الولائيين؛ أي علماء الدين المؤمنين بمبدأ ولاية الفقيه وبالإمام الخميني مصداقاً لها؛ وتحديداً الذين عاشوا في النجف؛ يعتمدون مؤشرات أساسية في اتهامهم حزب الدعوة بعدم الإيمان بولاية الفقيه؛ أهمها:

1 – أن حزب الدعوة ومنذ تأسيسه؛ كان تابعاً من الناحية الواقعية والفكرية لمرجعية السيد محسن الحكيم؛ وأنه تأسس في كنفه وبرعايته. وبما أن مرجعية الإمام الحكيم هي مرجعية إصلاحية وليست ثورية، وأنها كانت على خلاف منهجي مع مرجعية الإمام الخميني في النجف، ولم تكن تعارض شاه إيران؛ فإن حزب الدعوة هو ابن هذه المدرسة بكل تفاصيل حركته(8)، فضلاً عن أن ثلاثة من أولاد السيد محسن الحكيم هم من مؤسسي حزب الدعوة والدعاة الأوائل: السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد علاء الدين الحكيم، وأن تمويل حزب الدعوة كان من السيد محسن الحكيم. كما كان كثير من علماء الدين من قادة «الدعوة» هم تلاميذ ووكلاء وممثلين للسيد محسن الحكيم؛ وأبرزهم السيد مرتضى العسكري والشيخ عارف البصري في بغداد، والسيد قاسم شبر في النعمانية، والشيخ علي الكوراني في الكوفة، والشيخ محمد مهدي شمس الدين في الديوانية، والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان، والسيد طالب الرفاعي في مصر وغيرهم كثير. وكان الدعاة يديرون غالباً مشروع المكتبات العامة الذي رعاه السيد الحكيم.

2 – أن اثنين من مؤسسي حزب الدعوة وقادته كانا ضد بعض رموز الثورة في إيران، وعلى علاقة ببلاط الشاه كما يشيعون؛ وهما السيد مرتضى العسكري والسيد محمد مهدي الحكيم. فالسيد العسكري أفتى بانحراف الدكتور علي شريعتي مستعيناً بفتوى الإمام الخوئي. وكانت فتوى العسكري تلقيها طائرات جيش الشاه بشكل منشورات على المتظاهرين الثائرين في العام 1978؛ لتثبيط عزيمتهم وبث الخلافات بينهم؛ على اعتبار أن علي شريعتي كان إسلامياً تنويرياً، وقد قتله السافاك (مخابرات الشاه) في باريس في العام 1977، وكان كثير من الثوار الإيرانيين الإسلاميين التنويرين يعتمدون أفكاره. أما السيد محمد مهدي الحكيم؛ فقد كان متهماً بأنه عاش في كنف الشاه حين أقام في إيران؛ بعد إفلاته من يد السلطة البعثية في العام 1969، وكان وهو في طهران؛ يعمل مع معارضين عراقيين آخرين على الإطاحة بنظام صدام بإشراف سلطات الشاه.

3 – أن حزب الدعوة اتّبع مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي بعد وفاة السيد محسن الحكيم، وكان معظم تمويل حزب الدعوة يأتي من السيد الخوئي عبر وكلائه ومعتمديه من الدعاة، ولاسيما الشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ مهدي العطار والسيد عبد الله الغريفي والسيد محمد حسين فضل الله، إضافة إلى أربعة من كبار التجار الشيعة الكويتيين والإماراتيين من معتمدي السيد الخوئي. كما كان أكثر علماء الدين من قادة حزب الدعوة هم تلاميذ السيد الخوئي؛ كالسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ مهدي العطار وغيرهم كثير جداً، وإنهم متأثرون بأفكار السيد الخوئي، أو وكلائه؛ حتى كانوا يقولون بأن الشيخ الآصفي رفض ترجمة أو تصحيح كتاب الحكومة الإسلامية للإمام الخميني؛ حين أرادوا طباعته في النجف. وقد نفى الشيخ الأصفي ذلك عندما سألته حول هذا الموضوع؛ بل قال إنه واظب على حضور دروس الإمام الخميني في الحكومة الإسلامية مدة سنتين. كما أن حفيد الإمام الخوئي السيد موسى الخوئي؛ ظل حتى الثمانينات من القرن الماضي في قيادة حزب الدعوة. ونقل لي السيد موسى الخوئي بأنه كان خلال عقدي الستينات والسبعينات أهم رابط بين «الدعوة» والإمام الخوئي، وكان ينقل أخبار الحزب وشؤونه واحتياجاته إلى جده المرجع الأعلى(9).

وفي السياق نفسه نقل لي القيادي في حزب الدعوة الشيخ عبد الحليم الزهيري بأنه حصل في العام 1985على وكالة جديدة من الإمام الخوئي سلمها له نجله السيد محمد تقي الخوئي في موسم الحج؛ وهو لقاؤهما الثاني بعد لقائهما في مدينة هامبورك بألمانيا في العام 1984؛ بالرغم من خطورة هكذا لقاءات على مرجعية السيد الخوئي؛ في ظل حالة القمع والإرهاب التي كان يمارسها نظام صدام ضد الحوزة العلمية والحركة الإسلامية، وتصفية كل من يشتبه بعلاقته بحزب الدعوة؛ فكيف إذا كان نجل المرجع يلتقي بالشيخ الزهيري الذي كان معروفاً لدى السيد الخوئي بأنه من قادة الجناح العسكري للحزب حينها. وفي اللقاءين كان السيد محمد تقي الخوئي يعبر عن اهتمامه واهتمام والده المرجع الأعلى في النجف بعمل حزب الدعوة في داخل العراق وضرورة تطويره وتصعيده، كما جدد الإمام الخوئي – عبر نجله – إجازته لوكلائه السيد فضل الله والشيخ العطار والسيد الغريفي والشيخ الآصفي والشيخ الزهيري وغيرهم بالصرف من الحقوق الشرعية على مختلف نشاطات حزب الدعوة؛ بما في ذلك العمل العسكري(10).

