تقديم كتاب الفكر السياسي الإسلامي

Last Updated: 2024/06/18By

تقديم كتاب “الفكر السياسي الإسلامي” للعلامة السيد محمد حسين فضل الله

(الكتاب الرابع من سلسلة كتاب التوحيد الدوري، 1995)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

من العوامل الرئيسة التي ضاعفت تساؤلات الإنسان المسلم المعاصر، وساهمت في زيادة حاجاته، عاملاً تطوّر حركة العصر، وتعاظم حجم المشروع الإسلامي. فكلّما تطوّرت حركة الحياة؛ تراكمت حاجات الإنسان، وكلّما كبُر حجم المشروع الإسلامي وأثمرت حركته في الواقع، كبُرت معه تساؤلات الإنسان، وهي تساؤلات ملحة، وبحاجة إلى من يجيب عليها إجابة منسجمة ومستوى العقل المسلم المعاصر.

العامل الأول، جلب معه جملة من الثورات العلمية والاجتماعية الكبرى على مستوى العالم، كثورة الاتصالات، وثورة المواصلات، وثورة المعلومات، والثورة الاقتصادية (الصناعية والتكنولوجيا)، والتحولات السياسية والاجتماعية (تحولات الجغرافية السياسية والخارطة السياسية).

وحيال ذلك، وجد الإنسان المسلم نفسه في دوامة من الحاجات المختلفة، وعلى مختلف الصعد، وفي مقدمتها حاجة البحث عن الموقع وسط كل تلك التطورات.

اما العامل الثاني، فكان نتيجته الانجازات التاريخية الكبرى التي حققها المشروع الإسلامي خلال العقدين الأخيرين، ويقف في مقدمتها تأسيس الدولة الإسلامية الحديثة، واقتراب الإسلاميين من مواقع القرار الشعبي أو القرار السياسي في الكثير من البلدان الإسلامية، وانتشار حركة الصحوة الإسلامية، وامتداد الإسلام في أنحاء مختلفة من العالم، فكان الإنسان المسلم ـ ولا يزال ـ يبحث عن إجابات لتساؤلاته، وفي مقدمتها معرفة موقفه ونظريته حيال مختلف المسائل، وعلى رأسها المسائل الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي إطار كل مسألة تبرز مجموعة من العناوين الرئيسة، كالحرية، والحرية الفكرية، وتجديد الفكر الإسلامي، وأسلمة المعرفة، والعقل المسلم، وولاية الأمر، وحركة الدولة الإسلامية في دائرة المنظومة العالمية، وتجديد الأنساق الاجتماعية التقليدية، والتنمية والتخلف، والوحدة الإسلامية… إلخ.

ولمواجهة ذلك القلق الفكري والاجتماعي، بادر كثير من الفقهاء والمفكرين والمثقفين الإسلاميين، بشكل فردي أو جماعي، لوضع المعالجات وتحديد المواقف، بصورة بحوث ونظريات وأطروحات، أو مشاريع عملية.

وهذا الكتاب ـ الرابع من سلسلة كتاب التوحيد ـ هو جهد فكري أصيل على هذا الصعيد، حاول فيه المؤلف معالجة بعض الإشكاليات الملحة في الفكر الإسلامي المعاصر، ولا سيما في الحقل السياسي. موضوعه يعبِّر عن أحد أبرز اهتمامات سلسلة «كتاب التوحيد»، التي تطمح إلى الإسهام في معالجة الإشكاليات الأساسية في الوعي والفكر والتحرك الإسلامي، معالجة نظرية مركّزة، تضع الواقع وأساليب التحرك فيه هدفاً أصلياً لها.

لقد تناول المؤلف ـ في كتابه هذا ـ جملة من أبرز تلك الإشكاليات، ضمن ثلاثة أبواب، عالج في أولها قضايا «الحرية» في الإسلام، وحرية الفكر وحدودها، بالنسبة للاتجاهات التي تحمل عناوين إسلامية، أو الاتجاهات الأخرى، وذلك على مستويين: نظري (فكري وفقهي)، وعملي (واقعي). واحتوى الباب أيضاً مداخلات وحواراً مفتوحاً بين المؤلف وبعض أصحاب الاهتمام والمثقفين الإسلاميين، في إطار الندوة التي عقدتها مجلة التوحيد تحت عنوان «حرية الفكر في الإسلام».

وفي الباب الثاني، طرح المؤلف نماذج تطبيقية لإشكاليات الفكر السياسي الإسلامي، هي: موضوع القوة في الدولة الإسلامية وحركتها ودلالاتها وعناصرها، ومشكلة التخلف في العالم الإسلامي وخلفياتها وأسبابها وعلاجها، وأخيراً مفهوم التقية وأسسه النظرية واستعمالاته والمواقف تجاهه.

وتم تخصيص الباب الثالث لقضية الوحدة الإسلامية والحوار التقريبي بين المسلمين، وموقف أهل البيت(ع) ومدرستهم منها، وأسسها ومعالمها.

وانطلقت المعالجات المنهجية للمؤلف، سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله، من فهم اجتهادي للتراث الفكري والعلمي الإسلامي، ووعي منفتح على العصر ومتطلباته. وهو ما اتسمت به كتاباته الأخرى، وعموم خطابه.

وبصدور هذا الكتاب، تكون سلسلة «كتاب التوحيد» قد وفّت بجزء من العهد الذي قطعته مع الله تعالى والقرّاء الكرام، على الاستمرار، والانتظام بالصدور، والنهوض بقسم من العبء الفكري الكبير الملقى على عاتق الطليعة المثقفة من أبناء الإسلام. ومن الله التوفيق.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment