تحولات الفكر السياسي لحزب الدعوة الإسلامية

Last Updated: 2024/06/08By

تحولات الفكر السياسي لحزب الدعوة الإسلامية

د. علي المؤمن

 

استند حزب الدعوة في نظريته السياسية على الأسس التي كتبها السيد محمد باقر الصدر خلال مرحلة التأسيس. وكرس فيها السيد الصدر مبدأ «الشورى» في عمل قيادة الحزب وفي قيادة العمل الإسلامي الموصل إلى تأسيس الدولة الإسلامية، بعد أن أجاز إقامتها في عصر غيبة الإمام المهدي؛ وكل ما يترتب على هذا الجواز من جهاد دفاعي ودماء وأموال. ويقول السيد محمد مهدي الحكيم بأن دراسة السيد الصدر حول هذا الموضوع هي التي سمحت لحزب الدعوة بالانبثاق؛ لأنها أول دراسة فقهية تشرع لتأسيس دولة إسلامية في عصر الغيبة. ونظّر السيد محمد باقر الصدر للفكر السياسي لحزب الدعوة في نشرة الأسس الإسلامية الداخلية. وظلت الدراسة ونشرة الأسس المذكورتين سريتين؛ لأنهما من الفكر الخاص للحزب. وتجمع نشرة أسس حزب الدعوة التي نشر منها تسعة أسس في أدبياته المطبوعة؛ بين التأصيل للدولة الإسلامية بمعناها الفقهي وبعناصرها القانونية، وبين مفهوم الدولة بمعناها القانوني المعاصر. وبذلك يضع السيد محمد باقر الصدر أولى المبادئ الدستورية الإسلامية المؤصلة فكرياً وفقهياً. وهي تختلف اختلافاً كبيراً عن نظرية الشيخ الميرزا النائيني في دراسته «تنبيه الأمة وتنزيه الملة»؛ لأن النائيني أراد تصحيح واقع قائم وليس التأسيس لواقع جديد. ولذلك قال النائيني بالملكية الدستورية وغيرها من مفردات الدولة المفصلة على مقاس إيران الشاهنشاهية(1). أما أسس حزب الدعوة التي كتبها السيد محمد باقر الصدر فهي تأسيس لنظرية حكم إسلامي ودولة إسلامية في عصر الغيبة، وهو تأصيل فقهي جديد لم تألفه حوزتا النجف وقم. وبذلك تعدُّ هذه النظرية تجديداً في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي وفي موروث الاجتماع الديني الشيعي.

ومن المهم التأكيد على أن ترجيح حزب الدعوة – في مراحله الأولىـ لمبدأ الشورى في الحكم الإسلامي وشرعيته واختيار الحاكم وإدارة الحكومة؛ هو ترجيح خاص بعصر غيبة الإمام المهدي، وليس في عصر حضور المعصوم؛ وإلا فإن حزب الدعوة يؤمن بمبدأ النص الذي هو الأساس في مدرسة الإمامة. أما مبدأ الشورى فكان يعده استثناء خاصاً بعصر غيبة الإمام. وهذه هي نقطة الافتراق الأساسية لحزب الدعوة عن الجماعات السنية التي تؤمن بالشورى؛ كجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وهو معيار انتماء حزب الدعوة إلى مدرسة الإمامة، وانتماء الإخوان والتحرير إلى مدرسة الخلافة(2).

والراجح أن السيد محمد باقر الصدر لم يناقش رأيه في دلالة آية الشورى على شرعية الحكم الإسلامي في عصر الغيبة مع الفقهاء الآخرين حين كتب النشرات ذات العلاقة بالموضوع خلال الأعوام من 1957 وحتى 1960؛ بل عرض الموضوع على أستاذه الإمام الخوئي والفقيه الشيخ حسين الحلي بعد أن أصبحت هذه النشرات جزءاً من ثقافة «الدعوة»، وتدرس في حلقاتها. ولم يقتنع السيد الصدر حينها برأي الفقيهين الخوئي والحلي بعدم دلالة آية الشورى على الحكم؛ بل أصر على رأيه الفقهي؛ رغم تسرب الشك إلى عقله العلمي بهذا الخصوص. وظل يبحث في الموضوع حتى استقر رأيه بعد حوالي العام على عدم الدلالة. بينما ظلت رؤية حزب الدعوة للدولة متمسكة بالأسس المذكورة وبرأي السيد الصدر القديم في دلالة الشورى على الحكم الإسلامي وقيادته واختيار الحاكم. وحتى حين توصل السيد محمد باقر الصدر في بحوثه الفقهية نهاية الستينات إلى مبدأ ولاية الفقيه؛ كما صاغه الإمام الخميني في دروسه الفقهية في النجف، وأثبته في كتاب «البيع» و«الحكومة الإسلامية»؛ فإن حزب الدعوة لم يتحول من إيمانه بالشورى إلى ولاية الفقيه. وكان الثنائي القيادي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي أكثر المتمسكين بعدم التحول(3).

ويقول الشيخ عبد الهادي الفضلي (القيادي في تنظيم «الدعوة» في النجف) إنه التقى بالإمام الخميني في النجف في أواسط الستينات، وتباحث معه حول مبدإ «ولاية الفقيه»، واقتنع بصوابية المبدأ، ثم تداول الموضوع مع علماء الدين الدعاة، وأعلن تبني حزب الدعوة لمبدأ ولاية الفقيه(4). والحقيقة أن هذا القول يتفرد به الشيخ الفضلي ولم أسمعه من أي من المؤسسين والرعيل الأول. وربما حدث هذا في فترة انشقاق تنظيم الحوزة في النجف وما تلاها؛ أي بعد العام 1964، وهو الانشقاق الذي برز فيه الشيخ عبد الهادي الفضلي، وكان يدعو خلاله لتغليب الطابع الفقهي في الحزب، وتغليب عدد علماء الدين في القيادة. وكانت لي مراسلات مع الشيخ الفضلي خلال العامين 1998 و1999؛ فكان يؤمن صراحة بمبدأ ولاية الفقيه ومصداقها القائم، ويعده إيماناً قديماً منذ كان في النجف الأشرف(5).

ثم دوّن السيد الصدر نظريته في الدولة الإسلامية ونظامها السياسي ودستورها في دراساته التأسيسية المهمة التي قدمها خصيصاً إلى الإمام الخميني في العام 1979؛ عشية التصويت الشعبي على نظام الحكم الجديد في إيران وبدء مناقشات دستوره الإسلامي. وقد طبعت هذه الدراسات فيما بعد في كتاب «الإسلام يقود الحياة»(6). وقد استند دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي في كثير من أسسه على هذه الدراسات(7). وحينها نشأ حراك مهم داخل حزب الدعوة؛ منسجم مع الواقع الفقهي والفكري والسياسي الجديد الذي خلقه الإمام الخميني بعد العام 1979، ومع التأسيس الفكري الجديد للسيد محمد باقر الصدر في الوقت نفسه، ومع بدء مرحلة المواجهة السياسية والجهادية مع نظام صدام حسين. وانتهى هذا الحراك مطلع العام 1981؛ إلى تبني حزب الدعوة لمبدأ ولاية الفقيه رسمياً؛ على وفق ما كتبه السيد الصدر والسيد كاظم الحائري(8).

ولم يلغ حزب الدعوة مبدأ ولاية الفقيه من نظريته؛ على الرغم من توجهاته الواقعية في أواسط التسعينات؛ التي اتجه فيها نحو مشروع السيد محمد حسين فضل الله في المرجعية وفي رؤيته الفقهية السياسية(9). إضافة إلى تبنيه الممارسة المدنية الديمقراطية عملياً في العراق بعد العام 2003.

وبذلك؛ فإن التحولات في الفكر السياسي لحزب الدعوة الإسلامية ظلت مطبوعة بطابع إقليم العراق، ومنسجمة مع الواقع الموضوعي الذي تصنعه الأحداث المفصلية الكبرى؛ وهي ثلاثة مفاصل:

1 – مفصل تأسيس حزب الدعوة الإسلامية في العام 1957: في هذا المفصل استند حزب الدعوة إلى دراسة السيد محمد باقر الصدر الفقهية حول جواز قيام الحكم الإسلامي في عصر الغيبة(10)؛ من خلال الأدوات الحزبية؛ التي توفر وسائل كثيرة للوصول إلى الحكم الإسلامي. ثم استند إلى نظرية الحكم التي كتبها السيد محمد باقر الصدر لاحقاً؛ التي تعتمد مبدأ الشورى في قيادة الحزب لنفسه وللدولة ولمشروع تطبيق الشريعة ولمشروع الدعوة العالمية(11)، وما يتخلل ذلك من ممارسة الجهاد الدفاعي وبذل الدماء والتصرف بالأموال وتحديد مصالح الأمة ومفاسدها(12).

2 – مفصل تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاصطدام بسلطة البعث العراقي في العام 1979: في هذا المفصل تراجع حزب الدعوة عن مبدأ قيادة الحزب للدولة ولتطبيق الشريعة ولمشروع الدعوة العالمية؛ لأنها على وفق مبدأ ولاية الفقيه مناطة حصراً بالولي الفقيه المبسوط اليد؛ ولا سيما أن الحزب تبنى مبدأ ولاية الفقيه في البعد النظري، وبايع مصداقها الإمام الخميني قائداً(13). ولم يكن سبب هذا التراجع مقتصراً على تبني الحزب مبدأ الولاية؛ بل لأن الواقع الشيعي المتدين (المساحة التي يتحرك فيها الحزب) لم يعد يسمح لأي مؤسسة شيعية أخرى بالتحرك سياسياً – دينياً على المستوى العالمي؛ في ظل وجود مؤسسة ولاية الفقيه؛ التي اكتسحت الساحة الشيعية في كل العالم خلال أشهر معدودات.

وشهد هذا المفصل حراكاً تمهيدياً مهماً بدأ في العام 1975؛ لأسباب فكرية وتنظيمية؛ انتهى إلى تشكيل لجنة إشراف عليا على الحزب؛ لأول مرة في تاريخيه؛ سميت بـ ((القيادة العامة))؛ تتألف من شخصيات من المؤسسين ومن الرعيل الأول؛ جميعهم يقيمون في خارج العراق، وهم: محمد هادي السبيتي (لبنان)، السيد مرتضى العسكري (إيران)، السيد محمد حسين فضل الله (لبنان)، الشيخ محمد مهدي شمس الدين (لبنان)، الشيخ محمد مهدي الآصفي (الكويت)، السيد كاظم الحائري (إيران)، الشيخ علي الكوراني (الكويت)، الشيخ عيسى قاسم (البحرين)، الشيخ صبحي الطفيلي (لبنان)، عبود الراضي (الإمارات العربية). وهي أول قيادة في حزب الدعوة تضم خمسة مجتهدين من مجموع ثمانية علماء دين. وبها بدأت مرحلة عودة علماء الدين للنهوض المباشر بقيادة حزب الدعوة.

وانتهى هذا الحراك التمهيدي في العام 1980 بسيطرة كاملة للفقهاء على حزب الدعوة؛ فكرياً وسياسياً وتنظيمياً؛ وهو ما اعتبره محمد هادي السبيتي والشيخ علي الكوراني وعز الدين سليم انقلاباً على الحزب وفكره. ولذلك ظل محمد هادي السبيتي بعد زيارته إيران في العام 1980 ولقائه الدعاة المهاجرين ودراسته وضع «الدعوة» الجديد؛ يردد: ((إن هذه ليست «الدعوة» التي كنا نعمل فيها)). وكان يستند في قراءته هذه إلى ثلاثة تحولات يشهدها الحزب:

1 – التحول التنظيمي: وتمثل في مظهرين:

أ – مناداة معظم الدعاة بانتخاب قيادة الحزب؛ أي بأن تكون القيادة منتخبة من بين الدعاة انتخاباً سرياً، وتمثل خيارهم. بينما ظلت قيادة الحزب منذ التأسيس يفرزها الواقع التنظيمي بشكل تلقائي، وهو ماكان ينادي به السبيتي؛ إذ يعتقد بأن ((القائد لا ينتخب، القائد يفرزه الواقع))؛ أي أنه كان يرفض الانتخابات فكراً وفعلاً.

ب – الانكشاف التنظيمي للدعوة، والتكثير غير النوعي للدعاة. بينما كان التنظيم الذي بناه عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي تنظيم حديدي وفي غاية السرية.

2 – التحول الفكري؛ إذ كسرت القيادة الجديدة ثلاثة من الأعمدة التي وقف عليها كيان الحزب:

أ – استبدلت مبدأ الشورى في تأسيس الحكم الإسلامي وإدارته واختيار الحاكم وفق مبدأ ولاية الفقيه على الحكم.

ب – جهرت بانتماء الحزب المذهبي الشيعي بكل التفاصيل العقدية والفقهية والسلوكية.

3 – التحول السياسي والميداني: وكان يتمظهر بدخول «الدعوة» دخولاً شاملاً وسريعاً في صراع سياسي وعسكري مع نظام البعث. وكان محمد هادي السبيتي يرى أن «الدعوة» تقوم بمجازفة كبيرة؛ لأنها لم تستكمل بعد أدوات الصراع ومستلزماته.

وبناءً على هذه التحولات التي أفضت إلى انعقاد مؤتمر الشهيد الصدر في العام 1981 وانتخاب قيادة جديدة ليس فيها محمد هادي السبيتي والشيخ علي الكوراني؛ فإن خط السبيتي الذي تمخض عن تأسيس «حركة الدعوة الإسلامية» في الأعوام اللاحقة؛ ظل يؤكد أن ماحدث في العامين 1980 و1981 هو انقلاب على فكر «الدعوة» وتقاليدها التنظيمية. ويقصد به انقلاب على فكر السبيتي وهيمنته ومن يمثله على الحزب (جماعة الكوراني تحديداً).

بينما يرى خط الفقهاء الذي سيطر على الحزب بعد العام1980 أن ما حدث هو حراك تصحيحي طبيعي؛ للعودة إلى الغايات التي تأسس من أجلها حزب الدعوة وإلى منهجية المؤسس الحقيقي للحزب السيد محمد باقر الصدر؛ على اعتبار أن من استلم زمام الحزب بعد العام 1980 كان معظمهم من زملاء السيد محمد باقر الصدر وتلاميذه، الذين ظلوا متماهين مع منهجه الفكري الذي أخذ بالتبلور بعد العام 1970؛ ولاسيما في جانب الفقه السياسي؛ المتمثل بتبني ولاية الفقيه وتوجيه علماء الدين المباشر للحزب، وفي الجانب المذهبي؛ المتمثل بتبلور حالة الانتماء العقدي الفقهي للتشيع؛ وفي الجانب السياسي المتمظهر بالمعركة الشاملة مع نظام صدام ومبايعة الإمام الخميني، وفي الجانب التنظيمي المتمثل بالانفتاح على الأمة.

وبناء على هذه التحولات العميقة اللصيقة بالعودة لنهج السيد محمد باقر الصدر؛ فقد قام المتصدون الجدد للمشهد الدعوي بعد العام 1979؛ سواء في داخل العراق وخارجه؛ بحملات تثقيف مركزة للدعاة على قيادة السيد محمد باقر الصدر وكونه مؤسس الحزب، وعلى فكره؛ سيما الدراسات الست التي كتبها في العام 1979 وتم جمعها في كتاب «الإسلام يقود الحياة»، التي يؤكد فيها الصدر تبني حكومة الفقيه وقيادة المرجع الأعلى.

وفي المقابل ظلت جماعة الكوراني – خط البصرة (حركة الدعوة الإسلامية فيما بعد) – تصر في أدبياتها على أن قائد الحزب ومؤسسه الأبرز هو محمد هادي السبيتي، وترفض أي منظومة فكرية جديدة للحزب؛ بل أي تغيير في فكر الحزب أو تعديل عليه. والمقصود به بعض الأفكار التي قرر الحزب تغييرها وتعديلها؛ انسجاماً مع تحولاته الفكرية والتنظيمية والسياسية؛ وهي أفكار كتب معظمها عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والشيخ علي الكوراني. فضلاً عن تغيير أساس الشورى كأحد أسس الحزب التي كتبها السيد محمد باقر الصدر؛ ثم غيّر قناعته الفقهية فيه لمصلحة أساس جديد يتمثل بالجمع بين الشورى وولاية الفقيه. وهو ما دوّنه الحزب في أدبياته الرسمية خلال العام 1981.

ولكن اللافت هو التحول الفكري – السياسي الجذري المفاجئ الذي طرأ على الشيخ علي الكوراني؛ بل على قناعاته التاريخية؛ بعد خروجه من الحزب في العام 1981؛ حتى أنه كتب خلال تسعينات القرن الماضي بأن المؤسس الحقيقي لحزب الدعوة وقائده المتفرد هو عبد الصاحب دخيل، وأن الأخير كان يهيمن بفكره وشخصيته على السيد محمد باقر الصدر، ولذلك جاء الفكر العقدي للسيد محمد باقر الصدر فكراً التقاطياً ملوثاً بالمعتقدات السنية، وأن حزب الدعوة نسخة شيعية من جماعة الإخوان المسلمين، وأن الحزب لا يؤمن بقيادة الفقهاء(14). بيد أن قناعات الشيخ علي الكوراني الجديدة تختلف مع قناعاته قبل العام 1981؛ حين كان يمثل خط محمد هادي السبيتي وفكره الشورائي الرافض لولاية الفقيه، واللا مذهبي الرافض للإعلان عن شيعية الحزب، والتنظيمي لتغليب حضور علماء الدين في توجيه الحزب والرافض لانتخاب القيادة. وتزامن تحول الشيخ الكوراني الفكري – السياسي المفاجئ هذا مع انخراطه في الفريق السياسي المرجعي للشيخ حسين علي منتظري؛ وهو فريق شديد العداء لحزب الدعوة وخط السيد محمد باقر الصدر؛ بل كان أبرز رموزه مهدي هاشمي (شقيق صهر الشيخ منتظري ومسؤول قسم حركات التحرر في حرس الثورة الإسلامية قبل إعدامه في العام 1983 بتهم القتل والتآمر على الثورة الإسلامية) يجاهر باتهام السيد محمد باقر الصدر والسيد موسى الصدر وحزب الدعوة وحركة أمل بالعمالة لأمريكا وبريطانيا.

وفي داخل أروقة حزب الدعوة؛ ثبت نظامه الداخلي الجديد للعام 1982 مبدأ وجود فقيه للحزب يمارس الرقابة على الحزب وتوجيهه على وفق المحددات الشرعية، والفتيا في قضايا الأموال والدماء. ثم استبدلت صيغة «فقيه الدعوة» بـ صيغة «المجلس الفقهي»؛ بمسوغ التعارض مع وجود الولي الفقيه العام (الإمام الخميني)، وبسبب رؤية بعض فقهاء الحزب؛ سيما السيد الحائري؛ بأن تكون رقابة الفقيه ابتداءً، وعلى كل مفاصل الحزب، وليس بصورة عودة الحزب أو لجانه إلى الفقيه عند الحاجة.

ولم تكن الإشكالية ذات أهمية في ظل وجود الإمام الخميني؛ ولكن أهميتها ازدادت بعد وفاة الإمام الخميني وصعود فقيه جديد لسدة الولاية (آية الله الخامنئي). وحيال ذلك بدأ بعض أوساط «الدعوة» يتصدرهم الشيخ محمد مهدي الآصفي (الناطق باسم الحزب) يقاتل فكرياً وتنظيمياً لتحويل علاقة الحزب بولاية الأمر (وهي نظرية الآصفي المتماهية مع مبدأ ولاية الفقيه)(15) وقيادة السيد الخامنئي إلى علاقة ولاء وانقياد، وليست علاقة إرشاد وتوجيه. بينما بدأت رموز أخرى في القيادة تتجه تدريجياً نحو بلورة مشروع مرجعي آخر خارج إيران والنجف؛ هو مرجعية آية الله السيد محمد حسين فضل الله في لبنان؛ الذي ظل الأقرب إلى نظرية حزب الدعوة الأولى وفكره وقيادته؛ لأنه كان من أعضائه الأوائل ومن قياداته الفكرية والسياسية عقود طويلة. وأصبح رأي قيادة الحزب في موضوعة الدولة والحكومة والفقه السياسي يتبنى عملياً ما يذهب إليه السيد فضل الله. وفضلاً عن القرابة النفسية والفكرية والسياسية والتاريخية بين فضل الله وحزب الدعوة؛ فقد كانت هناك حاجة واقعية للطرفين للسير بمشروع موحد. وكان أركان مشروع مرجعية فضل الله في مساحاته العراقية والسورية والخليجية والإيرانية والأوربية هم الرموز الرسمية وغير الرسمية الأبرز لمدرسة «الدعوة»؛ أمثال: نوري المالكي والشيخ عبد الحليم الزهيري في سوريا، والدكتور إبراهيم الجعفري والسيد حسين الشامي في بريطانيا، والشيخ مهدي العطار في إيران، والسيد عبد الله الغريفي في البحرين والخليج، وكاظم عبد الحسين في الكويت وغيرهم(16).

وظل المفصل الثاني هو الأكثر إثارة للجدل الفكري في أوساط مدرسة «الدعوة» ولايزال. وقد ترشح عن هذا الجدل مجموعة من التيارات الفكرية داخل الحزب في ثمانينات القرن الماضي؛ أهمها:

أ – التيار الذي يدعو إلى تحويل حزب الدعوة إلى مؤسسة من مؤسسات الدولة الإسلامية الإيرانية؛ كأداة تنفيذية؛ من خلال الاندماج بالمؤسسات الثورية الإيرانية، مثل جهاد البناء أو الحرس الثوري وغيرهما. ولم ينجح هذا التيار في تحقيق مسعاه؛ فانشق رموزه عن الحزب، واندمجوا بالفعل في المؤسسات الثورية الإيرانية؛ ولاسيما قوات الحرس الثوري، وقام قسم منهم بتأسيس قوات بدر بإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني، وأصبحوا قادة وآمرين لها. وهي القوات التي تأسست ابتداءً باسم فوج الشهيد الصدر في بدايات العام 1983، ثم تحولت إلى لواء أطلق عليه اسم لواء 9 بدر، ثم فرقة بدر، ثم فيلق بدر، ومنظمة بدر حالياً.

ب – تيار يدعو إلى بقاء حزب الدعوة مستقلاً كلياً في نظريته وقيادته ومؤسساته عن قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومؤسساتها، وتكون بينهما علاقة تعاون وهموم مشتركة. واصطدم هذا التيار بالواقع الفكري والسياسي الشيعي الذي تتصدره إيران، وانشق أصحابه عن الحزب أيضاً، وأسسوا مجموعة إسلامية مدنية تدعو إلى الوطنية العراقية والحكم الديمقراطي.

ت – تيار يتبنى مبدأ ولاية الفقيه ويبايع مصداقه الإمام الخميني؛ مع الاحتفاظ بخصوصية حزب الدعوة المنفصلة عن إيران الدولة والحكومة تنظيمياً وسياسياً. وكان هذا التوجه يفرق بين الدولة الإيرانية ككيان جيوسياسي له خصوصياته، والحكومة الإيرانية كمؤسسة محلية تدير الدولة الإيرانية، وقيادة الإمام الخميني كقيادة عامة لكل الأمة الإسلامية. وظل هذا التيار هو الأكبر عدداً والأهم نوعاً في حزب الدعوة، وظل مسيطراً على قيادته ولجانه ومفاصله منذ العام 1981. وينقسم هذا التيار العام إلى عدة نزعات تفصيلية؛ لا يزال بعضها موجوداً داخل «الدعوة» أو في إطار مدرستها العامة.

وتطرح هنا تساؤلات في إطار إشكالية لها علاقة بموضوعة الشورى وولاية الفقيه وشكل الحكم الذي يدعو له حزب الدعوة وغيره من الحركات الإسلامية التي تدار قيادتها بالشورى أو أدوات الديمقراطية؛ دون وجود فقيه حاكم على قراراتها. وتدور هذه التساؤلات حول طبيعة القرارات السياسية في الحزب، باعتبار أن كثيراً منها ليست قرارات سياسية محضة أو إدارية أو تقنية؛ بل هي قرارات دينية شرعية (أحكام شرعية)، أو أنها قرارات سياسية مقبولة شرعاً، وترتبط بملء منطقة الفراغ (على وفق توصيف السيد محمد باقر الصدر)، أو منطقة التفويض التشريعي (كما قاربتها في أطروحتي الدكتوراه)(17)؛ ولاسيما القرارات ذات الصلة بالأعمال الجهادية والعسكرية والأمنية، وما يترتب عليها من تصرف بالدماء والأموال والأراضي. وإذا كان بعض القرارات السياسية؛ ذا بعد ديني شرعي؛ فهل تقتضي الشورى أن يكون هناك اجتهاد جماعي تقوم به القيادة بأجمعها كون رأي الأكثرية هو النافد بمقتضى سيرة العقلاء؟ وهذا اللون من الاجتهاد يعد بادرة فريدة في تاريخ الفقه الشيعي. أما إذا لم تكن هذه القرارات أحكاماً اجتهادية؛ بل يفترض أن تستند إلى حكم شرعي أو غطاء شرعي أو إمضاء فقيه؛ فمن الذي يقوم بذلك؟ هل هو أي فقيه يمكن أن يرجع إليه الحزب، أو فقيه واحد ثابت هو فقيه الحزب، أم جماعة من الفقهاء المتحركين أو الثابتين؟

وسبق لحزب الدعوة أن أجاب عن هذه التساؤلات في عقد الثمانينات من القرن الحالي؛ بعد أن ظهرت بقوة في أوساطه خلال الأعوام 1979 – 1981(18)؛ ولكن التطورات الواقعية والانتقالات المرحلية والنظام الداخلي الجديد للعام 2008 أعادت هذه التساؤلات مرة أخرى. وكما ذكرنا؛ فإن حزب الدعوة لم يحسم بعد العام 2003 موقفه الفكري والفقهي حيال الدولة الديمقراطية والدولة الإسلامية، والعلاقة الفكرية والمنهجية بمبدأ ولاية الفقيه والمرجعية الدينية مبسوطة اليد ومصاديقها. ويرى بعض قياديي حزب الدعوة أن هذه الإشكاليات هي جدليات نظرية صرفة، وربما لا تحتاج إلى تأصيلات فقهية وفكرية عاجلة؛ لأن الحزب لم يبتل بها عملياً، أو بالتعبير الشرعي «لأنها ليست محل ابتلاء»(19). وفي حين حلت مجموعة من الحركات الإسلامية؛ كحزب الله في لبنان من خلال الهيئة الشرعية المرتبطة بالولي الفقيه، ومنظمة بدر في العراق عبر الارتباط المباشر بممثل الولي الفقيه، وحركة الوفاق في البحرين، من خلال إشراف المجلس العلمائي الذي يضم وكلاء المرجعيات الدينية؛ فإن حركات أخرى؛ كحزب الدعوة؛ لا تزال تكتفي بقرارات قياداتها السياسية؛ مع الرجوع إلى أحد الفقهاء في الموارد التي تحتاجها أو تعترضها.

2 – مفصل تأسيس العراق الجديد والمشاركة في الحكم في العام 2003: في هذا المفصل تبنى حزب الدعوة الإسلامية سلوكاً عملياً يستند إلى تبني آليات الديمقراطية في العمل السياسي والوصول إلى الحكم؛ بعد أن ظل يرفض نظريتها منذ تأسيسه، ويعدّها مبدأً علمانياً يتعارض مع النظرية السياسية في الإسلام. ولكن إزاء هذه الإشكالية طرح حزب الدعوة عدداً من القواعد الشرعية التي تسوغ له الدخول في نظام حكم يستند إلى النظرية الديمقراطية؛ كقاعدة التزاحم، وقاعدة دفع الضرر والمفسدة وجلب المصلحة، وقاعدة الضرورة وغيرها. كما أكّد بأن الدخول في عملية سياسية قائمة على الديمقراطية لا يعني قبول حزب الدعوة بفلسفة الدولة الديمقراطية المدنية وأسسها النظرية العلمانية الوضعية. بل إنه يقبل بآليات عمل الديمقراطية دون فلسفتها(20). وخلال ذلك حصل الحزب؛ كغيره من الجماعات الإسلامية الشيعية العراقية؛ على عدة أذونات شرعية من المرجعيات الدينية لدخول العملية السياسية؛ ولا سيما من السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي والسيد محمد حسين فضل الله.

وتوثقت علاقة حزب الدعوة كثيراً في هذه المرحلة بمرجعيتي السيد السيستاني والسيد الخامنئي. وبذلك ظل يوازن بين مثلث فقهي ميداني: الخامنئي وفضل الله والسيستاني. ولكن على المستوى الفكري؛ ظل حزب الدعوة متوقفاً عند حسم رأيه في موضوع المبدأ الفقهي السياسي الذي يتبناه في موضوع الحكم؛ وإن كان تبنيه لولاية الفقيه في العام 1981 لا يزال قائماً نظرياً في فكره الفقهي السياسي، ولم يتم إلغاؤها رسمياً.

وشهد هذا المفصل تجاذباً وتشتتاً فكرياً وسياسياً أكبر من المفصل السابق؛ ولاسيما على المستويات التالية:

1 – الموقف النظري والواقعي من المرجعية الدينية؛ والذي يتوزع على ثلاثة محاور: مبدأ ولاية الفقيه، ومصداقه السيد علي الخامنئي؛ وما أطلقوا عليه المرجعية المؤسسة، ومصداقها السيد محمد حسين فضل الله؛ والمرجعية العليا النجفية، ومصداقها السيد علي السيستاني.

2 – الدخول في مشروع المعارضة العراقية ذي الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وما يتضمنه من إشكاليات فقهية وفكرية وسياسية.

3 – المشاركة في حكم دولة غير إسلامية، والقبول بمبدأ الديمقراطية في ممارسة السلطة.

4 – الخبرة في إدارة الدولة وشبهات الفساد الإداري والمالي.

وبما أن الحزب لم يجب على هذه الإشكاليات إجابات رسمية مؤصلة فقهياً وفكرياً؛ فقد أدى ذلك إلى تشتت فكري دون شك. وهذا لا يعني عدم وجود محاولات تأصيلية نشرها بعض قادة «الدعوة»؛ كالدكتور إبراهيم الجعفري ونوري المالكي والسيد هاشم الموسوي والسيد حسين الشامي(21) وآخرين؛ ولكنها ليست مواقف فكرية رسمية مثبتة في ثقافة «الدعوة». وربما يعود هذا الخلل إلى عدم وجود مراكز دراسات تأصيلية معمقة في حزب الدعوة؛ تأخذ على عاتقها الخوض في هذه المهمة، فضلاً عن انقطاع صدور نشرة «صوت الدعوة» الداخلية في هذه المرحلة؛ التي من شأنها حل هذه الاشتباكات الفكرية وتثبيت الكلمة الفصل حيالها. ولعل الدراسة الفكرية الأهم حول هذا الموضوع هي دراسة الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي التي نشرها في مطلع العام 2015 بعنوان: «الحركات الإسلامية وتجربة المشاركة في الحكم»، والتي قارب فيها مجمل الإشكاليات والجدليات التي اعترضت الحزب خلال المفصل الثالث؛ إذ قارب موضوع مشاركة الإسلاميين في دولة غير إسلامية، وفي ظل ظروف استثنائية؛ بالطريقة المنهجية نفسها التي استخدمها المفكرون الإسلاميون المصريون واللبنانيون والإيرانيون. وجزأ المالكي الديمقراطية إلى فلسفة وإلى أدوات، ورفض فلسفة الديمقراطية لتعارضها مع فلسفة الإسلام ونظرية «الدعوة»، واستنادها إلى فكر علماني ومناخات اجتماعٍ سياسي وثقافي وديني لا علاقة لها بمناخات المسلمين وخصوصياتهم، ولكنه دافع عن الأدوات الديمقراطية؛ باعتبارها أدوات فنية تتناسب والخيارات العقلانية، ويمضيها الإسلام. كما فكك إشكالية مشاركة حزب الدعوة في حكم العراق بعد العام 2003؛ أي في حكم دولة غير إسلامية وفي ظل ظروف الاحتلال، وقّدم لذلك مسوغات فكرية وواقعية(22).