وكان معظم فقهاء حزب الدعوة لا يوافقون على العدول عن تقليد السيد الخوئي؛ عندما يستفتيهم الدعاة في العدول إلى تقليد الإمام الخميني. في الوقت الذي كان الدعاة الذين يقلدون الإمام الخوئي يعيشون حيرة كبيرة وازدواجية شرعية؛ بين تقليدهم لمرجع لا يستطيعون تقليده في الشأن السياسي ومسألة الصراع المسلح مع السلطة البعثية والخوض في الدماء من جهة، وتبعيتهم العملية للإمام الخميني في قضية الصراع والشأن السياسي ودعم الجمهورية الإسلامية من جهة أخرى، وبين فقيه الدعوة السيد كاظم الحائري؛ الذي يفتي لهم بالخوض في الصراع المسلح بكل تبعاته وخواتيمه من جهة ثالثة.

4 – ثمة تصريحات صدرت في الكويت من أحد قادة «الدعوة» وهو الشيخ علي الكوراني؛ ضد الإمام الخميني خلال الثورة؛ ومنها تصريحه حول استغلال الشيوعيين للإمام الخميني؛ وبأن اليساريين من شيوعيين وجماعة خلق يركبون موجة الثورة وسيمسكون بالسلطة بعد سقوط الشاه. وقد نقل لي السيد حسن شبر بأن الشهيد الصدر عبّر له خلال لقائهما في 17 آيار/مايو في العام 1979عن امتعاضه الشديد من تصريحات الشيخ علي الكوراني ضد الإمام الخميني وضده شخصياً(11).

5 – أن بعض قادة «الدعوة» وكوادرها المقيمين في إيران في عهد الشاه؛ كانوا يتعاونون مع مرجعية السيد كاظم شريعتمداري؛ ولاسيما الشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد سعيد النعماني والشيخ قاسم الحائري والشيخ محمد هادي الغروي وغيرهم؛ وكانوا يصدرون في بداية سبعينات القرن الماضي مجلة الهادي (باللغة العربية) التي تمثل مرجعية السيد شريعتمداري وتروج لنشاطاته.

6 – أن أحد مؤسسي حزب الدعوة؛ وهو السيد طالب الرفاعي؛ الذي كان وكيلاً لمرجعيات النجف في القاهرة؛ هو الذي صلى على جنازة شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي في العام 1980. وكان ذلك من الإحراجات التي تعرض لها حزب الدعوة؛ على الرغم من أن السيد طالب الرفاعي لم يكن حينها على أية علاقة بالحزب وقيادته وتنظيماته؛ بل إنه ترك «الدعوة» في وقت مبكر بعد تأسيسها؛ أي في حدود العام 1964 تقريباً. وقد نقل لي السيد طالب الرفاعي بأنه لم يكن مخيّراً في هذا الأمر؛ بسبب ضغط النظام المصري وأنور السادات عليه شخصياً(12).

7 – إن تنظيمات حزب الدعوة وقادته وأعضاءه في إيران لم يشتركوا في الثورة ضد الشاه ولم يكونوا يساهمون في المظاهرات، ولم تصدر عنهم بيانات تدعو إلى الثورة وتدعمها. وهذه الشبهة نفاها الشيخ محمد علي التسخيري؛ إذ يؤكد بأنه وقادة حزب الدعوة في إيران وكوادره وتنظيماته ظلوا يواكبون حركة الثورة ويشاركون فيها في جميع المدن الإيرانية التي يتواجدون فيها؛ ولاسيما طهران وقم ومشهد وإصفهان وشيراز؛ مشاركة مباشرة؛ وفي مقدمهم السيد محمد حسين الطهراني والسيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري والسيد نور الدين الإشكوري والدكتور كاظم مرتضى العسكري والشيخ محمد سعيد النعماني والدكتور محمد علي آذرشب والدكتور صباح زنكنه(13). وهو ما أكده أيضاً الشيخ محمد سعيد النعماني والسيد حسن شبر الذي يقول بأنه كان شاهداً على مشاركة حزب الدعوة في ثورة الإمام الخميني منذ العام 1963؛ لأنه كان منذ بداية ستينات القرن الماضي رابط تنظيم الدعوة في إيران مع القيادة(13).

8 – أن حزب الدعوة لم يكن ينفذ أمر الإمام الخميني بالدخول بكل ثقله وعناصره في جبهات الحرب العراقية الإيرانية؛ وأنه يدّخر عناصره إلى المستقبل؛ أي لمرحلة استلام الحكم في العراق. بينما كان حزب الدعوة يتعامل بكل جدية مع هذا الموضوع؛ ولكن وفقاً لإمكاناته المتاحة. ويذكر أنه قدّم في هذا المجال ما يقرب من (500) شهيد ومئات الجرحى والمعاقين(14).

9 – أن حزب الدعوة يعدّ نفسه كياناً مستقلاً عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا يذوب في مؤسساتها المدنية والعسكرية والمرجعية، ويتصرف باستقلالية في كثير من الملفات؛ على العكس من الشخصيات والمجموعات العسكرية التي انشقت عن حزب الدعوة؛ ولاسيما المجموعة التي كانت نواة تأسيس قوات بدر التي يقودها اليوم السيد هادي العامري، والمجموعة التي كان يقودها القيادي العسكري التاريخي في حزب الدعوة السيد مهدي عبد مهدي (أبو زينب الخالصي) التي عرفت بقوات سيد الشهداء، وهما مجموعتان أصبحتا جزءاً من تشكيلات قوات الحرس الثوري الإيراني؛ وهو ما لم يفعله حزب الدعوة.

المفارقة هنا؛ أن الجماعات الشيعة العراقية المتخاصمة مع حزب الدعوة؛ كانت تساهم بقوة في تغذية هذه التهم ضد حزب الدعوة؛ وتركز على تجميع أي تفصيل؛ مهما كان بسيطاً؛ وتنقله إلى المسؤولين الإيرانيين؛ لتثبت لهم أن حزب الدعوة يعارض ولاية الفقيه، وهي تهمة تثير حساسية الإيرانيين؛ على الرغم من معرفة الإيرانيين التفصيلية بخلفيات الأحداث وطبيعة الخلافات بين «الدعوة» وخصومها. والمفارقة الأخرى هي أن حزب الدعوة كان يدفع ثمن مقولة تبعيته لمرجعية الإمام الحكيم والإمام الخوئي ومرجعية النجف عموماً، وعدم ذوبانه في مرجعية الإمام الخميني وولايته؛ في الوقت الذي أصبح بعض العراقيين من أبناء مرجعية النجف المتمسكين بها؛ أصبحوا من الذائبين بولاية الفقيه أكثر من الإيرانيين أنفسهم، ويكيلون التهم إلى السيد الخوئي والى ما يسمونه بالمرجعيات التقليدية. ولكن حين برزت مرجعية السيد محمد محمد صادق الصدر التغييرية في النجف في أواسط تسعينات القرن الماضي؛ بادروا أيضاً إلى ضربها وتشويه سمعتها عند الإيرانيين. بينما أيد حزب الدعوة السيد محمد الصدر ومرجعيته، وكان يحاول التنسيق معه، وحماية أنصاره في الخارج، ولم يكن يرى مسوغاً لضرب السيد محمد الصدر ومرجعيته من بعض الأطراف العراقية المتواجدة في إيران.

وبالتالي؛ ظل حزب الدعوة منذ وفاة المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم؛ يرفض أن يكون طرفاً في التنافس المرجعي؛ كيلا يدفع ضريبته. فضلاً عن أن هذا التنافس هو شأن داخلي حوزوي، ومظهر طبيعي من مظاهر الاجتماع الديني النجفي منذ قرون، وتدخل فيه عناصر متعددة؛ بعضها شديد التعقيد؛ ويرتبط بالأعلمية ومساحات التقليد والنفوذ الديني.

إشكالات بعض المنشقين عن حزب الدعوة

في داخل حزب الدعوة؛ كان بعض الدعاة يتهم القيادة والمنظومة الحزبية؛ بأنها غير ذائبة في ولاية الإمام الخميني أو أنها لا تطيع فقيه الدعوة؛ سواء السيد الصدر أو السيد الحائري من بعده؛ بناءً على المعطيات التالية:

1 – إن بعض أعضاء القيادة العامة لحزب الدعوة (التنظيم العالمي للدعوة)؛ والذين يقيم معظمهم في الخارج؛ يتقدمهم القيادي المتنفذ محمد هادي السبيتي؛ كانوا يرون أن «الدعوة» غير مهيأة لدخول مرحلة العمل العسكري ضد النظام العراقي؛ بالشكل الذي يريده مؤسس الحزب السيد محمد باقر الصدر في تفجير الثورة ضد النظام، وكانوا يعتقدون أن هذا الأسلوب في الاندفاع المسلح سيقضي على المؤسس الصدر نفسه وعلى «الدعوة» في العراق أيضاً. ولكن في الوقت نفسه بايعت قيادات «الدعوة» في داخل العراق السيد الصدر على الموت بين يديه، كما كان المجلس الفقهي للحزب منسجماً في حركته وفتاواه وبياناته مع توجهات الصدر. وتسبب هذا في اتهامات بتخلي قيادة الخارج عن السيد الصدر.

2 – عندما اختير السيد كاظم الحائري فقيهاً لحزب الدعوة وعضواً بالتزكية في قيادته العامة في العام 1982؛ حدثت إشكاليات في الصلاحيات بينه وبين قيادة حزب الدعوة؛ فقد كان الحائري يرى ضرورة ممارسة صلاحيات الإمام الخميني نفسها في قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فيعين له ممثلين في كل لجان الحزب ومكاتبه وفروعه؛ يكون لهم حق النقض الشرعي؛ وهو ما رفضته قيادة الدعوة؛ لأسباب تقنية كثيرة. وقد سألت السيد كاظم الحائري في العام 1984 خلال تحضيري لكتاب «سنوات الجمر» عما وصلت إليه علاقته بقيادة الدعوة؛ فقال: ((إنهم لايسمعون كلامي))(15). وهو تعبير عن عدم طاعتهم الكاملة له. ونتج عنه خلافات على الصلاحيات وتفسير النظام الداخلي؛ فتم التوافق على حل الخلاف بإلغاء منصب «فقيه الدعوة» من النظام الداخلي خلال العام 1984، والعودة إلى صيغة «المجلس الفقهي». وتجدد الخلاف على الصلاحيات بين المجلس والقيادة مرة أخرى؛ ما دعى مؤتمر الحزب في العام 1988 إلى إلغاء مادة المجلس الفقهي من النظام الداخلي. وتسبب ذلك في خروج بعض الكوادر من الدعوة؛ واتهموا القيادة بعدم طاعة الفقهاء(16).

3 – كان بعض كوادر حزب الدعوة يفسر وصية الشهيد الصدر: ((ذوبوا في الإمام الخميني بقدر ما ذاب هو في الإسلام))؛ بأنه ذوبان في أجهزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بما في ذلك القوات المسلحة، وبأنه ارتباط مباشر بالإمام الخميني، ثم بآية الله الخامنئي بعد وفاة الإمام الخميني. وكان هذا التفسير الذي اعتبرته قيادة حزب الدعوة غير واقعي؛ بل لم يكن يرغب به الإمام الخميني والسيد الخامنئي أساساً؛ لأسباب واقعية أيضاً؛ مدعاةً لخروج بعض الدعاة والكوادر من الحزب، واتهامهم القيادة بعدم الالتزام بوصية الإمام الصدر، وعدم التمسك بولاية ولي الأمر. ومن أبرز هؤلاء – كما أسلفنا – المجموعة التي مثلت نواة قوات بدر في معسكر الشهيد الصدر، ومجموعة القيادي الجهادي السيد مهدي عبد مهدي.

4 – توجه بعض قياديي حزب الدعوة في أواسط تسعينات القرن الماضي إلى التعاون مع مرجعية آية الله السيد محمد حسين فضل الله. ووجد الدعاة أنفسهم في مواجهة اتهامات مشتركة تطال الطرفين. وكان بعض امتدادات «الدعوة» في كثير من البلدان؛ ولاسيما لبنان وإيران والكويت والبحرين والإمارات وسوريا وأوروبا وأمريكا يشكل حاضنة لمرجعية السيد فضل الله. وتسبب هذا في خلافات بين حزب الدعوة وبعض المرجعيات في قم والنجف، وفي تركيز اتهام حزب الدعوة بالتنصل عن الالتزام بقيادة السيد الخامنئي ومرجعيته من جهة، وعدم التبعية لمرجعية النجف من جهة أخرى.

5 – بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003؛ دخل حزب الدعوة في إشكالية جديدة؛ فقد بات يعيش تحت تأثير مثلث مرجعي ضاغط: مرجعية السيد السيستاني التي شكلت أمراً واقعاً جديداَ وأساساً، ومرجعية السيد الخامنئي وقيادته النافذة في العراق، ومرجعية السيد فضل الله؛ وما تمثله من التزام أخلاقي مستمر للدعوة. ولكن بعد وفاة السيد فضل الله؛ اقتصرت المعادلة المرجعية الدعوتية على طرفين: السيستاني والخامنئي. وظل موقف حزب الدعوة هو التوازن بين طرفي المعادلة. ومن حسن حظ «الدعوة» أن مرجعيتي السيد السيستاني والسيد الخامنئي؛ منسجمتان في التوجه وفي النظرة إلى الواقع العراقي ومستقبل مكوناته؛ ولاسيما المكون الشيعي. وهذا التوازن العملي في العلاقة بمرجعيتي السيد السيستاني والسيد الخامنئي هو قرار كل أجنحة مدرسة الدعوة: حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي، وتنظيم العراق بزعامة السيد هاشم الموسوي، وتيار الإصلاح بقيادة السيد إبراهيم الجعفري، وتنظيم الداخل بقيادة عبد الكريم العنزي. وهو نفسه الموقف التقليدي لحزب الدعوة من المرجعيات والقيادات المرجعية.

المفارقات؛ قرائن التصاق حزب الدعوة بالمرجعية

لسنا هنا بصدد مناقشة الجدليات والملابسات المفهومية والمصداقية التي توجه لحزب الدعوة في موضوع علاقته بالمرجعية الدينية؛ ولكننا ذكرناها لمجرد كونها مفارقات ومتعارضات، وكونها تضع «الدعوة» دائما بين خيارات محيرة، وفي دائرة محاطة بعدة نيران؛ ذلك أن جميع الإشكالات الواردة على حزب الدعوة من خصومه وأصدقائه السياسيين والدينيين الشيعة في النجف وقم وطهران وبيروت؛ تدور حول الاختلاف على تبعية حزب الدعوة لهذه المرجعية وتلك. وبالتالي؛ فإنها تؤكد متلازمة حزب الدعوة والمرجعية، وبأن تكوين حزب الدعوة ومساحة حركته لصيقان بالفضاء المرجعي، ولا يمكنهما فكرياً وواقعياً الانفكاك منه. صحيح أن الدعوة لم تكن يوماً حزباً تابعاً لمرجعية معينة؛ ولكن ايديولوجية حزب الدعوة لا يمكن أن تعمل بمعزل عن منظومة المرجعيات الدينية؛ لأنه حزب ديني شيعي، وفيه فقهاء وعلماء دين، وأعضاؤه متدينون ومقلدون للمرجعيات، ومساحة حركته هي المساحة الشيعية الدينية نفسها التي تمسك بها المرجعية الدينية، وأنه بحاجة دائماً إلى الإذن الشرعي؛ أي إجازة الفقيه؛ فيما يرتبط بالحقوق الشرعية والأموال والدماء وكثير من الأمور الحسبية.

أما الالتزام بقرارات المرجعية وتوجيهاتها وإرشاداتها؛ فهو موضوع شائك جداً، ولا يجوز أن يخضع للمزايدات السياسية والمصالح الآنية والكلام الدعائي، وليس مادة للتصريحات الإعلامية والشعارات الشعبوية؛ لأن التبعية للمرجعية تستبطن أبعاداً فقهية وواقعية كثيرة؛ ترتبط بطبيعة التوجيه؛ فيما لو كان ولائياً أو إرشادياً أو رأياً سياسياً أو تكليفاً فردياً خاضعاً للتقليد، كما يرتبط بمبنى المرجع نفسه في موضوعة مساحة ولاية المرجع ونوعية إعماله لهذه الولاية، وتصديه أو عدم تصديه للشأن العام. وهو ما يختلف فيه الفقهاء والمراجع أنفسهم. ومن هنا يتعامل حزب الدعوة مع مبدأ الالتزام والتبعية للمرجعية وفقاً للأسس الفقهية المتعارفة، والمداخل الواقعية ذات العلاقة بتعدد المرجعيات، ومن منهم يجب أن يُتبع ومن لا يجب، ومصداق المرجع الأعلى مبسوط اليد؛ فضلاً عن تنوع التقليد بين الدعاة، وترك موضوع التقليد لكل داعية؛ باعتباره موضوعاَ شخصياً صرفاً؛ بل وعدم فرض مبنى فقهي محدد على الدعاة الفقهاء والمتفقهين؛ في موضوعة الولاية.

وربما تكون مفارقة تحتاج إلى تأمل؛ أن تتهم حركة؛ كحزب الدعوة؛ بعدم التبعية للمرجعية ولعلماء الدين؛ بالرغم من أن أكثر من خمسة مراجع دين و(30) مجتهداً كانوا يوماً أعضاء فيه؛ ولا يزال فيه مجتهدون وعلماء دين ومفكرون، وإن معظم علماء الدين ومشايخ حزب الدعوة هم وكلاء للمرجعيات الدينية، وإن الحوزات العلمية في النجف وقم كانت ولا تزال مليئة بالأساتذة والطلبة الدعاة، وإن الدعاة جميعاً يرجعون بالتقليد إلى المرجعيات الدينية. ولكن خصوم «الدعوة» يرددون التهم والملابسات والشبهات في هذا المجال؛ كجزء من المناكفات السياسية والتنافس على كسب المجتمع الشيعي؛ دون أخذ مصلحة الأمة والوحدة المجتمعية وتآلف أبناء المذهب والمكون الواحد بنظر الاعتبار.

الموقف من رئاسة الحكومة العراقية: نموذج المتلازمة النوعية

الحديث السابق يمهد لفهم جدلية علاقة حزب الدعوة بالمرجعية الدينية؛ لاسيما في مرحلة ما بعد العام 2003. ونطرح هنا نموذجاً تطبيقياً لهذه الجدلية؛ يلخص طبيعة متلازمة حزب الدعوة والمرجعية. ويرتبط برؤية المرجعية النجفية العليا لموضوعة رئاسة الحكومة العراقية في العام 2014، التي تمخض عنها ترشيح القيادي في حزب الدعوة – حيدر العبادي – لرئاسة الحكومة، وسحب أمين عام حزب الدعوة نوري المالكي ترشيحه لمصلحة محازبه.

لقد طرحت المرجعية النجفية العليا المتمثلة بالإمام السيستاني مشروعاً عميقاً في نوعه وكبيراً في حجمه خلال العام 2014؛ تلخًص عنوانه بـمفردة ((التغيير))؛ من أجل إخراج العراق من أزماته المتجذرة في أعماق التاريخ العراقي وموروثاته، وجغرافياه، وديمغرافيته، ونظامه القانوني، ونظامه السياسي، واقتصاده، وسياسات الدولة والحكومة والفرقاء في العملية السياسية، والبيئة النفسية الاجتماعية والفردية، وثقافة الدولة والمجتمع.

ولم تكن رؤية الإمام السيستاني تقصر التغيير على تغيير الوجوه الحكومية وحسب؛ فبيانات مكتبه وخطب أئمة الجمعة من وكلائه قبل الانتخابات البرلمانية في العام 2014 وأثناءها وبعدها؛ وصولاً إلى الرسالتين التاريخيتين المتبادلتين بين قيادة حزب الدعوة الإسلامية وشخص الإمام السيستاني؛ تدل على أن مشروع التغيير عند الإمام السيستاني يستوعب كل أزمات العراق وموروثاته.

وتلقف الفرقاء السياسيون مفردة التغيير، وأخذ كل منهم يفسره وفقاً لمصالحه وأهدافه. وكان ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نوري المالكي؛ يرى أن التغيير الحقيقي الذي يدعو له الإمام السيستاني ليس تغييراً شكلياً؛ بل تغييراً في السياسات والأساليب والمضامين. وعليه؛ رفع شعار ((حكومة الأغلبية)) التي من شأنها توحيد قرار الدولة والحكومة؛ وصولاً إلى القدرة على التغيير الحقيقي.

وأفرزت الانتخابات عن حصول ائتلاف دولة القانون وحلفائه على 103 مقاعد؛ أي ما يعادل ثلثي أصوات الكتلة الناخبة الشيعية في العراق، بينما حصل جميع منافسي المالكي من الجماعات الشيعية على ثلث أصوات الكتلة الناخبة الشيعية. كما حصل نوري المالكي شخصياً على أعلى الأصوات على مستوى العراق. هذه النتائج بينت بما لا يقبل الشك أن الناخب العراقي صوّت لنوري المالكي، وأنه يرغب في تحقيق الاستقرار السياسي عبر وحدة قرار الدولة والحكومة. ولم يحصل المالكي على هذه النتائج بسهولة؛ بل انتزعها من خلال عمق نفوذه الشعبي؛ وهو النفوذ الذي لم يتأثر بالفتاوى التي صدرت ضده، أو الحراك السني والكردي والسعودي والتركي والأمريكي الذي استهدفه بقوة؛ لأسباب يطول شرحها.

وبعد إعلان نتائج الانتخابات؛ جرت الأمور منذ اليوم الأول في مسار الاختلاف على تسمية الكتلة الأكبر؛ فكان ائتلاف دولة القانون يعد نفسه الكتلة الأكبر داخل البرلمان وداخل التحالف الوطني الشيعي الذي يضم ائتلاف دولة القانون وائتلاف المواطن وكتلة الأحرار وكتل صغيرة أخرى؛ بينما كانت أطراف أخرى في التحالف الوطني ترى أن التحالف هو الكتلة الأكبر؛ في حين يشكل ائتلاف دولة القانون وشركاؤه حوالي 64 بالمائة من مقاعد التحالف الوطني؛ أي أن التحالف هو الأكبر بوجود ائتلاف دولة القانون فيه. ولم ينته السجال بين أطراف التحالف؛ في الوقت الذي كانت مواقف أكثر أطراف الكتلتين السنية والكردية تدعمان استبعاد ائتلاف دولة القانون من تسميته الكتلة الأكبر، واستبعاد السيد نوري المالكي من الترشح لرئاسة الوزراء.

والتزمت المرجعية العليا موقف الحياد الإيجابي حيال السجال؛ مع استمرارها في التأكيد على مفهوم التغيير؛ على أمل حسم الموقف من أطراف التحالف الوطني؛ ولاسيما دولة القانون. وظل خطباء الجمعة من وكلاء المرجعية العليا؛ ولاسيما الشيخ عبد المهدي الكربلائي يحثون الفرقاء السياسيين على حسم الموقف والاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة. ولم تتدخل المرجعية في تحديد الآليات والأسماء، وتركت ذلك لأطراف التحالف الشيعي. وعلى الرغم من المداولات المستمرة بين السيد السيستاني وموفدي السيد علي الخامنئي؛ ولاسيما الادميرال علي شمخاني أمين مجلس الأمن الوطني الإيراني والجنرال قاسم سليماني قائد قوات القدس، أو بين السيد الخامنئي وممثل السيد السيستاني في الخارج؛ السيد جواد الشهرستاني؛ لتحديد المسار الذي يؤدي إلى مافيه مصلحة العراق والواقع الشيعي؛ إلّا أن المرجعيتين بقيتا على الحياد في موضوع تحديد اسم رئيس الوزراء. وكان من شأن تدخل أي من المرجعيتين لصالح أي اسم؛ ترشيحه فوراً إلى رئاسة الوزراء؛ بل كان موقف مرجعية السيد علي الخامنئي متعاطفاً مع السيد نوري المالكي؛ ويلقى دعماً من مقربيها؛ ولا سيما الفقيهين العراقيي الأصل السيد محمود الهاشمي والشيخ محمد علي التسخيري؛ فضلاً عن الجنرال قاسم سليماني. ولكن مرجعية السيد الخامنئي لم تحسم الأمر لمصلحة السيد المالكي لثلاثة أسباب؛ الأهم هو: احترام موقف السيد السيستاني وعدم تجاوزه؛ ولا سيما أن هناك تأكيدات مستمرة من السيد الخامنئي على القوى السياسية الشيعية العراقية التي تتبع مرجعيته وقيادته؛ بأن يلتزموا توجيهات السيد السيستاني. وبذلك بقي الإيرانيون ينتظرون موقفاً صريحاً من الإمام السيستاني. والسبب الثاني هو أن مرجعية السيد الخامنئي لم تكن بوارد فرض السيد نوري المالكي على باقي حلفائها الذين يرفضون ترشيحه؛ ولا سيما التيار الصدري والمجلس الأعلى. ولذلك كانت تنتظر ما ستسفر عنه مباحثات أطراف التحالف الشيعي؛ علّها تصل إلى حل فيما بينها. والسبب الثالث هو أن موقف الحكومة الإيرانية برئاسة روحاني كانت مع مجيء رئيس وزراء جديد؛ فكانت القيادة الإيرانية تراعي أيضاً موقف حكومتها.

وبقيت الأمور تراوح مكانها بين الفاعلين الأربعة: مرجعية السيد السيستاني، وقيادة السيد الخامنئي، ودولة القانون وحزب الدعوة، وخصوم المالكي في التحالف الشيعي؛ وتحديداً السيد عمار الحكيم والسيد مقتدى الصدر. وفي الوقت الذي كان السيد السيستاني ينادي الفرقاء بالإسراع في الحسم وتغليب المصلحة العامة وعدم التشبث بالمنصب؛ إلّا أن الفرقاء الخصوم الشيعة كان كل منهم يفسر توجيهات السيد السيستاني وكلمات وكلائه وفقاً لما يراه؛ فكان ائتلاف دولة القانون ولاسيما فريق السيد المالكي يرى بأن السيد السيستاني يقصد بذلك جماعة المجلس الأعلى والتيار الصدري؛ ليتيحوا للمالكي فرصة تشكيل الحكومة الجديدة؛ على اعتبار أنه رئيس الكتلة الغالبة عدداً. أما المجلس والتيار فكانا مقتنعين بأن السيد السيستاني يقصد المالكي تحديداً.

وفي النتيجة؛ جاء الحسم من أغلبية قيادة حزب الدعوة؛ التي أكدت موقفها الشرعي بالالتزام بما يوجه به الإمام السيستاني؛ فبادرت إلى إرسال رسالة خطية إليه في 25 حزيران/ يونيو من العام 2014؛ لمعرفة قراره في موضوع تسمية رئيس الوزراء. ونصت الرسالة على ما يلي:

((بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني – دامت بركاته ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيدنا المفدى:

ونحن نعيش تجسيد أبوتكم الكريمة في هذا الظرف الحساس الذي تمر به أمتنا العزيزة وعراقنا الحبيب والمنطقة بشكل عام؛ نعرب عن تقديرنا لموقفكم الشجاع واحترامنا لدعوتكم المسؤولة وطاعتنا لتوجيهاتكم الحكيمة في مواجهة الإرهاب، ونضع كل إمكاناتنا لإرادتكم بما يخدم الإسلام والعراق.

سيدنا المكرم:

نود أن نطرح أمامكم الأمور التالية:

1 – التزاماً بالتوقيتات الدستورية في ضرورة عقد جلسة مجلس النواب في موعدها وكما هي رؤيتكم دوماً في احترام المؤسسات والدستور والقوانين.

2 – الانفتاح على الكتل السياسية وبدء الحوار معها لتشكيل حكومة وطنية تشترك فيها كل المكونات الرئيسة من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد وتحشيد كل الجهود لبناء العراق ومواجهة المشاكل الأمنية والخدمية والسياسية. وطبقاً لتوجيهاتكم التي تؤكدون عليها دائماً.

3 – إن تسمية رئيس الوزراء من حق الكتلة النيابية الأكبر، ويفترض أن يكون ذلك عبر إعلان التحالف الوطني عن نفسه؛ لأنه يعبر عن المكون الأكبر، ويتم تسمية الشخص عبر آلية يحددها التحالف وعبر الحوارات المستمرة والمكثفة الجارية حالياً من قادة كتله.

4 – اتفقت كتل التحالف الوطني على إعطاء المواقع الأخرى كرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ونوابهما إلى الكتل والمكونات بما ينسجم مع الاستحقاق الانتخابي.

نحن نتطلع إلى توجيهاتكم وإرشاداتكم ونعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة وفي كل المواقع والمناصب؛ لإدراكنا بعمق نظرتكم ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية.

حرسكم الله وأدام ظلكم وسدد خطاكم لخدمة الإسلام ومذهب أهل البيت.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قيادة حزب الدعوة الإسلامية

في 26 من شعبان 1435

الموافق 25 من حزيران 2014))

ويتضح من روح الرسالة ومضمونها؛ أن حزب الدعوة لا ينظر إلى توجيهات السيد السيستاني نظرة سياسية إرشادية؛ بل نظرة شرعية؛ فيها درجة الإلزام التي تتجاوز كون الإمام السيستاني مجرد رمزية إرشادية؛ بل كونه المرجع الأعلى المتصدي للشأن العام والمبسوط اليد. ويعي المتخصصون في الفقه السياسي الإسلامي معنى عبارة ((نعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية)) التي خاطب فيها حزب الدعوة الإمام السيستاني؛ فهي تمثل بيعة شرعية عامة لا تختص بقضية رئاسة الوزراء وحسب؛ بل بمطلق الشأن العام الذي تتصدى له المرجعية العليا.

وأجاب الإمام السيستاني على رسالة قيادة حزب الدعوة في 10 تموز/ يوليو 2014، وحملت توجيهه باختيار رئيس جديد للوزراء. وأراد السيد السيستاني بتوجيهه هذا؛ إخراج العملية السياسية من الطريق المسدود الذي وصلته، وإنقاذ الدولة العراقية من مأزقها القانوني والسياسي، والتداعيات الخطيرة التي يخلقها انهيار الأمن الوطني والاجتماعي؛ فقد كان مستقبل العراق عامة ومستقبل الشيعة خاصة؛ أمام ناظري الإمام السيستاني حين كتب رسالته التاريخية إلى حزب الدعوة. ونصها:

((بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوة في قيادة حزب الدعوة الإسلامية المحترمون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد؛ فإنه تعقيباً على ماورد في رسالتكم المؤرخة في 26 شعبان 1935هـ من طلب التوجيه فيما يخص (المواقع والمناصب) أود أن أبلغكم بأنه بالنظر إلى الظروف الحرجة التي يمر بها العراق العزيز وضرورة التعاطي مع أزماته المستعصية برؤية مختلفة عما جرى العمل بها؛ فإنني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع ويتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم.

سدد الله خطاكم ووفقكم لما يحب ويرضى.

علي الحسيني السيستاني

11 رمضان 1435))

وإذا كانت رسالة قيادة حزب الدعوة إلى الإمام السيستاني لافتة للنظر على المستويين الفقهي والسياسي؛ فإن رسالة الإمام السيستاني الجوابية تعد نصاً تاريخياً على مستوى الفقه السياسي الإسلامي الشيعي. وما يعنينا هنا؛ المضامين السياسية والرمزية والشكلية للرسالة؛ فقد أوضحت الرسالة ما يكنه الإمام السيستاني من تقدير واحترام خاصين لحزب الدعوة؛ حين أجاب باسمه الشخصي وليس باسم مكتبه، وبرسالة خطية بتوقيعه وختمه، وهو تعامل لم يسبق للإمام السيستاني أن خصه بفريق سياسي عراقي أو غير عراقي. ويزيد من خصوصية هذا التعامل هو أن الإمام السيستاني خاطب قيادة حزب الدعوة بـ ((الإخوة)). وهو تعبير ينطوي على مضامين شكلية عميقة. والأهم من ذلك، أن الإمام السيستاني أبقى استحقاق رئاسة الوزراء في داخل حزب الدعوة؛ وهو مؤشر فقهي آخر على احترام المرجعية الدينية لخيار الأمة.

وبمجرد وصولها؛ أحدثت الرسالة حراكاً كبيراً في أوساط قيادة الدعوة ومجلس شورى الحزب؛ وهو حراك فقهي وسياسي ربما يحصل لأول مرة في تاريخ حزب الدعوة؛ فقد أدى إلى وصول قيادته إلى حالة من الطاعة لتوجيه المرجعية العليا؛ ربما أفضت إلى التخلي عن الأمين العام للحزب؛ أي زعيمه السياسي الذي أوصل الحزب إلى القوة التي هو عليها؛ فيما لو تمسك إلى النهاية بحقه في الترشيح لرئاسة الوزراء؛ بالنظر لوجود توجيه في الرسالة ينص على ((اختيار رئيس وزراء جديد)).

وكانت مداولات اجتماع مجلس شورى الحزب في 8 آب/أغسطس 2014؛ أي قبل انتهاء المهلة الدستورية بيومين؛ تعبيراً عن استذكار قيادة «الدعوة» وكوادرها المتقدمة لأهداف الحزب وغاياته الدينية وعلاقته الشرعية بالمرجعية وجمهور المتدينين. وبالفعل؛ قررت قيادة «الدعوة» الالتزام بتوجيه المرجعية العليا المتصدية المبسوطة اليد؛ على الرغم مما قد يتسبب ذلك من تصدعات في الحزب، واختارت القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي مرشحاً بديلاً عن نوري المالكي؛ في الليلة التي سبقت انتهاء المهلة الدستورية؛ وهو ما كان يؤكده السيد السيستاني. وتم إبلاغ نواب البرلمان من أعضاء حزب الدعوة بقرار القيادة في الطاعة لتوجيه السيد السيستاني، والتوقيع على تقديم السيد العبادي مرشحاً بديلاً. أما الأعضاء الذين أصروا على الإبقاء على ترشيح السيد نوري المالكي؛ فقد كان لهم تفسير آخر لمضمون رسالة السيد السيستاني؛ وهو تفسير له بعده الفقهي أيضا؛ على اعتبار أن التوجيه كان رأياً إرشادياً سياسياً وليس فتوى شرعية. وهو ما كان يطرحه المالكي وقياديين وكوادر آخرين في اجتماعات القيادة والشورى وغيرها. وهو ما يفسر إصرار المالكي على حقه في الترشح؛ حتى بعد ترشيح العبادي.

وبعد يومين على ترشيح العبادي؛ توصّل نوري المالكي إلى القناعة بالتنازل؛ بعد أن استمع إلى رسالة التهنئة التي أرسلها السيد الخامنئي ليلاً بمناسبة ترشيح العبادي؛ فعرف بأن الأمر قد قضي؛ فجمع قيادات الحزب وحلفائه في اجتماع تاريخي؛ معلناً تنازله عن الترشيح لصالح «داعية» قيادي آخر. وبذلك أسقط المالكي في يد خصوم «الدعوة» ما ينتظرونه من حصول التباس فكري وسياسي جديد في العلاقة بين حزب الدعوة والمرجعية الدينية العليا، وحال دون تمزق حزب الدعوة وتشقق ائتلاف دولة القانون وانهيار التحالف الوطني الشيعي وانهيار العملية السياسية برمتها؛ بل منع حدوث حرب أهلية شيعية. وربما هو الإنجاز التاريخي الأهم لنوري المالكي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) انظر دراسات عن المرجعية الدينية لدى الشيعة وعلاقتها بولاية الفقيه: السيد محمد باقر الصدر، «الإسلام يقود الحياة»، ص 57، السيد كاظم الحائري، «الإمامة والمرجعية»، علي المؤمن، «الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر»، ص 79 – 85

(2) انظر: الأساس الرابع من أسس حزب الدعوة الإسلامية بقلم السيد محمد باقر الصدر (الملحق الثاني في هذا الكتاب).

(3) وهو ما كان يطرحه القياديين النافدين في حزب الدعوة محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل؛ في أعقاب رحيل المرجع الأعلى للشيعة السيد محسن الحكيم، وصعود السيد أبو القاسم الخوئي مرجعاً للطائفة؛ الذي لم يكن يتصدى للشأن العام ويحصر عمله في الجانب العلمي والاجتماعي.

(4) لم تكن المرجعية النجفية العليا ترفض تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة العراقية للمرة الثالثة؛ ولكنها ترى أنه لن ينجح في مهمته؛ بالنظر للفيتو الأمريكي ضده، ورفض ترشيحه من أهم الأحزاب الكردية والسنية وحزبين شيعيين أساسيين هما المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري.

(5) انظر ما ذكره السيد كاظم الحائري من روايات في هذا المجال في كتابه «المرجعية والإمامة»، ص 46، وعلي المؤمن، «إقامة الدولة الإسلامية بين الوجوب والحرمة»، مجلة التوحيد، العدد 101، 1999، ص 80.

(6) الشيخ محمد رضا المظفر، «عقائد الإمامية»، ص 23.

(7) تبنى هذه الآراء السيد حميد روحاني زيارتي في موسوعته التاريخية «نهضت إمام خميني»، ج 1 خلال حديثه في صفحات كثيرة من هذه الجزء عن فترة إقامة الإمام الخميني في النجف الأشرف. كما شرح ذلك بإسهاب السيد علي أكبر محتشمي (وزير داخلية إيران الأسبق) في مذكراته.

(8) مقابلات مع السيد موسى الخوئي خلال العامين 2014 و2015.

(9) مقابلات مع الشيخ عبد الحليم الزهيري خلال العام 2015.

(10) مقابلات مع السيد حسن شبر خلال العام 2015. وكان السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين يضغطون طيلة عقد السبعينات من القرن الماضي على السيد مرتضى العسكري والسيد كاظم الحائري لإخراج الشيخ علي الكوراني من قيادة الدعوة؛ إلّا أن الطلب كان يصطدم بموقف محمد هادي السبيتي الداعم للشيخ علي الكوراني، كما كان بعض تلاميذ السيد الصدر (السيد نور الدين الإشكوري نموذجاً) يتوسطون لدى الصدر للصفح عن الكوراني، الأمر الذي يؤدي إلى فشل محاولات إخراج الكوراني من القيادة.

(11) رشيد الخيون، «أمالي السيد طالب الرفاعي»، ص 245.

(12) مقابلات خاصة مع الشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد سعيد النعماني والسيد حسن شبر خلال عقد التسعينات من القرن الماضي.

(13) السيد حسن شبر في كتابه عن حزب الدعوة الإسلامية، ج 2 ص 134.

(14) «سنوات الجمر»، ص 369.

(15) لقاء خاص مع السيد كاظم الحائري في مدينة قم خلال العام 1984.

(16) انظر: محمد صالح النجفي، «قرار الحذف».

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment