تقديم كتاب علم اللغة التوحيدي

Last Updated: 2024/06/18By

تقديم كتاب “علم اللغة التوحيدي” للباحث العراقي الدكتور محمد علي الحسيني

(الكتاب السادس من سلسلة كتاب التوحيد الدوري، 1996)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

في أعقاب الثورة المنهجية التي أحدثتها محاضرات العالم اللغوي السويسري «فرديناند دي سوسير» في علم اللغة، ظهر إلى الوجود ما اصطلح عليه بـ«عالم اللغة الحديث». وبذلك بدأ عهد جديد في دراسة الظواهر اللغوية (اللسانيات ـ (Linguilstics، انتهى فيما بعد إلى تبلور رؤى ونظريات في هذا المجال، لعلّ أهمها «النظرية البنيوية» التي ترجع ـ كما يقول مؤسسوها ـ إلى أفكار دي سوسير نفسه، على الرغم من انّ الأخير لم يستخدم كلمة «دينية»، بل أطلق كلمة «نسق» أو «نظام» على اللغة، بعد ان فرّ بينها وبين الكلام، ودرس العوامل المتشابكة الداخلة في نشوء هذا النظام، وهي عوامل تشتمل على جميع أنشطة الفرد والمجتمع، كما تدرسها مجمل العلوم الإنسانية. مما جعل ابعاد العلوم اللسانية وآفاقها تتسع اتساعاً كبيراً، لتشتمل في دراستها على كل شيء يرتبط باللغة والإنسان، ولا سيما بعد طرح علماء لغة آخرين لنظرياتها، أمثال: الأمريكي «سابير» صاحب نزعة «المظهر الاجتماعي»، ومواطنه «ليونارد بلومفيلد» صاحب «النزعة التوزيعية»، ثم جومسكي. وجميعهم تأثر بدي سوسير. الأمر الذي وسّع دائرة التقارب في الآراء والأفكار حول نظريات علم اللغة الحديث.

وقد أصبح بإمكان نظريات علم اللغة تحليل طبيعة حركة الإنسان والمجتمع، ومسارها، والإنسان والعلاقات التي تستبطنها، وذلك من خلال مجموعة من العلوم والمناهج، كعلم دلالات الألفاظ (Semiology) وعلم المصطلحات (Terminology) وعلم الظواهر (Phenomenology).

هذا التضارب في النزعات اللغوية التي تضخّمت في حجمها وتأثيرها، وتحوّلها إلى تيارات علمية وفكرية لها علاقة بالإنسان الاجتماعية، ومن ثمّ امتدادها إلى عالمنا الإسلامي، وظهور تأثيراتها في الأوساط العلمية والفكرية والثقافية، ولا سيما التأثيرات المؤدلجة، كل ذلك يستدعي إيجاد نظرية إسلامية لغوية، تطرح فهماً إسلامياً للنظام اللغوي بصورته الشمولية.

ومما يلفت النظر ان الأوساط الإسلامية العلمية لا تزال تعاني من فراغ في هذا المجال، شأنه شأن أكثر مجالات الانثروبولوجيا الأخرى، التي يكاد يعجز الإسلاميون حيالها ـ عموماً ـ عن «التأسيس»، بل يفضّل معظم «الأسلمة»، رغم غنى الأصول الإسلامية والتراث الإسلامي في هذا المجال، ورغم ما تشكِّله علوم الانثروبولوجيا الوافدة من خطورة على العقل المسلم، لما تحتويه من تنظيرات ونزعات تنطلق من وعي الغرب لنفسه، وهي بالتالي ذات طابع آيديولوجي، يشكِّل جزءاً من الغزو الفكري والثقافي، بل والعلمي أيضاً ـ إن صح التعبير…

وتأتي مبادرات الأستاذ الدكتور محمد علي الحسيني في الكتابة بهذا الاتجاه، خطوة في الطريق، فهو يحاول من خلال دراساته التي نشرها في مجلة التوحيد، فضلاً عن كتابه هذا، ان يقدِّم فهماً إسلامياً للغة، باعتبارها نظاماً ونسقاً، أطلق عليه «النظرية التوحيدية». وهي ـ في الواقع ـ نظرية جديدة يتفرد بها الدكتور الحسيني. وهي حصيلة جهود علمية استمرت أكثر من (12) عاماً.

لقد تناول المؤلف في هذا الكتاب أهم النظريات الحديثة في علم اللغة، مركِّزاً على مسار «النظرية البنيوية» من دي سوسير إلى جومسكي، وقارن بين لغتي القرآن وعلم اللغة الحديث، ثم عقد مقارنة أخرى بين لغة الشعر والنظريات اللغوية الحديثة.

وهو ما جاء في الفصل الأول.

أما الفصل الثاني فقد خصصه الكاتب للنظرية التوحيدية، التي طرحها من خلال الوحدة وعوالم الوجوب والإمكان والإنسان والأديان والبيان. وأطّرها بإطار عرفاني عبّر فيه الكاتب عن نزعته تجاه اللغة كمنظومة.

ثم درس عشرة من أبرز المصطلحات الإسلامية ـ في الفصل الثالث والأخير ـ وقارنها بمعادلاتها في أهم اللغات العالمية، في ضوء علمي السيمانتيك (الدلالة) والترمينولوجي (المصطلحات). كما أُلحقت بالكتاب عشرة ملاحق، درس فيها العلاقة الصوتية والدلالة لمجموعة أخرى من المصطلحات، أي من خلال علم الدلالة وعلم الفونولوجي (الأصوات).

و«كتاب التوحيد» في عدده السادس هذا، الذي يفتتح به سنته الثالثة، إذ يقدم هذه النظرية لقرائه، ولا سيما المتخصصين والمهتمين، فإنه يطرحها للحوار وتبادل الرأي العلمي، وصولاً إلى نظرية إسلامية مبلورة وأصيلة، وقادرة على طرح نفسها بقوة إلى جانب النزعات والنظريات والمناهج اللغوية السائدة عالمياً.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment