جدلية الانشقاقات في حزب الدعوة الإسلامية

Last Updated: 2024/06/08By

جدلية الانشقاقات في حزب الدعوة الإسلامية

د. علي المؤمن

 

فرضيات وأسباب في دائرة فعل الانشقاق

تمثل هذه الفرضيات؛ الأسباب العامة للانشقاقات والتصدعات في كيان حزب الدعوة الإسلامية، وكل الكيانات التي تشابهه في المنهج الفكري والنظمي؛ أي أنها أسباب إنسانية ومنهجية عامة:

1 – إن الانشقاق والتمرد والخروج والتساقط ظاهرة إنسانية طبيعية؛ بدأت مع وجود البشرية على الأرض، وكان أول انشقاق هو الذي حصل في بيت آدم (انشقاق قابيل).

2 – إن الانشقاقات تكثر في الجماعات الايديولوجية (إسلامية، عنصرية، ماركسية…)، وتزداد كلما ارتفع منسوب الايديولوجيا؛ لأن الايديولوجيا تنطلق من مفهوم احتكار الحق والحقيقة (دوغماتيزم). بينما تقل الانشقاقات في الجماعات الليبرالية والمصلحية؛ لأنها تتعامل مع مفهوم الحق باعتباره نسبي ومتعدد (بلوراليزم)، وتتحمل الخلافات الداخلية ووجود الأجنحة والتكتلات داخلها. وتضيق الجماعات الايديولوجية ذرعاً بالخلافات الداخلية ولا تتحملها، وتحولها إلى صراعات ومعارك وانشقاقات؛ لأن كل مجموعة فرعية داخل الجماعة الايديولوجية تدعي امتلاك الحق المطلق الذي يسوغ لها التمرد والتشهير والتهجم والخروج والدم وانتهاك الحرمات؛ فاختلافها تعارض يمنع الاجتماع. ومثال ذلك الانشقاقات الهائلة في صفوف المسلمين منذ وفاة الرسول (ص) وحتى الآن، والتي تفوق كل الأديان والعقائد الأخرى؛ لأن الإسلام هو أكثر العقائد حزماً في الجانب الايديولوجي؛ رغم أن العقيدة الإسلامية هي عقيدة تآلف قلوب وأنفس ووحدة أفكار وتضامن مجتمعي، وكونها تنطوي على كوابح قوية تمنع الارتداد والتمرد والانشقاق. وبالنتيجة؛ فإن نسبة الايديولوجيا في الأحزاب سيف ذو حدين؛ فكلما ارتفع منسوب الايديولوجيا ارتفع منسوب الخروج على الحزب. ولكن في الوقت نفسه فإن الايديولوجيا المنظمة فكرياً والمدونة بمنهجية استدلالية؛ كفيلة باستمرار حياة الحزب وديمومته. ونرى هذه الظاهرة بوضوح في الأحزاب العراقية الايديولوجية الثلاثة: الحزب الشيوعي، حزب البعث وحزب الدعوة؛ فهي أكثر الأحزاب العراقية تعرضاً للانشقاق منذ تأسيسها؛ ولكنها استمرت بفاعلية ولا تزال قوية في حواضنها الاجتماعية؛ بالرغم من أن متوسط عمرها هو سبعون عاماً. واللافت أن أعضاء الأحزاب الايديولوجية هم أكثر شعوراً بالمسؤولية تجاه أحزابهم قياساً بأعضاء الأحزاب الليبرالية والنفعية، وأكثر تضحية من أجلها ومن أجل أهدافها.

3 – تتشظى الجماعات الايديولوجية في ظل عدم وجود قيادة كارزمية قوية تمسك بخيوط الجماعة، وتشكل عقلاً مركزياً جامعاً، أو في ظل عدم وجود مرجعية عليا روحية تتدخل وتردع وتوجه.

أما الأسباب التفصيلية الخاصة بظاهرة الانشقاق والانقطاع والتصدع والتساقط في حزب الدعوة الإسلامية؛ فيمكن تلخيصها بما يلي:

1 – إن حزب الدعوة الإسلامية هو حزب ايديولوجي تنطبق عليه الفرضيتان السابقتان (2 و3). والعامل الايديولوجي هو عامل ذاتي بنيوي أساسي، وتأثيره في الانشقاق أقوى من العوامل الخارجية، ومن أهم مخرجاته مزاعم الأفراد والمجموعات المنسجمة فكرياً ومزاجياً ومصلحياً داخل «الدعوة» تمثيل الحزب وفكره وسلوكه، واحتكار هذا الحق.

2 – إن حزب الدعوة الإسلامية – من وجهة نظر علم الاجتماع الديني – نشأ في بيئة ضاغطة على أعضائه وطاحنة لانتماءاتهم الفرعية؛ وتعتمد معادلات معقدة وصعبة؛ وهي البيئة النجفية الخاضعة لمعادلات المرجعيات والبيوتات والبرانيات والشأنيات. فكان الانتماء لحزب الدعوة يشكل انتماءً فرعياً لعلماء الدين من أبناء الاجتماع الديني النجفي، وليس انتماء أصلياً؛ على عكس انتماء غير المعممين أو المعممين من خارج الاجتماع الديني النجفي. فعندما يوضع عالم الدين المنتمي إلى الاجتماع الديني النجفي؛ بين خيار الانتماء للحزب وخيار الانتماء لاجتماعه الديني؛ فإنه يختار الأخير؛ لأنه انتماؤه الأصلي والأساس. وهي حالة لا تزال قائمة؛ أي أنها ليست ظاهرة تاريخية في حزب الدعوة.

ولم يتخلص حزب الدعوة من الضغط الهائل للاجتماع الديني النجفي إلّا حينما انتقلت القيادة إلى بغداد؛ وتحديداً حين هيمن عليها غير علماء الدين بعد العام 1963. ولو بقي الحزب في النجف قيادة وفكراً وسلوكاً؛ فسيبقى محاصراً بقواعد الاجتماع الديني النجفي؛ ولتحجّم قبل أن يبلغ عامه الخامس؛ لأن الصدام في المساحات المشتركة كان سيأتي لا محال. ولكن في الوقت نفسه؛ حمل التخلص النسبي للحزب من ضغط الاجتماع الديني النجفي؛ حمل معه بذور انشقاقات جديدة، وخلق حالات من الضبابية في انتماء شخصية الحزب إلى تفاصيل عقيدة أهل البيت؛ استمرت حتى العام 1975؛ وهو العام الذي جهر فيه حزب الدعوة بانتمائه لكل تفاصيل مذهب آل البيت(1). ثم عاد الحزب بعد سقوط نظام البعث في العام 2003 إلى ضغط الاجتماع الديني النجفي، الذي لن يتخلص منه إلّا بتنظيمه وتقنينه.

3 – طبيعة القيادة الجماعية ونوعية الهيكلية التنظيمية، وعدم وجود قيادة كارزمية ضاغطة مهيمنة؛ في ظل منظومة نفسية اجتماعية عراقية عربية شرقية؛ تعيش رواسب البداوة؛ ظلت ثغرة تنفد من خلالها عوامل الانشقاق والتصدع. بينما تقل هذه الظاهرة في ظل وجود قيادة ضاغطة مهيمنة تستمد قوتها من طبيعة البيئة المجتمعية التي تتماهى مع قيادة كهذه وتذعن لها.

4 – عدم وجود مرجعية عليا للحزب وقيادته؛ تعمل على حل الخلافات وتردع المخطئين؛ كأن تكون ولاية فقهية أو مرجعية دينية. أو على أقل تقدير هيئة إرشادية تحكيمية عليا تكون خارج إطار قيادة الحزب والدولة؛ شبيهة بالهيئة الشرعية في حزب الله لبنان، أو المجلس العلمائي الراعي لحركة الوفاق في البحرين. وهو ما ينسجم مع طبيعة النظام الاجتماعي الديني الشيعي.

5 – تأثير الفكر التربوي لحزب الدعوة على الداعية، وأساليب صقل شخصيته كـ(قائد في الأمة)؛ وصولاً إلى تحوله إلى واحد من قادة الأمة باعتباره من نخبة الدعوة القائدة للأمة، وخلق حالة المسؤولية لديه تجاه «الدعوة» باعتباره ((دعوة تمشي على قديمين))، وغيرها من مفاهيم كبيرة ومصطلحات أكبر؛ ربما تحفز الداعية على الفعل وتدفعه للعمل والإنتاج والعطاء؛ ولكنها في الوقت نفسه تتسبب في حالات انتفاخ وتعالي لا شعورية ولا إرادية؛ لا ينفع مع بعضها أساليب التهذيب والإرشاد ومواعظ التواضع. ومن جانب آخر فإن الداعية حين يتفاعل وينشط ويقدم؛ ثم يريد ممارسة دور القائد والمسؤول داخل الحزب؛ فإنه يكتشف أنه ليس قيادياً ولا مسؤولاً، ولا يمثل «الدعوة»، ولا «دعوة» تمشي على قدمين؛ بل إن «الدعوة» هي مجموعة القيادات والكوادر التاريخية حصراً. وهذا ما يجعله يتمرد وينشق ويتكتل؛ أما حفاظاً على تاريخه وحضوره في حزب الدعوة من الضياع، أو شعوراً بالمسؤولية تجاه «الدعوة»؛ جراء ما يعتقده أخطاء لدى القيادة.

6 – الاختلاف في المصالح الشخصية وفي أساليب إدارة المواقع وتسنمها؛ سواء على مستوى المواقع الحزبية أو مناصب الدولة. ويلعب اختلاف الأمزجة وعدم القدرة على تطويعها دوراً مهماً في هذا المجال. ثم في مرحلة الدولة برزت ظاهرة التداخل والجمع بين المسؤوليات التنظيمية والمسؤوليات الحكومية لتلعب دوراً سلبياً أيضاً في الخلافات الشخصية؛ ولاسيما أن معظم الدعاة المسؤولين دخلوا في دوامة العمل الحكومي في العراق بعد العام 2003.

7 – التفسيرات والقراءات المختلفة والمتعارضة للأفكار والأحداث والوقائع المستجدة. وتبني بعض الدعاة أفكاراً جديدة تتعارض مع الفكر التاريخي للدعوة أو ما نستطيع أن نسميه بالثوابت والتابوهات؛ بصورة إفراط وتفريط وعدم توازن. ومن هذه الأفكار المتعارضة: التمسك بقيادة علماء الدين والالتزام بأوامر المرجعية الدينية والذوبان في مؤسسات ولاية الفقيه، أو ما يعاكسها في الاتجاه؛ أي تبني الانتماء الوطني حصراً، والإيمان بالليبرالية والديمقراطية (كفلسفتين وسلوكين سياسيين)، والابتعاد عن قيادة علماء الدين.

وظل هذا العامل فاعلاً منذ العام 1979 وحتى الآن؛ بسبب عدم حسم حزب الدعوة موقفه الفكري والسياسي في كثير من الملفات، وتركها لعنصر الفعل ورد الفعل.

8 – العامل الخارجي، الذي برز بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو عامل مهم جداً؛ تسبب في تصدعات وانشقاقات عديدة؛ سواء في تنظيم «الدعوة» العالمي أو تنظيم «الدعوة» العراقي. وكان هذا العامل يجد بيئات ملائمة داخل الحزب؛ تتماهى مع النموذج الفقهي والفكري والسياسي والسلوكي الذي تطرحه الأجهزة الثورية في الجمهورية الإسلامية. وقد خفّ تأثير هذا العامل كثيراً بعد العام 2003.

وهذه العوامل تتحول بسرعة من القوة إلى الفعل بسبب عدم تحمل الخلاف في الرأي والموقف والقراءة داخل الحزب؛ بل يؤدي الخلاف غالباً إلى صراع داخلي وتراشق متبادل بالتقصير، ثم انشقاق أو خروج فردي أو جماعي.

أجنحة حزب الدعوة الإسلامية

هناك ثلاثة أنواع من الانشقاقات والتصدعات الحزبية؛ الفردية والجماعية:

الأول: خروج على القيادة والتنظيم.

الثاني: خروج على النظرية والفكر.

الثالث: خروج على التنظيم والفكر والمنهج معاً.

وقد شهد حزب الدعوة عدداً كبيراً من حالات الانسحاب الفردي منذ تأسيسه؛ على خلفية تغيير المسار الفكري أو العملي لهؤلاء الأفراد، أو الخلاف مع القيادة، إضافة إلى سبع حالات انشقاق؛ لا يزال أربعة منها قائماً إلى جانب الحزب الأم.

ويتوزع «الدعاة» حالياً على خمسة تنظيمات؛ تمثل أجنحة مدرسة حزب الدعوة الإسلامية:

الأول: «حزب الدعوة الإسلامية»؛ أمينه العام نوري المالكي، وهو الحزب الأم؛ أي التنظيم الأكبر حجماً والأهم نوعاً، والذي تجتمع فيه معظم قيادات الحزب التاريخية ورعيله الأول وكوادره الأساسيين. وينتمي إليه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي (أبو يسر)، ويترأس أمينه العام نوري المالكي «ائتلاف دولة القانون»، الذي يعد أكبر ائتلاف سياسي حكومي في العراق منذ تأسيسه في العام 2009، كما يترأس القيادي في الحزب علي الأديب (أبو بلال) كتلة ائتلاف دولة القانون في البرلمان العراق الذي يضم حوالي (103) نواب، وهي الكتلة الائتلافية الأكبر في البرلمان بعد العام 2014، ويمتلك الحزب أكبر كتلة حزبية في البرلمان هي «كتلة الدعوة» التي تضم (56) نائباً يرأسها عضو مجلس شورى الحزب الدكتور خلف عبد الصمد(2).

وتألفت قيادة حزب الدعوة بعد العام 2013 من:

1 – نوري المالكي (أبو إسراء): أمين عام حزب الدعوة ورئيس اللجنة المالية فيه، ورئيس وزراء العراق السابق لدورتين، ونائب رئيس الجمهورية بعد العام 2014، ورئيس ائتلاف دولة القانون (الائتلاف الأكبر في البرلمان العراقي بعد انتخابات العام 2014). من مواليد قرية جناجة في قضاء طوريج – التابع لمحافظة بابل (الحلة) آنذاك – في العام 1950، جده وزير المعارف في العهد الملكي الشيخ محمد حسن أبو المحاسن. انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية في العام 1970. هاجر إلى سوريا في العام 1979 بعد صدور أمر القاء القبض عليه، ثم إصدار حكم بإعدامه. تسلم مسؤولية العمل العسكري للحزب من العام 1983 وحتى 1989؛ انطلاقاً من إيران؛ حيث كان يقيم. انتخب في قيادة الحزب في أواسط الثمانينات ولا يزال فيها بصورة متواصلة حتى الآن. تسلم مسؤولية الحزب في الشرق الأوسط؛ انطلاقاً من سوريا حيث أقام فيها حتى سقوط نظام البعث في العراق. عاد إلى العراق في العام 2003، وتسلم عدة مسؤوليات في الدولة؛ كمسؤولية لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية (البرلمان المؤقت)، ونيابة رئيس المجلس الوطني. اختير رئيساً للوزراء في العام 2006 خلفاً لمحازبه الدكتور إبراهيم الجعفري، وبقي في هذا المنصب حتى العام 2014؛ حين تنحى – بعد فوز قائمته في الانتخابات البرلمانية – لمصلحة محازبه حيدر العبادي، وتسلم بعدها منصب نائب رئيس الجمهورية. حاصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين.

2 – السيد حسن شبر (أبو رياض)، رئيس هيئة التقويم والانضباط في حزب الدعوة الإسلامية، وأحد مؤسسي الحزب العشرة. ولد في النجف الأشرف في العام 1928؛ في أسرة دينية علمية، اعتقل في العام 1971 وعذب أشد أنواع التعذيب. أصبح من قيادات الحزب منذ العام 1979، وهاجر من العراق إلى سوريا في العام نفسه، وصدر ضده حكماً غيابياً بالإعدام، ثم أقام في إيران من العام 1980 وحتى سقوط النظام البعثي. انتخب عضواً في قيادتيه العامة والإقليمية منذ العام 1981، ولا يزال عضواً في قيادة الحزب بدون انقطاع. وبقي متفرغاً للعمل الحزبي طيلة مرحلة ما بعد سقوط النظام. تخرج من كلية الحقوق في جامعة بغداد وعمل محامياً لفترة طويلة. أعدم نظام صدام ولده المهندس رياض وعمه وعدداً من أفراد أسرته.

3 – علي الأديب (أبو بلال): رئيس المكتب التنظيمي في حزب الدعوة الإسلامية ومن رعيله الأول، ووزير التعليم العالي العراقي السابق، ورئيس كتلة ائتلاف دولة القانون في البرلمان العراقي بعد انتخابات العام 2014. ولد في مدينة كربلاء في العام 1944 في أسرة دينية تعمل في النشاط التربوي والتعليمي. انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1960، وخلال دراسته في جامعة بغداد ارتبط تنظيميا بالمؤسس القيادي عبد الصاحب دخيل حتى العام 1964، وأصبح بعدها عضواً في لجنة كربلاء إلى جانب المؤسس محمد صالح الأديب والسيد كاظم النقيب. تعرض للاعتقال في العامين 1971 و1980، هاجر بعدها إلى دولة الإمارات العربية ومنها إلى إيران. انتخب عضواً في قيادة الحزب منذ بداية الثمانينات ولا يزال في القيادة حتى الآن بصورة متواصلة. عمل في المجال التربوي والتعليمي خلال فترة إقامته في إيران التي استمرت حتى العام 2003 حين عاد إلى العراق بعد سقوط النظام. تسلم عدداً من المناصب الرسمية. يحمل شهادة الماجستير في التربية.

4 – الدكتور حيدر العبادي (أبو يسر): رئيس المكتب السياسي لحزب الدعوة، ورئيس وزراء العراق بعد العام 2014، ووزير الاتصالات الأسبق. ولد في مدينة بغداد في العام 1954 في أسرة متعلمة ميسورة؛ إذ كان أبوه من أطباء بغداد المعروفين. انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية في العام 1969، وأصبح عضواً في قيادته التنفيذية في العام 1980. هاجر من العراق في العام 1979، وأقام في لبنان ثم بريطانيا؛ حتى العام 2003 وعودته إلى العراق. وتسنم بعدها عدة مناصب؛ أبرزها منصب وزير الاتصالات في العام 2004، ثم رئيس الوزراء بعد العام 2014، فضلاً عن عضوية مجلس النواب لعدة دورات. أعدم نظام صدام اثنين من إخوته. يحمل شهادة الدكتوراه في هندسة المواصلات.

5 – الشيخ عبد الحليم الزهيري (أبو محمد): مسؤول المؤسسة الدينية في حزب الدعوة الإسلامية، والمستشار الديني لرئيس الوزراء العراقي منذ العام 2006. ولد في ناحية الهاشمية في محافظة بابل في العام 1955. انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية في العام 1971، بعد انتقاله إلى النجف الأشرف ودراسته في حوزتها العلمية، وأصبح أحد تلاميذ الإمام السيد محمد باقر الصدر. هاجر إلى إيران في العام 1980 بعد مطاردته من سلطات البعث، وواصل فيها دراسته الدينية، وتسلم لعدة سنوات مسؤولية المكتب الجهادي للحزب، وأصبح عضواً في قيادة الحزب منذ أواسط الثمانينات، ولا يزال فيها دون انقطاع. عاد إلى العراق بعد سقوط نظام صدام في العام 2003. أعدم نظام صدام والده وعدداً من أقاربه.

6 – الدكتور طارق نجم السعداوي (أبو منتظر): مدير مكتب رئيس الوزراء السابق. ولد في احدى قرى قضاء الشطرة (محافظة الناصرية) في العام 1945، انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية في العام 1968. هاجر من العراق إلى مصر في العام 1976بعد اشتداد الضغوط على الإسلاميين في العراق؛ حيث حصل على الدكتوراه في جامعة الأزهر. وتنقل بين عدة بلدان، وانتهى به المطاف في اليمن؛ حيث عمل أستاذاً في جامعاتها. عاد إلى العراق بعد سقوط نظام صدام، وتفرغ لعمل الحزب في معظم هذه المرحلة. وانتخب خلالها عضواً في قيادة الحزب. يحمل درجة الأستاذية (بروفسور) في الأدب العربي منذ العام 1996.

7 – السيد علي حسين العلاق (أبو جعفر): عضو مجلس النواب العراقي. ولد في مدينة الحلة في العام 1956. انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1976. هاجر من العراق إلى إيران في العام 1980، بعد تعرضه للملاحقة، وعمل في المجالات الجهادية والتنظيمية والدينية. ثم هاجر إلى السويد لممارسة العمل التبليغي إضافة إلى المسؤوليات الحزبية. عاد إلى العراق بعد سقوط النظام البعثي، وانتخب خلالها عضواً في قيادة الحزب. انتخب عضواً في مجلس النواب لأكثر من دورة. يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة بغداد، إضافة إلى دراساته الدينية في الحوزة العلمية بقم.

8 – الدكتور الشيخ عبد الزهراء البندر (أبو نبوغ): ولد في مدينة العمارة (جنوب العراق) في العام 1939. من الرعيل الأول لحزب الدعوة؛ إذ انتمى إليه في العام 1960. هاجر من العراق إلى سوريا في العام 1980 بعد اشتداد الضغوط على الإسلاميين في العراق، وأصبح مسؤولاً لعمل الحزب فيه، ثم هاجر إلى إيران؛ ثم إلى بريطانيا لممارسة العمل التبليغي الديني؛ فضلاً عن المسؤوليات الحزبية، وبقي فيها حتى سقوط نظام صدام، وتفرغ لعمل الحزب في هذه المرحلة. وانتخب عضواً في قيادة الحزب لعدة دورات منذ ثمانينات القرن الماضي. يحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة إضافة إلى دراساته الدينية.

9 – صادق حميدي الركابي (أبو جعفر): عضو مجلس النواب وسفير العراق السابق في قطر ومستشار رئيس الوزراء السابق. ولد في مدينة الناصرية في العام 1956. غادر العراق بعد ملاحقته من النظام السابق، وتنقل بين عدة بلدان. انتخب في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام عضواً في قيادة الحزب. يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة.

10 – الدكتور وليد الشهيب الحلي (أبو محمد): مستشار رئيس الوزراء. ولد في مدينة الحلة في العام 1951. هاجر إلى إيران بعد ملاحقته من النظام السابق، عمل مديراً للمركز الإعلامي للحزب بين العامين 1982 و1985. عاد إلى العراق بعد سقوط النظام في العام 2003، وأصبح عضواً في مجلس النواب بعد العام 2010 لدورة واحدة. يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء الصناعية من جامعة بوسطن.

11 – عباس البياتي (أبو النور الآمرلي): عضو مجلس النواب العراقي لعدة دورات. ولد في مدينة طوزخرماتو (شمال العراق) في العام 1964. انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية في العام 1980. هاجر من العراق إلى إيران في العام نفسه ثم إلى سوريا. أسس مع مجموعة من الإسلاميين التركمان «الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق»، وبقي أميناً عاماً له. انتخب في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام عضواً في قيادة حزب الدعوة، وعضواً في مجلس النواب لأكثر من دورة. خريج كلية الحقوق.

الثاني: «حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق»؛ أمينه العام السيد هاشم الموسوي، وهو ثاني أكبر تنظيم كماً ونوعاً بعد التنظيم الأم. وهو جزء من «ائتلاف دولة القانون»، ولديه كتلة برلمانية ضمت بعد العام 2014 عشرة نواب ووزيرين في الحكومة. ويعد أمين عام الحزب السيد هاشم الحمود الموسوي (أبو عقيل) من الرعيل الأول لحزب الدعوة؛ إذ انتمى إلى الحزب في العام 1959. ولد في مدينة البصرة في العام 1939، ودرس في معهد المعلمين، وعمل في المجال التربوي وتحمل مسؤوليات تنظيمية قيادية في البصرة وجنوب العراق. هاجر من العراق باتجاه الكويت في العام 1974؛ بعد فترة من التخفي؛ إثر حملات الاعتقال الكبيرة التي طالت تنظيمات حزب الدعوة. ثم هاجر إلى إيران في العام 1980. وتفرغ للعمل الفكري والبحثي والحزبي. انتخب عضواً في القيادتين الإقليمية والعامة للحزب في العام 1981، وبقي عضواً في قيادة الحزب حتى تاريخ الانشقاق في العام 1999. وكان خلال سنوات طويلة مسؤولاً للجنة الفكرية في الحزب، ومسؤولاً عن نشرة الحزب الداخلية «صوت الدعوة». صدر له عشرات الكتب ومئات الدراسات في مجال الفكر الإسلامي. انتخب أميناً عاماً لحزب الدعوة (تنظيم العراق) بعد سقوط نظام صدام، وبقي في هذا الموقع متفرغاً للعمل الحزبي والفكري، ولم يتسنم أية مسؤولية في الدولة العراقية.

ومن قادة تنظيم العراق البارزين الدكتور خضير الخزاعي (أبو ياسر) نائب رئيس الجمهورية السابق، إضافة إلى الباحث حسن السعيد (أبو أحمد) والشيخ جميل الربيعي (أبو حسين) ووزير التجارة السابق فلاح السوداني والنائب خالد الأسدي رئيس كتلة تنظيم العراق في مجلس النواب(3).

الثالث: «حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم الداخل»؛ أمينه العام عبد الكريم العنزي (أبو رياض المهندس)؛ وزير الأمن الوطني الأسبق، وهو انشقاق عن تنظيم العراق، ولديه عضو واحد في مجلس النواب بعد العام 2014، وهو جزء من «ائتلاف دولة القانون»(4).

الرابع: «تيار الإصلاح الوطني»؛ يرأسه الدكتور إبراهيم الجعفري الأُشيقر (أبو أحمد)؛ رئيس الوزراء الأسبق. ويعد الدكتور إبراهيم الجعفري من القيادات التي تركت بصماتها السياسية في حزب الدعوة؛ فقد كان القيادي الأبرز فيه في الفترة من العام 2001 وحتى العام 2006. ولد الجعفري في مدينة كربلاء في العام 1947، وتخرج طبيباً في جامعة الموصل. انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1967، وأصبح مسؤولاً عن تنظيم الموصل وشمال العراق. هاجر إلى إيران في العام 1980 بعد تعرضه للملاحقة. وبرز نجمه في المهجر تدريجياً باعتباره أحد الوجوه الشابة الجديدة. انتخب عضواً في القيادة العامة للحزب في العام 1981، وظل في هذا الموقع في جميع الانتخابات الحزبية اللاحقة. تسلم مسؤولية الحزب في أوربا وأمريكا بعد العام 1990؛ إثر إقامته في لندن. وعاد إلى العراق بعد سقوط نظام صدام. وتسلم بعد العام 2003 كثيراً من المسؤوليات؛ فقد كان أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي في العام 2004، ثم نائباً لرئيس الجمهورية. واختير رئيسا لوزراء العراق في العام 2005، ثم تنحى في العام 2006 لمصلحة محازبه نوري المالكي. وبعد انسحابه من الحزب في العام 2007 إثر الانتخابات الحزبية التي انتخب فيها نوري المالكي أميناً عاماً للحزب؛ أسس تيار الإصلاح الوطني. وبعد الانتخابات البرلمانية في العام 2010 انتخب عضواً في مجلس النواب، وفي الوقت نفسه اختير رئيساً للتحالف الوطني العراقي الذي يضم الفصائل الإسلامية الشيعية. وبعد انتخابات العام 2014 اختير وزيراً للخارجية(5).

الخامس: «حركة الدعوة الإسلامية»؛ التي كان يتزعمها عز الدين سليم؛ رئيس مجلس الحكم الانتقالي الذي اغتيل في العام 2014. وهي أقل تنظيمات مدرسة «الدعوة» فاعلية على المستوى السياسي والحكومي بعد رحيل أمينه العام. لدى الحركة أعضاء في بعض مجالس المحافظات؛ ولاسيما في البصرة. أمين عام الحركة الحالي محمد سعدون العبادي (أبو صفاء)(6).

والتنظيمات الثلاثة الأولى التي تحمل اسم «الدعوة» متحالفة في إطار «ائتلاف دولة القانون»، وذات منهج فكري وتنظيمي واحد، وقريبة من بعضها سياسياً. أما تيار الإصلاح فمتحالف معها في إطار ائتلاف دولة القانون على مستوى مجالس المحافظات (البرلمانات المحلية) فقط.

محطات تاريخية للتصدعات والانشقاقات

نقدم هنا عرضاً توصيفياً لظاهرة الخروج والانشقاق في حزب الدعوة، مع التأكيد على أن معظم أسبابها وعللها لا تزال قائمة ومهدِدة كما ذكرنا سابقاً:

1 – أول خروج رأسي من الحزب كان في العام 1959؛ هو خروج محمد صادق القاموسي أحد المؤسسين. ولم يكن بسبب خلاف فكري أو سياسي؛ بل بسبب تفضيل القاموسي التفرغ للعمل في إطار جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف.

2 – أول خروج شبه جماعي في العام 1961؛ هو خروج ثلاثة من المؤسسين: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم؛ بعد انكشاف ارتباطهم التنظيمي بالدعوة من بعض مسؤولي حزب البعث في النجف؛ وتحديداً حسين الصافي؛ الذي فاتح السيد محسن الحكيم والسيد أبي القاسم الخوئي بخطورة الحزب الذي يقوده محمد باقر الصدر وأولاد السيد محسن الحكيم على الحوزة والنجف والتشيع. وبرغم ردة الفعل القوية التي واجه بها المرجعان هذه الوشاية؛ وجواب السيد الحكيم لحسين الصافي: ((أنت لست أحرص من محمد باقر الصدر على الحوزة والتشيع))، وجواب السيد الخوئي: ((إذا كان محمد باقر الصدر يقود هذا الحزب فأنا أول من ينتمي إليه))؛ إلّا أن إحساس السيد الحكيم بالخطورة على الصدر والمرجعية والحزب جراء انكشاف حركة الحزب للبعثيين؛ اضطره للطلب من أولاده ومن السيد الصدر الخروج من التنظيم، وأن يقوم الصدر بالإشراف على حركة الحزب من خارج التنظيم، وأن يقوم السيد محمد مهدي الحكيم بدور التنسيق والرابط بين الحزب والمرجعية؛ دون أن يكون ضمن جسد الحزب.

3 – أول انشقاق تسبب في تصدع الحزب هو انشقاق السيد طالب الرفاعي والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد عدنان البكاء وجماعة معهم، في العامين 1963 و1964؛ بعد خروج السيد مرتضى العسكري من قيادة الحزب وإعادة هيكليتها. وكان السيد العسكري قد قرر أن تكون القيادة مؤلفة من: عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري والشيخ عبد الهادي الفضلي، إلّا أن الأخير كان يصر على أن يكون علماء الدين في القيادة ثلاثة وليس اثنين. وكان الشيخ الفضلي يمثل تنظيم النجف ويعبر عن توجهات الاجتماع الديني النجفي، ويدعمه عدد من علماء الدين من تنظيم النجف؛ أبرزهم السيد طالب الرفاعي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد عدنان البكاء؛ بينما كان الثنائي القيادي السبيتي ودخيل يدعمهم الشيخ كاظم الحلفي والشيخ عارف البصري؛ يعبِّران عن فعل حزبي صرف؛ لا يفرق بين عالم دين وغيره. وجرت محاولات من الطرفين لإقصاء بعضهما من القيادة بعد أن تحول المنشقون إلى تنظيم مستقل لحوالي عام تقريباً؛ إلا أن تدخل السيد محمد باقر الصدر بمساعدة السيد مرتضى العسكري؛ وضع نهاية للخلاف، والتأم شمل التنظيمين؛ إلّا أن الفضلي لم يلتحق بالقيادة وفضّل البقاء ضمن تنظيمات النجف(6).

4 – التصدع في تنظيم الحزب في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد؛ الذي قاده السيد سامي البدري في العام 1966؛ بسبب خلافه مع مسؤوله الشيخ عارف البصري، ورغبته في صلاحيات داخل تنظيم جامعة بغداد، وفي تعميق الجانب العقدي المذهبي في فكر «الدعوة». وائتلف جماعة البدري بجماعة بغدادية تدعى الحركة الإسلامية تضم أعضاء منشقين من منظمة العقائديين، وانتهى الائتلاف إلى تأسيس مجموعة جديدة تبلورت في العام 1979 بتنظيم «جند الإمام».

5 – خروج عدد من مؤسسي وقيادات وكوادر الدعوة في الفترة من العام 1969 وحتى العام 1971؛ أبرزهم السيد طالب الرفاعي في العام 1969؛ إثر سفره إلى مصر ممثلاً للمرجعية الدينية النجفية، والشيخ عبد الهادي الفضلي في العام 1971؛ إثر استقراره في بلده الأصلي السعودية، والسيد عدنان البكاء في العام 1971؛ إثر موجة الاعتقالات التي شنها النظام البعثي ضد حزب الدعوة. وهي ليست انشقاقات؛ بل انسحاب من التنظيم بضغط تغيير الجغرافيا والظرف المكاني.

وبخروج الرفاعي من الحزب؛ ثم اعتقال عبد الصاحب دخيل وإعدامه في العام 1972؛ يكون ستة من المؤسسين قد غادروا الحزب حتى العام 1972؛ ثلاثة منهم أصحاب الفكرة الأولى: السيد محمد مهدي الحكيم، السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل. وبقي من المؤسسين داخل التنظيم أربعة فقط من مجموع عشرة: السيد مرتضى العسكري، صالح الأديب، السيد حسن شبر والدكتور جابر العطا. وهي ظاهرة غير مسبوقة في الأحزاب؛ أن يخرج من الجماعة أصحاب الفكرة المؤسسة لها. ولكن إذا وعينا ضغوطات الاجتماع الديني النجفي؛ الذي ينتمي إليه خمسة من مجموع الستة المغادرين؛ سنفهم أن خروجهم يشكل حدثاً طبيعياً ينسجم مع طبيعة انتمائهم الأصلي للاجتماع الديني النجفي، وكون انتمائهم للحزب هو انتماء فرعي أو مكمل، وبالتالي لم يكن خروجهم من التنظيم خروجاً على الحزب وفكره وسياسته وسلوكه؛ بل تحت ضغط عامل خارجي يمثل انتماءهم الأصلي.

6 – الانشقاق الفكري والسياسي الذي بقي متفاعلاً طيلة العامين 1980 و1981، وهو الأهم في تاريخ حزب الدعوة، والذي انتهى بالانتخابات الحزبية التي جرت في مؤتمر الشهيد الصدر في طهران في العام 1981، ولم يحضره القيادي التاريخي محمد هادي السبيتي ومن يمثل خطه من قياديين وكوادر؛ أبرزهم الشيخ علي الكوراني. وكان الحزب خلال مرحلة الانشقاق قد توزع بين ثلاثة أجنحة:

الأول: عرف بـ «جماعة الكوراني» أو «خط البصرة»؛ لانتماء الغالبية الساحقة من أعضائه لتنظيم الحزب في البصرة، ومن أبرز قيادييه – إلى جانب الشيخ علي الكوراني – عز الدين سليم (عبد الزهرة عثمان) والدكتور خير الله السعداني وكاظم التميمي. وهم امتداد خط محمد هادي السبيتي في حزب الدعوة.

الثاني: عُرف بـ «جماعة الآصفي»، ويضم إلى جانب الشيخ محمد مهدي الآصفي: مجموعة الفقهاء؛ سيما السيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري، وشخصيات تاريخية كمحمد صالح الأديب والسيد حسن شبر والسيد هاشم الموسوي، وكوادر شابة سطع نجمها حديثاً كالدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب. ويدعم هذا الخط: السيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين ومعظم علماء الدين من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر والسيد الخوئي.

الثالث: كان على الحياد تقريباً؛ وفيه شخصيات مهمة كعبود الراضي ومهدي عبد مهدي والسيد عبد الأمير علي خان، إضافة إلى القيادات غير العراقية؛ ولاسيما اللبنانية.

وتم تشكيل لجنة سداسية تفاوضية لرأب الصدع؛ تمثل فيها كل جناح بعضوين: السيد عبد الأمير علي خان عن الجناح المحايد، محمد صالح الأديب والدكتور إبراهيم الجعفري عن جناح الآصفي، والدكتور إبراهيم السعداني وكاظم التميمي عن جناح الكوراني. إلّا أن اللجنة فشلت في التوصل لحل للمشكلة؛ سيما بعد أن رفض ممثلا جناح الآصفي مقترح حجب عضوية الشيخ الآصفي والشيخ الكوراني عن القيادة، وتمسكهما بدخول الجميع الانتخابات.

ويمثل هذا الانقسام امتداداً للخلاف الفكري والتنظيمي القديم في مرحلة الكويت بين القياديين القويين في الحزب الشيخ محمد مهدي الآصفي الذي يمثل منهجية «الدعوة» وخط الفقهاء، والشيخ علي الكوراني الذي يمثل منهجية «الحزب» وخط محمد هادي السبيتي وغير المعممين. وكان خط السبيتي – الكوراني يرفض إجراء انتخاب للقيادة، ويعتبر ذلك بدعة في مسيرة «الدعوة»؛ لأن القائد – كما كان يقول السبيتي – لا ينتخب وإنما يفرزه الفكر والعمل والميدان تلقائياً، وهي قيادة ملهمة. إلّا أن الاجتماع الذي عقده ما يقرب من (70) من كوادر الحزب الشابة في طهران؛ خارج إطار الأجنحة الثلاثة، وعرف بـ ((مؤتمر القواعد))؛ غلّب خيار الانتخابات في إطار مؤتمر عام. وشكلت لجنة تحضيرية رباعية للمؤتمر مؤلفة من السيد موسى الخوئي والسيد جواد طالب والسيد عمار الموسوي والسيد عبد المحسن الموسوي، وقامت اللجنة بدعوة الأجنحة الثلاثة المذكورة لحضور المؤتمر العام؛ الذي سمي «مؤتمر الشهيد الصدر»؛ إلّا أن جناح السبيتي – الكوراني لم يحضر ولم يشارك في المؤتمر ولم يعترف بنتائجها ولا بقرارات المؤتمر؛ بما في ذلك الانتخابات؛ على الرغم من طلب محمد هادي السبيتي إلى جناحه المشاركة في المؤتمر. بينما كان جناح الآصفي فاعلاً في المؤتمر؛ فضلاً عن اشتراك جميع شخصيات وكوادر الجناح الحيادي. وأسفر المؤتمر عن تسمية (12) شخصاً للقيادة العامة؛ بينهم سبع شخصيات تم انتخابها انتخاباً مباشراً؛ هي: السيد كاظم الحائري (فقيه الدعوة؛ بالتزكية حسب النظام الداخلي)، الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد حسن شبر ومحمد صالح الأديب والسيد هاشم الموسوي والدكتور إبراهيم الجعفري وعبود آل راضي وعلي الأديب، وخمس شخصيات أخرى من الأقاليم الأخرى التي تعيش حالة السرية ولم تشترك في الانتخابات؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والشيخ عيسى قاسم؛ ليكون العدد اثني عشر شخصاً، وهي أول قيادة منتخبة في تاريخ الحزب.

ومثّل تشكيل القيادة الجديدة نهاية واقعية للجدل الكبير المزمن داخل «الدعوة»؛ ولا سيما بعد كتابة القيادة الجديدة لأول نظام داخلي في تاريخ الحزب وإقراره في العام 1982. وبموجبه أصدر فقيه الحزب السيد كاظم الحائري حكماً شرعياً يحرم بموجبه استخدام اسم حزب الدعوة الإسلامية إلّا من التنظيم الذي يتبع القيادة الجديدة المنتخبة حصراً ويعمل على وفق النظام الداخلي الجديد.

وفي أعقاب هذه التطورات؛ ترك الشيخ علي الكوراني حزب الدعوة نهائياً، وتحوّل فكرياً – خلال أشهر معدودات – إلى معارض شديد للعمل الحزبي الإسلامي، والتحق بجماعة الشيخ حسين علي منتظري في قم، والتي كانت تكن عداءً شديداً لحزب الدعوة ولخط السيد محمد باقر الصدر. إلّا أن جناحه بادر وبمعزل عنه تجميع عناصره في إطار تنظيم جديد؛ استقطب معه بعض دعاة الرعيل الأول؛ كالسيد عبد الأمير علي خان؛ كما التحق بهم عدد من عناصر تنظيمات العمارة والناصرية والديوانية، وأسموه فيما بعد بـ «حركة الدعوة الإسلامية» في العام 1983؛ التي ظل عز الدين سليم (أبو ياسين – عبد الزهرة عثمان) يقودها حتى اغتياله في العام 2004، وانكمشت الحركة وتعرضت للانشقاق بعد ذلك.

وقد جرت عدة محاولات لرأب الصدع بين الطرفين منذ بداية الانشقاق؛ كان يقودها غالباً السيد مرتضى العسكري وغيره، وكاد بعضها ينجح؛ بل تم استئنافها حتى بعد العام 2003؛ ثم بعد اغتيال أمينها العام الأول وبعد وفاة أمينها العام الثاني عادل عبد الرحيم (أبو ذكوان) وبالفعل التحق كثير من عناصر الحركة بحزب الدعوة الأم أو حزب الدعوة تنظيم العراق؛ بينما انسحب آخرون؛ ولاسيما من يمثل عائلة عز الدين سليم وخطه الخاص.

7 – انفصال إقليم حزب الدعوة في لبنان في العام 1981؛ انتهى إلى تأسيس حزب الله؛ الذي قادته وشكّلت كيانه التنظيمي قيادات وكوادر حزب الدعوة السابقين؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي ومحمد رعد وحمود الخنسة ومحمود قماطي والشيخ حسين كوراني والشيخ محمد يزبك والشيخ نعيم قاسم والسيد حسن نصر الله وآخرين. وهو انفصال إشكالي مهم يختلف عن أسباب حل تنظيمات الدعوة في البلدان الأخرى، وربما ندر نظيره في كل المنظومات الحزبية في العالم.

8 – انسحابات في تنظيم حزب الدعوة في البحرين في العام 1981؛ انتهت إلى تشكيل ما كان يعرف بـ«خط الإمام».

9 – انسحابات في تنظيم حزب الدعوة في المنطقة الشرقية بالسعودية في العام 1981؛ انتهت إلى تأسيس «حزب الله الحجاز.»

10 – انشقاق في لجنة الكويت الخاصة بتنظيم الدعاة العراقيين، وفي تنظيم حزب الدعوة في الكويت الخاص بالدعاة الكويتيين خلال العامين 1981 و1982، وشكّل بعضهم تنظيم «حزب الله» الكويت، وهو انشقاق خطير؛ تسبب في إشكاليات كبيرة أُقحم حزب الدعوة فيها؛ ولا سيما ما يتعلق بسلسلة التفجيرات التي طالت المصالح الكويتية خلال العامين 1983 و1985، وهي تفجيرات لم يكن حزب الدعوة مسؤولاً عنها، ولا تعلم بها قيادته، ولكنها نسبت إلى حزب الدعوة بسبب اتهام بعض أعضاء الدعوة المنشقين فيها. وقد انحل تنظيم «حزب الله الكويت» بعد بضع سنوات(7).

11 – انسحاب قياديين وكوادر في الجناح العسكري لحزب الدعوة (الخط الجهادي)؛ بعد فشل المحاولة الانقلابية التي دعمها حزب الدعوة في العام 1981 انطلاقاً من منطقة «جيزان الجول» بمحافظة ديالى، وكان أبرز المنسحبين عضو القيادة التنفيذية المنحلة مهدي عبد مهدي (أبو زينب الخالصي)، وانتهى إلى تأسيس تنظيم «مجاهدو الثورة الإسلامية في العراق»، ثم التحاقهم بنواة تأسيس «قوات بدر»، ثم تأسيس «قوات سيد الشهداء» ثم «الحركة الإسلامية في العراق» وجناحها العسكري «كتائب الإمام علي».

12 – انسحاب عدد من كوادر الجناح العسكري للدعوة (قوات الشهيد الصدر) في نهاية العام 1982 ومطلع العام 1983؛ بينهم عدنان إبراهيم (أبو علي البصري) أول قائد لـ «فيلق بدر» والتحق بهم هادي العامري (أبو حسن) ثالث قائد لـ «بدر»، ثم جمال جعفر الإبراهيمي (أبو مهدي المهندس) الذي انفصل خلال العام 1982 مع مجموعة من الدعاة عن تنظيم الحزب حينما كان مقيماً في الكويت. وكذلك التحق بنواة «قوات بدر» مهدي عبد مهدي الذي سبق أن انفصل عن الحزب مع آخرين في العام 1982.

تجدر الإشارة إلى أن الانسحابات المذكورة من 7 إلى 12؛ لها علاقة بقناعات سياسية فكرية مستجدة للدعاة الخارجين على الحزب؛ تتركز حول منهجية العلاقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وتبني مبدأ ولاية الفقيه. ورافقت هذه القناعات تأثيرات العامل الخارجي المتمثل ببعض الأجهزة الثورية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحديداً قوات الحرس الثوري.

13 – التصدع الذي نتج عن قرار مؤتمر الحوراء زينب الذي عقده حزب الدعوة في العام 1988 بحذف مادة «المجلس الفقهي» من النظام الداخلي للحزب، وهو المجلس الذي كان يرأسه آية الله السيد كاظم الحائري ومعه آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (الناطق الرسمي) وآية الله الشيخ محمد علي التسخيري وآخرين. ونتج عنه اعتزال عدد من كوادر الحزب، وشكّل بعضهم «حزب الدعوة – المجلس الفقهي». ولم يكن في هذا التنظيم شخصيات قيادية؛ وما لبث أن انحل بالتدريج. وسبق لمؤتمر الزهراء الذي عقده حزب الدعوة في العام 1984 أن حذف منصب «فقيه الدعوة» من النظام الداخلي بعد قرار السيد كاظم الحائري الانسحاب من القيادة العامة ومن عضوية الحزب؛ لإن موقع الفقيه – كما يقول – يجب أن يكون فوق القيادة العامة وليس جزءاً منها. وإثر ذلك تم تشكيل «المجلس الفقهي» بشكل جديد (وكان يسمى منذ تشكيله في العام 1979 بمجلس الفقهاء)؛ تطويراً لأطروحة «فقيه الدعوة»؛ بهدف تكريس حالة الإشراف الشرعي على قرارات الحزب وعمله؛ وهو ما نص عليه التعديل الذي أجري في النظام الداخلي على مادة «فقيه الدعوة». وما لبث الخلاف أن دبّ بين رئيس المجلس الفقهي السيد كاظم الحائري والقيادة العامة في الفترة التي أعقبت تشكيل المجلس؛ فالسيد الحائري يرى أن المجلس الفقهي ليست مرجعية دينية يرجع إليه الحزب عند الحاجة للحكم والفتوى والإذن الشرعي؛ بل هو القيادة الحقيقية العليا للحزب، وأنها ولاية فقهية خاصة بحزب الدعوة؛ يستعاض بها عن إعمال الولي الفقيه العام لولايته؛ بسبب انشغاله بشؤون الأمة والدولة، وعدم إمكانية تفرغه لشؤون الحزب. ويقصد بالولي الفقيه العام قائد الجمهورية الإسلامية. بينما كانت القيادة العامة ترى أن المجلس الفقهي ليس ولاية فقهية؛ بل مرجعية فقهية يعود إليها الحزب ويحتكم إليها؛ بالنظر لوجود ولاية الفقيه العامة. وانتهى الخلاف إلى توقف المجلس عن أعماله، بسبب اعتراض السيد الحائري على طبيعة تعامل القيادة العامة مع المجلس الفقهي. ولحل هذا الخلاف؛ اقترح السيد الحائري والشيخ الآصفي ربط الحزب بقيادة الإمام الخميني مباشرة، وهو ما كانت ترغب فيه القيادة العامة أيضاً للتخلص من شبهة عدم إيمانها بولاية الفقيه ومن صعوبة تنظيم علاقتها بالمجلس الفقهي. وقد طرحت القيادة العامة هذا الموضوع على السيد أحمد الخميني (نجل الإمام الخميني) خلال لقائها به في العام 1985، ولكنه أكد لقيادة الحزب بأن الإمام الخميني لا يتدخل على هذا النحو، وأنه لا يعين ممثلين له في الأحزاب. واستمر الخلاف حتى إصدار مؤتمر حزب الدعوة قراره بحذف مادة المجلس الفقهي من النظام الداخلي، واستعاض عنه بهيئة علمائية شرعية(8).

14 – انسحاب بعض كوادر الحزب وأعضائه في العام 1991 على خلفية رؤاهم السياسية والفكرية الليبرالية المستجدة؛ ولاسيما المرتبطة باستقلال قرار حزب الدعوة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتكريس البعد الوطني فيه، والقبول بفكرة الديمقراطية. وانتهى الانشقاق إلى تأسيس «كوادر حزب الدعوة العراقي»؛ الذي كان محمد الشبوط أبرز الفاعلين فيه.

15 – انحلال تنظيم الحزب في أهوار العراق الجنوبية في العام 1992؛ بسبب شحة الدعم الذي كان يصل إليه، وهو تنظيم مسلح غالباً؛ موزع على لجنتين؛ إحداهما «لجنة الطف» التي كانت فاعلة داخل العراق قبل انحلالها. وكان أحد أبرز الفاعلين في تنظيم الأهوار زهير الوائلي؛ إضافة إلى أربعة آخرين كانوا النواة التي قررت تفجير الانتفاضة الشعبانية في آذار/ مارس من العام 1991؛ انطلاقاً من الناصرية وسوق الشيوخ والبصرة.

16 – تجميد الشيخ محمد مهدي الآصفي عضويته في قيادة «الدعوة» خلال العام 1998، ثم خروجه من الحزب نهائياً في العام 1999. وقد ظل الآصفي ناطقاَ رسمياً للحزب والقيادي الأبرز فيه طيلة ثمانية عشر عاماً (1980 – 1998). وكان وجوده المهيمن يماثل وجود عبد الصاحب دخيل قبل العام 1971، ومحمد هادي السبيتي قبل العام 1979، ثم الجعفري بعد العام 2001، والمالكي بعد العام 2007.

17 – الانشقاق العددي والنوعي الكبير؛ الذي بدأ بالتفاف عدد من كوادر الحزب؛ كالدكتور خضير الخزاعي وعبد الكريم العنزي والشيخ جميل الربيعي وحسن السعيد وآخرين؛ حول القياديين المخضرمين عبود الراضي والسيد هاشم الموسوي؛ على خلفية خلافات ذات طابع إجرائي. وحين بلغ الأمر حدود الانشقاق؛ انسحب القيادي عبود الراضي وكوادر آخرين من الحراك؛ لأنهم يقولون أن هدفهم هو تصحيح المسار وليس الانشقاق. واستمرت المجموعة المتبقية في مسعاها، والذي انتهى إلى عقد مؤتمر في مدينة قم الإيرانية تحت اسم مؤتمر الإمام الحسين(ع) في العام 1999؛ بعد أن التحق بهم عدد من الدعاة المنقطعين (أعضاء سابقون) وأسفر المؤتمر عن قيادة جديدة منفصلة على رأس تنظيم جديد حمل اسم (حزب الدعوة الإسلامية) أيضاً؛ مع تمييزه عن التنظيم الأم بعبارة «مؤتمر الإمام الحسين»، وسمي فيما بعد بـ«حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق»؛ الذي انتخب السيد هاشم الموسوي أميناً عاماً له بعد العام 2003، وهو قيادي مخضرم وأحد أبرز مفكري الحزب.

وليس لهذا الانشقاق أسباب فكرية أو سياسية؛ بل هو نموذج للانشقاق بسبب الأمزجة وأساليب العمل، ولم يكن سيحصل في أي حزب آخر غير «الدعوة»؛ بل كان سيبقى خلافاً طبيعياً داخل الحزب الواحد.

18 – التصدع الذي تمخض عن نتائج مؤتمر حزب الدعوة في العام 2007، الذي تم فيه انتخاب قيادة جديدة، واستحداث منصب الأمين العام للحزب لأول مرة في تاريخه، وانتخاب نوري المالكي لشغله؛ بحصوله على أعلى الأصوات؛ بعد أن كان متوقعاً فوز الدكتور إبراهيم الجعفري بالمنصب؛ الأمر الذي أدى إلى خروج إبراهيم الجعفري ومعه عدد من كوادر الحزب؛ أبرزهم فالح الفياض، وبادر إلى تأسيس «تيار الإصلاح الوطني»، وأعلن عنه في العام 2009. وشغل الجعفري موقع رئيس التيار؛ بينما يعد الفياض أمينه العام.

19 – الانشقاق في «حزب الدعوة – تنظيم العراق»؛ بسبب الخلاف في الصلاحيات وأساليب العمل؛ أسفر عن انفصال عدد من كوادر التنظيم وأعضائه؛ يتزعمهم عبد الكريم العنزي، وعقدوا مؤتمراً أعلنوا فيه عن تأسيس «حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم الداخل» في العام 2009.

وهناك تصدعات واصطفافات أخرى فردية وجماعية؛ أسس أعضاؤها جماعات تحمل اسم «الدعوة» أو أسماء أخرى؛ لم تشكل تيارات فكرية أو سياسية أو تنظيمية؛ بل سرعان ما انتهت، أو عاد أعضاؤها إلى التنظيم الأم.

الانشقاق الكامن..

لقد ارتكزت الانشقاقات في حزب الدعوة إلى خلافات حول أساليب العمل والمكاسب التنظيمية والمشاحنات الشخصية غالباً؛ فضلاً عن خلافات نادرة ذات طابع فكري. ولكن لم يكن أياً منها خلافاً في إطار السلطة والحكم؛ إذ لم تنزل قطرة دم من أنف أحد من الدعاة طيلة 57 عاماً من التصدعات والانسحابات والانشقاقات في الحزب؛ بل لم يتخلل أي انشقاق لوناً من الصراع العنيف؛ بل لطالماً عاد المختلفون والمتنافسون، أصدقاء وحلفاء غالباً.

ولكن الانشقاق الذي نبتت بذرته في 13 آب/أغسطس 2014؛ هو انشقاق كامن خطير بسبب السلطة؛ بصرف النظر عن الحقائق والملابسات والتفسيرات. وهذا الانشقاق يحمل في داخله طاقة تدميرية؛ ليس على مستوى الدعوة وحسب، بل ستشمل الجبهة الشيعية الداخلية والجبهة الشيعية الخارجية أيضاً.

لقد كتبت الفقرة التالية من هذا الفصل ليلة 14 آب/ أغسطس من العام 2014؛ في إطار لحظة تاريخية طويلة؛ تزامنت مع مشهد خطاب أمين عام حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي الذي رفض فيه تكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وكنت خلال كتابتها أعيش حالة من الذهول وأنا أستشرف مستقبل حزب الدعوة ومستقبل العراق وشعبه. ويزداد ذهولي كلما استمررت في تدوين عملية التشوف. ولم أكن أكتب هذه الفقرة لأنشرها؛ ولكني كنت مندفعاً بوعي أو بغيره في كتابتها؛ للتاريخ؛ وربما لأكشف من خلاله عن النفق المظلم الذي ينتظر الوسط والجنوب العراقي، ولأعيد من خلالها فهمي لحزب الدعوة وايديولوجيته وسلوكيات أعضائه؛ والذي بقيت أدرسه بدقة طيلة 35 عاماً.

ولم أنشر هذه الفقرة (الدراسة) في حينه؛ لأني لم أكتبها للنشر أساساً. ولكني نشرتها فيما بعد، وأنشر جزءاً منها هنا كإحدى فقرات هذا الفصل؛ بعد أن تجاوز العراق زمنياً مظاهر الأزمة؛ لكنه لم يتجاوزها موضوعياً؛ إذ لايزال الموضوع قائماً وحاداً. ولم يكن بإمكان العراقيين، ولاسيما مجتمعات بغداد والوسط والجنوب؛ تجاوز لحظة اندلاع الحريق؛ لولا قرار نوري المالكي التاريخي بالتنازل عن استحقاقه القانوني في الترشح لرئاسة الحكومة، ونزعه فتيل الفتنة. تلك الفتنة لو كانت قد حدثت؛ لتسببت جزماً في تشظي حزب الدعوة؛ بل وفي تدمير العراق وشيعته. ولكني كنت أدرك تماماً أن هذا السيناريو المرعب لن يحدث؛ ليقيني بان أحد القياديين نوري المالكي أو حيدر العبادي سيتنازل في نهاية الأمر؛ ليس لأنهما لا يمتلكان الكثير من نقاط القوة التي تجعلهما لا يتنازلان؛ بل لأن كلاهما ينتمي إلى ايديولوجيا الحل. وسأضع نص الفقرة بين أقواس لتمييزها؛ لأني كتبتها في مساء 13 آب/أغسطس من العام 2014؛ في لحظة تشوّف؛ وليست لحظة تأريخ للنشر:

((بعد مبادرة قيادة حزب الدعوة ترشيح الدكتور حيدر العبادي لرئاسة وزراء العراق في 13 آب الماضي؛ على حساب المرشح الرسمي للحزب وائتلاف دولة القانون؛ نوري المالكي؛ فإن انشقاق حزب الدعوة بات مسألة وقت فقط. وهي المرة الأولى التي ينشق فيها حزب الدعوة بسبب السلطة وملابساتها؛ ولاسيما أن هذه الملابسات معقدة جداً؛ على الرغم من سهولة فهمها؛ فعملية ترشيح العبادي لم تكن تنافساً في إطار الحزب؛ لأن حزب الدعوة بقيادته وشوراه كان مجمعاً على ترشيح أمينه العام لتشكيل الحكومة؛ فضلاً عن أن الكتلة البرلمانية الأكبر من الناحية القانونية هي ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه نوري المالكي، وكان ينبغي تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة؛ إلا أن التأثيرات الضاغطة من خارج الحزب هي التي منعت تكليف أمينه العام نوري المالكي لتشكيل الحكومة؛ وتحديداً من الولايات المتحدة الامريكية والفرقاء السياسيين العراقيين المنافسين للدعوة، وأهمهم الفريقين الشيعيين: المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري، والتحالف الكردستاني واتحاد القوى السنية. وأعقبه توجيه الإمام السيستاني لقيادة حزب الدعوة باختيار رئيس وزراء جديد. ثم جاء قرار أغلبية قيادة الحزب بترشيح حيدر العبادي؛ ليشكل البداية العملية لانشقاق الحزب.

إن هذا الانشقاق هو انشقاق كارثي على الحزب، وعلى شيعة العراق، وعلى العملية السياسية والدولة والعراق وعلى جبهة الممانعة في المنطقة برمتها. فهو ليس انشقاقاً أو تصدعاً تقليدياً كما يحدث في الحزب منذ تأسيسه. فخلال الشهرين القادمين؛ أي اعتباراً من يوم غد 14 آب/ أغسطس وحتى أواسط تشرين الأول/ اكتوبر من العام 2014؛ نتوقع السيناريوهات التالية؛ مرتبة حسب الأولوية في إمكانية التحقق؛ بناء على معطيات الواقع؛ وبناء على ايديولوجيا حزب الدعوة وتفكير قيادته وأسلوب حركة الدعاة:

السيناريو الأول: سيقوم الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي بسحب ترشيحه، والتنازل عن استحقاقه الانتخابي القانوني، والقبول بمحازبه الدكتور حيدر العبادي مرشحاً لرئاسة الوزراء، والتعاون معه في تشكيل الحكومة، والبقاء لاعباً سياسياً أساساً، مع محافظته على وحدة حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون وانسيابية العملية السياسية. ولن يكون انسحابه ضعفاً وإجباراً؛ لامتلاكه العديد من أوراق القوة التي تسمح له بالتمسك بحقه القانوني؛ ولكن لأنه يدرك السيناريوهات التدميرية التي ستترتب على تمسكه بحقه؛ خاصة وأن ما يقرب من 64 بالمائة من الناخبين الشيعة في عموم العراق قد صوتوا له، وهم لا يحتاجون إلى من يحركهم لمناصرته؛ بل إلى مجرد تمسكه بحقه القانوني.

السيناريو الثاني: سيقدم الدكتور حيدر العبادي اعتذاره لرئيس الجمهورية عن التكليف، ويضع الأمر تحت تصرف قيادة حزب الدعوة. وهنا لا يمكن القول إنه سينسحب مرغماً؛ لأنه أيضاً يمتلك كثيراً من نقاط القوة؛ أهمها تكليفه رسمياً، وإعلان أمريكا وإيران تأييدهما له، واستعداد بعض من القوى الشيعية المتخاصمة مع المالكي دعمه في الشارع. وهنا ستكون أمام قيادة الدعوة أربعة خيارات:

الخيار الأول: طرح مرشح جديد من الحزب؛ لعله يكون علي الأديب أو طارق نجم. وسيواجه الأول برفض المكون السني؛ فيكون طارق نجم خيار تسوية؛ ولكنه مستبعد إلى حد ما؛ لأن الدكتور نجم لن يوافق ابتداءً؛ حتى وإن أمرته قيادة الحزب؛ ولكنه سيوافق مضطراً في حالتين: إذا صدرت إليه فتوى ولائية من أحد المرجعين الدينيين اللذين تمتد مساحة فتاواهم إلى الولاية على الحكم: السيد علي الخامنئي والسيد كاظم الحائري، أو صدر إليه رأي إرشادي من السيد علي السيستاني. وهذا الخيار مقبول لدى قيادة الدعوة، ولكنه بحاجة إلى إقناع المالكي به؛ ولاسيما إن الأخير يرى أن طارق نجم كان مشاركاً في عملية ترشيح العبادي على حسابه.

الخيار الثاني: العودة إلى التزام ترشيح نوري المالكي؛ وهو خيار مستبعد؛ بالنظر لموقف الفرقاء السياسيين العراقيين الآخرين، وتوجيه المرجعية النجفية العليا التي طلبت من قيادة الحزب مرشحاً جديداً لرئاسة الوزراء.

الخيار الثالث: طرح مرشح تسوية من قبل نوري المالكي نفسه؛ وهو خيار ممكن، وسيكون اسماً مفاجئاً من الصف الثاني في حزب الدعوة؛ ربما يكون خلف عبد الصمد. وهذا الخيار بحاجة إلى إقناع قيادة «الدعوة»؛ لأنها قد ترى أن بعض قياديي الدعوة أكثر كفاءة منه.

الخيار الرابع: تعتذر قيادة «الدعوة» عن استحقاق رئاسة الوزراء؛ لتتخلص من تبعات الخلافات الداخلية؛ ولكنها ستدعم مرشحاً قريباً منها ايديولوجيا؛ كإبراهيم الجعفري أو خضير الخزاعي. وهو خيار ضعيف.

السيناريو الثالث: سيفشل حيدر العبادي في تشكيل الحكومة؛ لأسباب مختلفة؛ بسبب عقبات طبيعية ناشئة عن مطالب الفرقاء السياسيين. وهنا ستحل عقدة الانشقاق الداخلي في الحزب مؤقتاً؛ ولكنها ستبقى نقطة خلاف نفسي وسياسي دائمة.

السيناريو الرابع: سيستمر العبادي في طريق تشكيل الحكومة ونجاحه في مسعاه؛ وسيشكل المالكي مع من بقي معه من كتلة الدعوة وائتلاف دولة القانون معارضة برلمانية وسياسية.

السيناريو الخامس: سيبقى السيد نوري المالكي متمسكاً باستحقاقه الانتخابي القانوني وبترشحه، ورافضاً الأمر الواقع الذي ينتج عن مصادقة مجلس النواب العراقي على التشكيلة الوزارية الجديدة. وبالنتيجة؛ سيرفض تسليم رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة إلى رئيس الوزراء الجديد. وسينتج عن تحقق هذا السيناريو عدد من الكوارث على مختلف المستويات؛ أهمها:

1 – تمزق حزب الدعوة الإسلامية؛ من خلال احتمالين:

الاحتمال الأول: قيام نوري المالكي؛ باعتباره الأمين العام لحزب الدعوة؛ عبر مجلس شورى الحزب وهيئة الانضباط الحزبي؛ بفصل حيدر العبادي والقياديين والكوادر الداعمين لترشيحه من الحزب؛ بدعوى التمرد وخرق النظام الداخلي للحزب.

الاحتمال الثاني: يقوم – في مقابل الإجراء السابق – أعضاء في قيادة حزب الدعوة ومجلس الشورى وهيئة الانضباط بفصل المالكي ومناصريه من الحزب؛ بدعوى التمرد وخرق النظام الداخلي للحزب أيضا.

2 – حتى لو لم يحصل إجراء داخل الحزب يقنن الانشقاق؛ على وفق السيناريوهين الفرعيين السابقين؛ فإن الانشقاق سيحدث تلقائياً على الأرض، وسيشمل كل مفاصل الحزب؛ بدءاً بالقيادة وانتهاءً بالأنصار. علماً أن أكثرية أعضاء القيادة ومجلس الشورى سيعتزلون الفريقين المتخاصمين، ويلتزمون جانب الحياد؛ ولاسيما الأسماء التي تمثل الثقل المعنوي في الحزب؛ كالدكتور عبد الزهرة البندر وعلي الأديب والشيخ عبد الحليم الزهيري والدكتور طارق نجم. وسينشطر من تبقى من أعضاء القيادة ومجلس الشورى المتمسكين بمواقفهم إلى قسمين: قسم مع المالكي؛ كالسيد حسن شبر (في القيادة) والشيخ عامر الكفيشي وحسن السنيد وخلف عبد الصمد وعدنان الأسدي وآخرين (في الشورى)، وقسم آخر مناوئ له ومصطف مع العبادي؛ ولاسيما السيد علي العلاق والدكتور وليد الحلي. بينما ستصطف غالبية مكاتب الحزب ووسائل إعلامه وقواعده مع نوري المالكي. أي أن القياديين المناوئين للمالكي سيكونون – غالباً – بدون قواعد ومكاتب وإعلام، وسيكون كيان المالكي الأكبر حجماً بكثير؛ بدون أكثرية القيادة.

3 – قيام تظاهرات واعتصامات وأعمال عنف في البلاد من قبل أنصار نوري المالكي؛ ومعهم معظم قواعد حزب الدعوة ومؤيديه. كما ستقوم بالمقابل تظاهرات واعتصامات وأعمال عنف معادية للمالكي وأنصاره؛ يتصدرها أنصار «المجلس الأعلى الإسلامي» و«التيار الصدري»، فضلاً عن الجماعات السنية المعادية للمالكي. وستتحول أعمال العنف إلى صراع مسلح مجتمعي في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.

4 – حدوث انقسامات في القوات الأمنية من جيش وشرطة وأمن ومخابرات، ودخول كثير منها في الصراع المسلح. وستكون القوات المؤتمرة بأمر نوري المالكي هي الأكبر كماً ونوعاً.

5 – قيام نوري المالكي بانقلاب عسكري؛ يسيطر فيه على المقر الرئاسي ومقر البرلمان، ويسيطر على العاصمة بغداد وجزء من الوسط ومعظم الجنوب. وسيكون مدعوماً من فصائل المقاومة والحشد الشعبي الرئيسة؛ لاسيما «منظمة بدر» و«كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء» و«كتائب الإمام علي» و«قوات الشهيد الصدر» وغيرها.

6 – سيطرة قوات داعش على جميع أراضي المحافظات الثلاث ذات الأكثرية السنية العربية: الموصل والأنبار وصلاح الدين، والمحافظتين المختلطتين: كركوك وديالى، وبعض مناطق محافظة بغداد؛ وصولاً إلى محاصرة الكاظمية وكربلاء والحلة وتهديدها، والسيطرة على كثير من أراضيها، وربما تخريب المراقد المقدسة فيهما، وقطع الطريق بين بغداد والجنوب. وسيضطر معظم العرب السنة في العراق إلى مبايعة «داعش»؛ التي ستحتل دولتها حوالي نصف مساحة العراق.

7 – يعلن إقليم كردستان انفصاله عن العراق وإعلان دولة كردستان المستقلة. وستقوم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الدوليون والإقليميون بحماية دولة كردستان من خطر داعش، وستكون جميع المناطق المتنازع عليها في الموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك جزءاً من دولة كردستان. وستكون دولة كردستان مقراً للتحالفات العراقية التي تعمل للإطاحة بالمالكي.

8 – تقوم قوات أمريكية – عراقية بقرار من واشنطن بمحاولة اقتحام مقر نوري المالكي، واعتقاله. وفيما لو فشلت هذه القوات في مساعيها أو لم تفشل؛ فإن هذا الإجراء – المغامرة سيحول بغداد إلى ساحة للمعارك الطاحنة بين قوات أمريكية وعراقية معادية للمالكي من جهة، والقوات الحكومية وقوات الفصائل السياسية المسلحة والإسناد العشائري وأنصار المالكي من جهة ثانية. وعلى الرغم من أن كفة المواجهة ستكون لصالح القوات الموالية للمالكي؛ إلّا أن الحسم سيكون مستحيلاً، وستكون بغداد ومعظم الوسط والجنوب محرقة أهلية كبرى.

على الرغم من أن السيناريوهين الأول والثاني (تنازل نوري المالكي أو حيدر العبادي لصالح أحدهما) هما الأقرب إلى التحقق، وأن السيناريوهين الثالث والرابع (فشل حيدر العبادي في تشكيل الحكومة، أو نجاحه وتحول المالكي إلى المعارضة البرلمانية) ممكنين أيضاً بنسب بسيطة. إلّا أن السيناريو الخامس مع احتمالاته يبدو مستبعداً؛ ولكنه ليس مستحيلاً. ومن هنا فإن حل الأزمة المرعبة القائمة يتمثل – فقط – في تمكين السيناريوهين الأول والثاني من التطبيق؛ لأنهما خيارا الحل فقط ولا ثالث لهما. وهذا التمكين سيتم عبر دخول الوساطات المقبولة؛ دخولاً مباشراً وبكثافة وتركيز على خط الإقناع والتسوية بين الطرفين. وتتمثل هذه الوساطات في ثلاثة أطراف:

الأول: المرجعية النجفية العليا؛ من خلال المخاطبات، أو عبر نجل المرجعية السيد محمد رضا السيستاني. وإذا تطلب الأمر يتدخل الإمام السيستاني تدخلاً مباشراً؛ بالصورة التي يراها مناسبة ومؤثرة.

الثاني: الطرف الإيراني؛ عبر السيد محمود الهاشمي والجنرال قاسم سليماني. بل إذا تطلب الأمر؛ يتدخل الإمام الخامنئي تدخلاً مباشراً؛ بالصورة التي يراها مناسبة ومؤثرة.

الثالث: حكماء «الدعوة» الكبار السابقين والحاليين؛ كالسيد عبد الله الغريفي والشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد هاشم الموسوي والسيد حسن شبر وغيرهم.

إن تدخل هذه الأطراف الثلاثة لحل الأزمة ليس خياراً؛ بل هو واجب على وفق ما يعتقدون به من معايير شرعية ووطنية وإنسانية؛ لإنقاذ العراق وشيعته من كارثة ربما تحدث غداً أو بعد غد..)).

انتهى نص التشوّف أعلاه؛ الذي كتبته قبل تنحي أمين عام حزب الدعوة نوري المالكي عن ترشحه لمنصب رئاسة الحكومة في 15 آب/أغسطس بحوالي 36 ساعة. وبهذا التنحي التاريخي تحقق السيناريو الأول الذي طرحته الدراسة الاستشرافية أعلاه.

قواعد كبح التشظي

لعل من المهم في حالة حزب الدعوة الذي تتوافر في بنيته العوامل المحفزة على التصدع والخروج والانشقاق؛ تفكيك الأسباب السبعة التي سبق ذكرها؛ في إطار آليات استراتيجية عملية؛ أهمها:

1 – التأسيس لقواعد تفاهم داخلي تحول دون أية انشقاقات جديدة. ومن هذه القواعد ما يرتبط بوعي أهمية تحمُّل الخلاف في مجال المتغيرات والعمل السياسي والتقنيات والرؤى التنظيمية وأساليب العمل؛ مهما بلغ حجمه، والقبول بوجود أجنحة داخل الدعوة؛ ككل أحزاب العالم، والقبول بأدوات الفرز الديمقراطي للمؤتمر والقيادة والشورى ولجان العمل؛ مهما كانت نتائجه؛ بصرف النظر عن توجهات أعضائها. إضافة إلى إعادة تدوين صلاحيات هيئات الانضباط الحزبي والإشراف والرقابة والمحاسبة في النظام الداخلي للحزب.

2 – تنظيم علاقة الحزب بالشرعية الدينية العليا؛ سواء المرجعية النجفية أو ولاية الفقيه؛ لتكون قوة عليا ضاغطة تمنع أي تصدع وتفكك.

3 – تنظيم علاقة الحزب وقيادته وأعضائه بالسلطة والحكم والدولة العراقية، ووضع ضوابط ضاغطة في هذا المجال تحول دون تكرار ما حصل في آب/أغسطس من العام 2014.

4 – التأسيس لإطار تنظيمي مشترك يجمع التنظيمات والأجنحة الخمسة التي تنتسب لمدرسة حزب الدعوة شكلاً ومضموناً؛ وصولاً إلى إعادة اندماج بعضها أو التنسيق الكامل بينها سياسياً وإعلامياً.

5 – التأسيس لمظلة تنسيقية عامة ثابتة خاصة بالدعاة السابقين غير العراقيين؛ الذين لا يزالون ينتسبون فكرياً وتاريخياً إلى «الدعوة»؛ ولاسيما الدعاة الكويتيين والبحرينيين والإيرانيين واللبنانيين؛ لأنهم خزين استراتيجي للدعوة في العراق.

6 – مأسسة الحزب؛ عبر إعادة هيكلية الحزب وبناه التنظيمية على أساس عصري، وتدوين نظام داخلي جديد؛ يصادق قانونياً على مشروع المأسسة. ولعل هذه النقطة هي الأهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) جاء ذلك خلال مناقشة مسودة النظام الداخلي لحزب الدعوة الإسلامية بين قياديي الحزب وكوادره المتواجدين في الكويت ولبنان، والذين كانوا يساهمون في تدوين النظام الداخلي ومراجعة أفكاره. وكانت هناك ثلاثة اتجاهات: الأول؛ لا يرى ضرورة تثبيت مذهبية حزب الدعوة في النظام الداخلي وأدبيات «الدعوة» الرسمية؛ طالما أنّ أعضاء حزب الدعوة هم من الشيعة، وأنّ ذلك لن يغير من واقع الحال شيئاً. وكان يمثل هذا الاتجاه القيادي المتنفذ محمد هادي السبيتي ومعه الشيخ علي الكوراني وبعض الدعاة العراقيين من تنظيم البصرة (تبلور هذا الخط فيما بعد العام 1981 بحركة الدعوة الإسلامية التي تزعمها عز الدين سليم). والاتجاه الثاني؛ كان يرى ضرورة تثبيت مادة انتماء حزب الدعوة إلى مذهب أهل البيت في النظام الداخلي وأدبيات الحزب الرسمية، وكان يتزعم هذا الاتجاه الشيخ محمد مهدي الآصفي، ويدعمه السيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري. والاتجاه الثالث؛ وهو الاتجاه الوسطي، وكان يرى الإشارة إلى مذهب أهل البيت في النظام الداخلي وأدبيات الحزب؛ دون تثبيته كمادة، وكان يمثل هذا الاتجاه السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين. وتم أخيراً الاتفاق على نص ساهم في صياغته محمد هادي السبيتي والشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد محمد حسين فضل الله، وهو قريب من وجهة نظر الاتجاه الثالث، وهو ما ظهر في مقدمة النظام الداخلي المعروفة بنشرة «حول الاسم والشكل التنظيمي». انظر: الملحق، الوثيقة رقم (3).

(2) كتلة حزب الدعوة أكبر كتلة في البرلمان العراقي بعد الانتخابات البرلمانية في العام 2014، بواقع (56 عضواً). وتتكون الكتلة من (29) عضواً منتمياً إلى الحزب و(27) من أنصار الحزب. وقد حصل أمين عام الحزب نوري المالكي شخصياً في هذه الانتخابات على ما يقرب من (730) ألف صوت في دائرة محافظة بغداد، وتمكن من منح فائض أصواته لـ (24) مرشحاً من محازبيه وحلفائه المنضوين في ائتلاف دولة القانون؛ ليفوزوا في الانتخابات ويكونوا أعضاء في مجلس النواب، وبينهم مرشحون من كتلة حزب الدعوة (الأم)؛ بمن فيهم حيدر العبادي الذي حصل في الانتخابات على حوالي خمسة آلاف صوت، ومن حزب الدعوة تنظيم العراق، ومن كتلة بدر، ومن كتلة (مستقلون) وغيرهم. وتعد كتلة حزب الدعوة العمود الفقري لائتلاف دولة القانون المؤلفة من (103) أعضاء، والمؤلف من كتلة «الدعوة»، وكتلة منظمة بدر برئاسة هادي العامري بواقع (21) عضواً، وكتلة مستقلون بواقع (14) عضواً، وكتلة «حزب الدعوة – تنظيم العراق» بزعامة السيد هاشم الموسوي بواقع (10) أعضاء، و(5) أعضاء مستقلين. ويحتفظ الحزب برئاسة الوزراء منذ العام 2005. كما يحتفظ الحزب برئاسة ائتلاف دولة القانون (نوري المالكي) ورئاسة كتلة دولة القانون في مجلس النواب (علي الأديب) ورئاسة كتلة «الدعوة» في مجلس النواب (خلف عبد الصمد). ويمتلك الحزب قناة آفاق الفضائية وجريدة البيان.

(3) يبلغ عدد أعضاء كتلة تنظيم العراق في البرلمان بعد انتخابات العام 2014 عشرة أعضاء، وهو متحالف سياسياً وبرلمانياً مع حزب الدعوة (الأم). وكان يحتفظ بمنصب نائب رئيس الجمهورية بعد انتخابات العام 2010 (الدكتور خضير الخزاعي) وبوزيرين بعد انتخابات العام 2014. ويمتلك الحزب قناة المسار الأولى وجريدة الدعوة.

(4) تنظيم الداخل متحالف سياسياً مع حزب الدعوة (الأم) ومقرب من أمينه العام نوري المالكي. وكان لديه عضو واحد في البرلمان بعد انتخابات العام 2010، ولم ينجح في إيصال أي من أعضائه إلى البرلمان في انتخابات العام 2010. ويمتلك الحزب قناة المسار.

(5) اقتصر عدد أعضاء كتلة تيار الإصلاح البرلمانية بعد انتخابات العام 2010 على عضو واحد فقط، وفي انتخابات العام 2010 على ستة أعضاء؛ بمن فيهم زعيم التيار الدكتور إبراهيم الجعفري الذي حصل على عشرة آلاف صوت في الانتخابات، ثم أصبح وزيراً للخارجية. وفي كلا الدورتين الانتخابيتين كان التيار متحالفاً مع المجلس الأعلى العراقي والتيار الصدري. ويحتفظ التيار برئاسة التحالف الوطني العراقي (التحالف الشيعي).

(6) بعد اغتيال زعيم الحركة في العام 2004؛ تراجع فعل الحركة وحجمها، ولم يحصل أي من أعضائها على عضوية البرلمان أو الحكومة.

(7) حسن منصور الشيخ (مصدر سابق)، ص 128.

(8) أعلن حزب الدعوة أكثر من مرة عن عدم علاقته بتفجيرات العامين 1983 و1985؛ بل وعدم علمه بها مسبقاً. وهذه هي الحقيقة كما كشفتها وثائق التحقيق؛ إذ لا مصلحة للحزب في إثارة أي مشاكل مع الكويت أو أية دولة أخرى وهو يخوض معركة ضارية مع نظام البعث العراقي. والحقيقة أن الشبهات في هذا المجال ظلت تحوم حول بعض الدعاة العراقيين المنشقين عن الحزب. انظر: «سنوات الجمر»، ص 247.

(9) انظر: قرار الحذف (مصدر سابق)، وبيانات حزب الدعوة في هذا المجال؛ سيما بيانه التوضيحي الخاص بالدعاة الصادر بعد انتهاء «مؤتمر الحوراء زينب» في العام 1988.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment