تقديم كتاب الإسلام والغرب

Last Updated: 2024/06/18By

تقديم كتاب “الإسلام والغرب” للباحث اللبناني الدكتور سمير سليمان

(الكتاب الثاني من سلسلة كتاب التوحيد الدوري، 1994)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

معادلة العلاقة بين الغرب والإسلام، مرت بمراحل مختلفة، منذ بدء عملية الاحتكاك الثقافي بين الطرفين في أواسط (العصر الوسيط).

فالمرحلة الأُولى من الاحتكاك مثلّت حالة من التفاعل الثقافي، ولم تتضمن أهدافاً سلطوية على المستويين الفكري والسياسي، رغم ان العالم الإسلامي كان في ذروة تألقه الثقافي والسياسي والعسكري، في مقابل التخلّف القياسي الذي كان يسود الغرب. حيث اقتبس الغرب من الحضارة الإسلامية ـ خلال هذه المرحلة ـ الشيء الكثير. واللافت للنزر هو أن ما أخذه الغرب من المسلمين كان داخلاً في إطار المشتركات العامة، الأمر الذي حال دون حصول أي نوع من أنواع التبعية للعالم الإسلامي، على العكس مما حدث في المرحلة اللاحقة، حين تغيّرت موازين المعادلة.

ففي المراحل اللاحقة التي بدأت فيها المنظومة الإسلامية ـ إن صحّ التعبير ـ وتفتتها، تغيرت طبيعة العلاقة الغربية ـ الإسلامية وآلياتها، إذ أدخل فيها الطرف الغربي مضامين جديدة، تزامناً مع بدايات تشكيل العقل الغربي الحديث، خلال مرحلة (عصر النهضة) الأوروبية، حينها أخذ منهج الغرب الجديد في تعرّفه على الإسلام والمسلمين يتبلور ويتكامل بالتدريج، من خلال الخلفية الاستشراقية الفكرية، باتجاهاتها المختلفة: الدينية والأكاديمية والاستعمارية، والبحوث الأكاديمية، وخاصة في مجال علم الاجتماع والانثربولوجيا والاثنولوجيا إضافة إلى قاعدة التفوّق الاقتصادي والسياسي والعسكري في أرض الواقع. وكانت النتيجة أن أصبح وعي الغرب بالشرق عموماً، وبالإسلام خصوصاً، يمثّل جزءاً من وعي الغرب بذاته.

فالغرب في إطار هذا الوعي ـ وكما يقول مفكّروه ـ هو «الذات» و«العقل» و«القوة» و«الحقيقة» و«المركز». والعالم الإسلامي بالنسبة له يمثّل «الآخر» و«الجنون» و«الضعف» و«التمثيل» و«الأطراف».

هذا المنهج الاستكباري الفوقي، سمح للغرب بنهج مختلف أساليب الغزو والسيطرة والنهب تجاه العالم الإسلامي.

والخطاب الغربي الحديث ومنهجه المعرفي الذي أفرز الرؤية الغربية للعالم (الغرب باعتباره منظومة فكرية ـ سياسية، وليس مجرد بقعة جغرافية)، هو المحور الذي تدور حوله دراسات الكتاب، الذي نضعه بين أيدي القرّاء الكرام.

هذا الكتاب، هو الثاني من سلسلة كتاب «التوحيد» الدوري، التي سبق التعريف بها في مقدمة الكتاب الأول. ولعلّ المشروع تمكّن من خلال طرح موضوع هذا الكتاب، من التعبير عن أحد اهتماماته، وأهدافه التي يطمح لتحقيقها، والمتمثل في بحث قضية المواجهة الغربية الشاملة للعالم الإسلامي، وخلفياتها التاريخية والفكرية ومناهجها وآلياتها وأساليبها.

ومؤلف الكتاب: الأستاذ الدكتور سمير سليمان هو من أبرز الباحثين الإسلاميين الذين عالجوا موضوع العلاقة بين الغرب والمسلمين معالجة فكرية معمّقة، مما يؤكد أهمية ما تعرضه دراسات الكتاب من إشكاليات وأفكار أساسية بهذا الشأن، وهي إشكاليات وأفكار لا تزال ماثلة في الأذهان منذ أمد بعيد، حيث طرحها الباحث وحللها ودرسها بلغة ومنهج علميين، مستعيناً بكمٍ متمّيز من المصادر والمراجع، عمّق المعالجة العلمية للإشكاليات المطروحة.

فقد ركّز المؤلف (في ثلاثة فصول) على موضوع الصراع من خلال عدد من المفردات، أبرزها منهج الخطاب المعرفي الغربي، في رؤيته للإسلام والمسلمين، وتأثيرات الثقافة الإسلامية في الحضارة الغربية، (نموذج الأندلس)، ونشوء مدرسة الاستشراق في الأندلس كمنطلق للصراع بين الحضارتين، وأخيراً قراءة في الخطاب الإسلامي الحديث (نموذج مصطلح الحرب المفروضة).

وأخيراً.. نقول للسادة أصحاب الاهتمام والاختصاص، بأن سلسلة كتاب «التوحيد» لا زالت في بداية سيرها، يحدوها الأمل بأن تكون موضع عنايتهم، من خلال اثرائها بملاحظاتهم وآرائهم سواء على مستوى المشروع ـ بشكل عام ـ أو هذا الكتاب وغيره من اعداد السلسلة التي صدرت أو التي ستصدر لاحقاً بإذن الله تعالى، ومن الله التوفيق.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment