تقديم كتاب “علم اللغة التوحيدي” للعلامة الشيخ محمد علي التسخيري

(الكتاب الأول من سلسلة كتاب التوحيد الدوري، 1994)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

موضوع الدولة في الإسلام وأهدافها ووظائفها، من المواضيع الجديدة التي طرحت بعد قيام التجربة الإسلامية الحالية في إيران على مستوى التطبيق، حيث لم يحظ قبلها بالاهتمام الذي يجعله في موقع البحث والدرس، لذا ورث المسلمون تراثاً فقيراً في هذا المجال، على اعتبار أنّ الدولة التي تستقي شرعيتها وغاياتها على مستوى النظرية والتطبيق من الاُصول الإسلامية المقدسة، لم تكن يوماً موضع ابتلاء، الأمر الذي يجعل الحديث عن وظائفها من الناحيتين الفكرية والفقهية نوعاً من الترف العلمي، بخلاف دولة المسلمين السلطانية.

من هنا جاءت برامج وأحكام تنظيم المجتمع، والتي وزعت على أبواب مختلفة من الفقه، جاءت لتنظّم المجتمع المسلم في ظل دولة وضعية، فالنظام المالي ـ مثلاً ـ قام على أساس عدم وجود دولة إسلامية وحاكم إسلامي شرعيين، مما أبقى الكثير من الإشكاليات عالقة بعد قيام الدولة الإسلامية المعاصرة، وخاصة ما يتعلق بالموارد المالية وحق جباية الحقوق الشرعية. وكذا الحال مع هيكل النظام الاجتماعي (أو السياسي عند قيام الدولة).

ومن هنا تبرز أهمية طرح هذا الموضوع؛ لكونه من المواضيع الاستنباطية التأسيسية في تفاصيلها. ونظراً لشمولية أهداف الدولة الإسلامية ووظائفها لكل نواحي الحياة، فإنّ دراسة مستفيضة مستوعبه لكل هذه النواحي تتطلب جهوداً جماعية ووقتاً كبيراً.

فهدف الدولة الإسلامية الأساس هو تحقيق غاية وجود الإنسان على الأرض، أي مبدأ الخلافة الربانية، واصل كدح الإنسان نحو الله تعالى وبناء مجتمع المتقين.

ووظائف الدولة الأساسية تتمثل في تحقيق العدالة والاستقلال والوحدة في مختلف المجالات؛ الاجتماعية والثقافية والتربوية والتعليمية والسياسية والاقتصادية والدفاعية والصحية وغيرها.

والدراسة هذه تركّز على الوظيفتين السياسية والاقتصادية للدولة الإسلامية، لأنهما تشكلان القاعدة أو الإطار الذي تمارس من خلاله الدولة الإسلامية وظائفها الأُخر.

ويزيد من أهمية الدراسة وطبيعة تناولها للموضوعات، أن كاتبها سماحة العلامة الشيخ محمد علي التسخيري، ينظر لهذه الموضوعات من موقع التخصص النظري على المستويين العقيدي والفقهي، وموقع المسؤولية التنفيذية في الدولة الإسلامية، الأمر الذي يجعل عرضه للموضوعات ومعالجته للإشكاليات أكثر اقتراناً بالأصول والواقع، ويهدفان إلى اخضاع الواقع للشريعة.

وتم بحث هاتين الوظيفتين في بابين، ضم الباب الأول (الوظيفة السياسية) أربعة فصول، تم فيها بحث مواضيع الدولة والدولة الإسلامية، وتاريخها، وضرورتها والعلاقات الخارجية، واُسسها وخصائصها، وعلاقة الدولة بالسلام العالمي، وتجربة دستور الدولة الإسلامية الحديثة وقراءة في بعض مواده.

وضم الباب الثاني (الوظيفة الاقتصادية) ستة فصول، تناولت واجبات الدولة في المجال الاقتصادي، وأهدافها الاقتصادية، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، ومواردها المالية، وحدود الحرية الاقتصادية في النظام الإسلامي، ودور الدولة في تحديد الأسعار، والعمليات المصرفية وفي مقدمتها النظام اللاربوي، وأخيراً قيمة العملة ودور الدولة في ضمانها.

وهذه الدراسة التي تحمل الرقم (1) من سلسلة كتاب التوحيد (الدوري) هي باكورة مشروع ثقافي وفكري واسع يعبّر عن همّ إسلامي شامل، نهدف من خلاله طرح قضايا الصحوة الإسلامية، والمشروع الإسلامي الحضاري المعاصر على مستوى النظرية والتطبيق ومختلف شؤون الأمة وشجونها. وكتاب التوحيد هو ركن أساس من أركان هذا المشروع، بما يطرحه من دراسات وموضوعات وعناوين في مختلف نواحي الثقافة الإسلامية، وبالمستوى الذي يحقق جزءاً من الطموح.

والسلسلة على نوعين، أولها؛ الكتب التي سبق نشر دراساتها وموادها في مجلة التوحيد خلال الأعوام الاثني عشر التي مرت على صدورها، وسيتم في هذه الكتب مراعاة وحدة المؤلف والموضوع، أو وحدة المؤلف، أو وحدة الموضوع فقط. أما النوع الثاني فهو الكتب الجديدة التي لم يسبق نشرها.

واستثمر فرصة الحديت عن المشروع، لأتقدم بجزيل الشكر للسادة أعضاء اللجنة الاستشارية لكتاب التوحيد، الدكتور طه الديواني والأُستاذ عبد الأمير المؤمن والشيخ عبد الجبار الرفاعي والشيخ ماجد الغرباوي.