ولكن تبقى هكذا إشكاليات أساسية بحاجة إلى دراسات موسعة وجهد فكري جماعي ينتج عنه نظرية كاملة تحسم الجدل الدائر بين الدعاة أنفسهم، أو بين الدعاة وخصومهم النوعيين. ولا يختلف الدعاة حول أهمية حسم هذه الإشكاليات في إطار عملية تجديد نظرية «الدعوة» وفكرها وإعادة بناها ونظمها؛ ولكنهم يختلفون في منهجية التجديد؛ فمنهم من يعتقد بالتجديد الانقلابي الشامل؛ وصولاً إلى صيغة سياسية وطنية عصرية، ومنهم من يدعو إلى تجديد إصلاحي تدريجي؛ وصولاً إلى صيغة إسلامية وطنية؛ تحتفظ بأصالة نظرية الدعوة وتعتمد أدوات عصرية. ويعتقد دعاة التجديد الانقلابي بأن التجديد الإصلاحي التدريجي هو إصلاح ترقيعي وغير مجدٍ؛ بينما يرى دعاة التجديد الإصلاحي تجربة التجديد الانقلابي خطيرة وذات نتائج تدميرية، وستأتي بغورباتشوف إسلامي ينفذ منهجيتي البريسترويكا (إعادة البناء) والغلاسنوست (الشفافية)(23)؛ ليكون فيه حزب الدعوة من الماضي. ومقتضى هاتين المنهجيتين إنهاء وجود الموروثات الفكرية التقليدية في «الدعوة»، وعزل الحرس القديم التقليدي، أو تحويلهم إلى مستشارين في أحسن الأحوال، وتطبيق سياقات وأنساق تنظيمية جديدة لم يألفها الدعاة. والحقيقة أن في مثل هذه الحالات تبرز الحاجة إلى تكامل بين العقل التقليدي والنظرية التقليدية والموروثات الفكرية والتنظيمية والحرس القديم من جهة، والعقل التجديدي المؤسسي والأدوات التجديدية من جهة أخرى؛ ليكون التجديد منهجياً علمياً؛ لضمان أصالة «الدعوة» وعصريتها وقوتها واستمرار تأثيرها الاجتماعي والثقافي والسياسي.

وفي إطار التوازن بين التمسك بنظرية «الدعوة» وثوابتها الأصلية، وضغوطات الواقع العراقي؛ يمكن البحث عن ثوابت جديدة منسجمة مع الواقع ومقبولة من النظرية؛ لتكون البدائل الفكرية لأسس النظرية السياسية للدعوة؛ ليتحقق مفهوم توطين نظرية «الدعوة»، ومنها مثالاً:

1 – الإسلامية الحضارية بجرعاتها المقبولة شرعاً وعرفاً، وكما يفرضها الواقع العراقي؛ بديلاً عن النظرية المتخمة بالايديولوجيا.

2 – المذهبية المعتدلة العقدية الفقهية؛ بديلاً عن اللا مذهبية أو المذهبية الطقسية.

3 – التغييرية الاجتماعية؛ بالمفهوم القرآني؛ بديلاً عن التغيير بمفهومه الحركي.

4 – الإصلاحية؛ بديلاً عن الانقلابية؛ في الحكم وشكله وبنيته، والدولة ومؤسساتها.

5 – العصرية؛ بمعنى عصرنة الخطاب الإسلامي وانفتاحه، وتحديث الوسائل والأساليب الحزبية والشكل التنظيمي.

6 – الوطنية؛ بمفهومها المقبول شرعاً؛ بديلاً عن العالمية وعن تصدير الشريعة إلى العالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) انظر: الشيخ الميرزا محمد حسن النائيني، «تنبيه الملة وتنزيه الأمة».

(2) انظر: رأي حزب الدعوة بشأن شرعية الحكم في عصر المعصوم؛ ذكره في أكثر من نشرة حزبية؛ منها نشرة الأسس، الأساس الثالث والرابع، ونشرة صوت الدعوة، العدد 29 العام 1980، وكلاهما في الملحق، وثيقة رقم (2) ووثيقة رقم (3)، وكذلك في نشرة «الحكم في الإسلام» الصادر في العام 1981، وثيقة رقم (5).

(3) ذكر أحد الباحثين بأن السيد الصدر طلب من قيادة حزب الدعوة في العام 1970 سحب عدد من هذه الأسس من ثقافة الدعوة؛ ولاسيما ما يرتبط بمبدإ الشورى في الحكم الإسلامي؛ ولكن القيادي المتنفذ في «الدعوة» محمد هادي السبيتي لم يقتنع بهذا التوجه الفكري الجديد، وأبقى الأسس كما هي في أدبيات الدعوة. وهذه القول لم نتثبت منه رغم محاولاتنا الكبيرة. وأجابني السيد حسن شبر بهذا الخصوص بأن هذا الكلام لاصحة له؛ ولو كان صحيحاً، لكنت أول من يخبره السيد الصدر بذلك؛ لأني كنت الرابط معه آنذاك. (إجابة مخطوطة مدونة على مسودة كتاب «جدليات الدعوة»).

(4) انظر: منصور حسين الشيخ، «الدكتور عبد الهادي الفضلي: تاريخ ووثائق»، ص 128.

(5) المراسلات محفوظة في ارشيفي. وقد أرسل لي خلالها الشيخ عبد الهادي الفضلي مجموعة دراسات حول مفهوم الدولة الإسلامية ومساحة ولايتها في موضوع الحقوق الشرعية. وهو رأي فقهي يصرح بولاية الفقيه.

(6) انظر: السيد محمد باقر الصدر، «الإسلام يقود الحياة». ويتألف من ست دراسات في مجال الفقه السياسي والاجتماع السياسي والاقتصاد السياسي.

(7) انظر: علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الثيوقراطية والديمقراطية والشورى»، ص 168

(8) السيد محمد باقر الصدر، «لمحة فقهية عن دستور الجمهورية الإسلامية»، ضمن كتاب «الإسلام يقود الحياة»، والسيد كاظم الحائري، «أساس الحكومة الإسلامية».

(9) من تلك التطورات الفكرية السياسية ماجاء في نشرة «برنامجنا» التي أصدرها حزب الدعوة الإسلامية في العام 1991.

(10) وهو مضمون دراسة السيد محمد باقر الصدر الفقهية التي تأسس حزب الدعوة الإسلامية استناداً إليها.

(11) دراسة «الأسس الإسلامية» التي نظّر فيها السيد محمد باقر الصدر للأسس العقيدية والفكرية والفقهية لحزب الدعوة الإسلامية.

(12) ثقافة الدعوة الإسلامية، ج 2.

(13) نشرة «صوت الدعوة الداخلية»، العدد 29 للعام 1980، ونشرة «نظام الحكم في الإسلام»، وبيانات حزب الدعوة الإسلامية في الفترة من العام 1979 وما بعده.

(14) ثقافة الدعوة الإسلامية، ج 1.

(15) انظر: الشيخ محمد مهدي الآصفي، «ولاية الأمر في الإسلام».

(16) كانت قواعد حزب الدعوة في الدول العربية والأوربية تمثل – غالباً – جسد مرجعية السيد محمد حسين فضل الله. أما رموز هذه المرجعية خارج لبنان فكانوا قيادات وكوادر حزب الدعوة. وهذا الأمر غير مسبوق في «الدعوة» إلّا في إطار مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم.

(17) علي المؤمن، «التقنين الدستوري للفقه السياسي الإسلامي» (أطروحة دكتوراه مخطوطة)، الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، لندن.

(18) ولاسيما بعد دخول حزب الدعوة المرحلة السياسية وممارسة العمل المسلح في ايلول/ سبتمبر من العام 1979، ثم إعدام السيد محمد باقر الصدر في نيسان/ ابريل من العام 1980، وظهور إشكالية علاقة حزب الدعوة بمجلس فقهاء الدعوة من جهة وولاية الفقيه من جهة أخرى.

(19) أي أن حزب الدعوة غير معني بها بصورة مباشرة؛ لأنها قضايا فقهية من اختصاص الفقهاء، وأن حزب الدعوة يستند في هذا المجال إلى النظريات الفقهية الجاهزة التي ينتجها الفقهاء في الحوزات العلمية. وربما يكون هذا الرأي صائباً في حدود عملية الإنتاج العلمي الفقهي، ولكن بما أن حزب الدعوة هو حزب إسلامي عقائدي؛ فينبغي أن يكون له قاعدة فقهية ثابتة يتكئ عليها في مجال الفقه السياسي والقيادة الشرعية.

(20) لعل أهم دراسة تأصيلية صدرت في هذا المجال؛ دراسة أمين عام حزب الدعوة نوري المالكي، «الحركات الإسلامية وتجارب المشاركة في الحكم»، ص 27. انظر أيضا: علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي وخيارات الثيوقراطية والديمقراطية والشورى»، ص 137 – 142، وصلاح عبد الرزاق، «الإسلاميون العراقيون والديمقراطية».

(21) مثال ذلك: ابراهيم الجعفري، «تجربة حكم»، وهاشم الموسوي، «منهج حزب الدعوة الإسلامية»، ونوري المالكي، «العودة إلى الدعوة» و«حزب الدعوة والقدرة المستمرة على المراجعة» و«الحركات الإسلامية وتجارب المشاركة في الحكم»، والسيد حسين الشامي، «حزب الدعوة الإسلامية: دراسة في الفكر والتجربة».

(22) نوري المالكي، «الحركات الإسلامية وتجارب المشاركة في الحكم» (مصدر سابق)

(23) وهما منهجيتان فكريتان سياسيتان بشأن إصلاح الدولة السوفيتية وإعادة بنائها، ولكنهما كانتا المطرقة التي هشمت رأس الاتحاد السوفيتي وأسقطته نهائياَ في العام 1994. وقد صدرت المنهجيتان في كتابين حملا العنوانين أنفسها، وترجما إلى اللغة العربية في عام صدورهما نفسه. انظر: ميخائيل غورباتشوف، «البريسترويكا: فكر جديد لبلادنا والعالم».

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment