تجربة الدولة الإسلامية الحديثة في التعامل مع الفنون

Last Updated: 2024/06/08By

تجربة الدولة الإسلامية الحديثة في التعامل مع الفنون:

الموسيقى أنموذجاً

د. علي المؤمن

ظل موضوع الفن ـ بدلالته الاصطلاحية الحديثة ـ من المواضيع الخلافية والمثيرة للجدل في دائرة البحث الفقهي وفي الدائرة الاجتماعية، منذ عودة بعض تقاليد العصر الجاهلي إلى حياة المسلمين خلال حكم الأمويين والعباسيين، وتأثرهم ببعض المظاهر الثقافية والاجتماعية للشعوب التي دخلت الإسلام أو خضعت بلدانها للفتح الإسلامي. وحين انتقلت، أو عادت، هذه المظاهر إلى حياة المسلمين، كانت قصور معظم الخلفاء والولاة والحكام وكثير من الأثرياء الحضن الذي ضمها ورعاها.

ومن هنا جاء البحث الفقهي ورد الفعل الاجتماعي على هذه المظاهر متأثرين بأجواء الردة التي خلقتها، والمفاسد الجانبية التي ترتبت عليها، أو متأثرين بالموقف السياسي. فمن جانب كانت بعض المواقف الفقهية خاضعة لتأثيرات الفقه السلطاني، فكانت تسعى إلى تسويغ تلك المظاهر، أو تغض النظر عنها ولا تخوض في تفاصيلها، في حين كانت المعالجات الفقهية الأخرى، التي تتصف بالأصالة، مضطرة تحت ضغوطات الواقع إلى أن تحصر نفسها في دائرة فقه النظرية، أو إلى أن تحكم على الموضوعات والمصاديق من خلال الأجواء التي تغلّفها.

هذه العوامل جميعها اقتضت أن يحصر الفقه نظرته إلى تلك الموضوعات في دائرة المكان والظرف الزمني اللذين يحددان شكل الموضوع ومضمونه، وظل البحث الفقهي والموقف الاجتماعي يتوارثان هذه النظرة، ومنها النظرة إلى موضوع الموسيقى والغناء، والتي تتضمن فهمين خاضعين، ويترتب عليهما حكمان شرعيان مختلفان، تبعاً للمدرسة الفقهية التي ينتمي إليها كلٌ منهما.

تجربة رائدة

وبعد قيام الدولة الإسلامية الحديثة في إيران، برزت الحاجة إلى سد الفراغات في مجال الأحكام الشرعية والقوانين التي تدخل في بناء النظام الإسلامي، فحدثت على إثر ذلك نهضة فقهية كبرى بفضل الأساليب الاجتهادية الجديدة التي دعا إليها الإمام الخميني، وامتدت هذه النهضة أفقياً لتستوعب معظم الموضوعات، ولتواجه الواقع المعقد الذي ينطوي على الكثير من الحقائق الضاغطة، ولا سيما في المجالين: الثقافي والاجتماعي، وهي حقائق لم تكن محل ابتلاء كبير بالنسبة للفقه وحركة الاجتهاد، بسبب التغييب القسري الذي عانت منه الشريعة طوال مئات من السنين. فكان أن عملت ـ ولا تزال تعمل ـ هذه النهضة الفقهية على التعامل بموضوعية وعمق مع هذه الحقائق، والتأصيل لها، بهدف إخضاعها لأحكام الشريعة، وخلق واقع اجتماعي يتقبَّل الموقف الفقهي الجديد.

هذه التجربة الرائدة والثرة التي صنعتها الجمهورية الإسلامية في مجال التعامل مع حقائق الواقع وموضوعاته، ولا سيما على المستويين: الثقافي والاجتماعي، يجدر بمشاريع تطبيق الشريعة الإسلامية في البلدان الأخرى والمؤسسات والجماعات الإسلامية الثقافية والعلمية والاجتماعية، دراستها وتداولها، بهدف التعرف عليها والإفادة منها؛ لأن هذه التجربة تعتمد معايير الاجتهاد الجديد وشروطه وسيلةً لها في إخضاع الواقع للشريعة، ولأنها أول تجربة معاصرة للتطبيق تخوضها الشريعة الإسلامية.

التعامل الواقعي مع الموضوع

الموسيقى والغناء من جملة الموضوعات التي تعاملت معها الجمهورية الإسلامية بواقعية، إذ أخذت بنظر الاعتبار ـ خلال التأصيل الفقهي لها ومعالجتها اجتماعياً وثقافياً ـ متطلبات الزمان والمكان وحقائقهما، فلم يكن هذا التعامل انفعالياً أو سطحياً، بل كان خاضعاً للبحث الفقهيّ من جهة وللبحث الاجتماعي والثقافي من جهة أخرى؛ إذ بدأت مع الموسيقى بداية متوازنة، فلم تمنعها ولم تشجعها أو تطلق العنان لها، بل تركت للشخص ـ في كثيرٍ من المجالات ـ تحديد تكليفه الشرعي عند التعامل مع الفتوى والحكم. أي أنها استحضرت العناوين الشرعية الموروثة ذات العلاقة بالموسيقى، سواء ما يتعلّق بموارد الحركة أم بموارد المفاسد المترتبة، وهي في معظمها عناوين تختص بالأفراد، وفي الوقت نفسه لم تتنكر للواقع الضاغط الذي يرتبط بالبعد الإنساني والاجتماعي للموسيقى، وتأثيراتها، ومساحات الانتشار التي تحتلها.

وبذلك تحركت الدولة الإسلامية على مستويين جديدين إلى جانب المستوى الفردي: أحدهما مستوى الجماعة والثاني مستوى الدولة، وهما مستويان لم ترث فيهما الدولة إلاّ خطوطاً عامة، فكانت بحاجة إلى بلورة فكر فقهي متكامل يحدد التكليف الشرعي للدولة والمجتمع والفرد معاً. إضافة إلى ذلك، فإنها، ومن منطلق البعد الإنساني، أخذت تنظر إلى الموسيقى بوصفها وسيلةً ثقافية وفنية، وليست وسيلة تجارية ومصدراً للكسب، وهذه نظرة تعبّر عن مستوى الاحترام للفطرة الإنسانية وللواقع الاجتماعي. ولكنها، في الوقت نفسه، لم تضع تشجيع الموسيقى ضمن أهدافها، بل رأت أن تشجيع الموسيقى يتقاطع مع أهداف الدولة الإسلامية، إذ يقول الإمام الخامنئي رداً على سؤال في هذا الشأن: ((إنّ ترويج الموسيقى وآلاتها يتنافى كليةً مع أهداف النظام الإسلامي))(1).

وعندما سمحت الجمهورية الإسلامية ببعض ألوان الموسيقى، اعتمدت قواعد العسر والحرج والضرورة في الفقه، فكان في السماح لهذه الألوان، كالتراثية والفلكلورية والكلاسيكية، مصلحة قوية اضطرتها لاستخدام الحكم الثانوي، في إطار القاعدة التي يشير إليها الإمام علي(ع) بقوله: ((وقد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله(ص)… ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها عن مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله، لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي))(1). أي إن الجمهورية الإسلامية عمدت، في بعض هذه الحالات، إلى دفع الأفسد بالفاسد ـ إن عدّه بعضهم فاسداً ـ بهدف الحيلولة دُون لجوء بعض الفئات الاجتماعية إلى الموسيقى المحرّمة. ولكن الأقرب إلى الواقع أن ما تم هو عملية ملء للفراغ الذي تركته الموسيقى المحرّمة والتي كانت متفشية بشكل كبير جداً في المجتمع.

والنتيجة هي أن المسعى العملي اتجه نحو ملء الفراغ واحتواء الموقف الاجتماعي، من خلال اللجوء إلى تحييد الموسيقى بوصفها ظاهرة اجتماعية وإيجاد بعض المتنفّسات، كالفرق الموسيقية الرسمية ـ مثلاً ـ أو الفرق التابعة لبعض المؤسسات الثورية، ولا يزال بعضها قائماً ونشيطاً، كالفرقة السمفونية الكبرى التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وهي شبيهة بالفرق العالمية المتخصِّصة بالموسيقى الكلاسيكية والإنشاد الأوبرالي. فضلاً عن فتح الأبواب أمام تشكيل الفرق الموسيقية التراثية الصغيرة، وهي السائدة والأكثر رواجاً. كما خصَّصت مهرجاناً سنوياً للموسيقى باسم «مهرجان الفجر الموسيقي» يقيمه مركز الإنشاد والموسيقى التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. كما سمحت باستمرار تدريس الموسيقى في معاهد الدراسات النغمية، كتلك التابعة لأكاديمية الفنون الجميلة وكلية الإذاعة والتلفزيون. وهذه الفعاليات ليس فيها ما يدل على تشجيع الموسيقى، بقدر ما تعبّر عن مساعي الجمهورية لتحييد الموسيقى ووضعها في خانة المباحات، فضلاً عن استثمارها بوصفها عاملاً مساعداً على تحقيق بعض الأهداف الثقافية والتعبوية، من خلال تحريك العواطف في الاتجاه السليم، وبالتالي يمكننا أن نعد كثيراً من هذه الفعاليات وسائل فاعلة في مواجهة الغزو الثقافي.

والواقع أنه من الصعب استثمار فن الموسيقى والغناء في الاتجاه السليم قياساً بالمجالات الفنية الأُخرى، كالسينما والبرامج التلفزيونية والرسم، فهذه الأعمال يمكن أن تكون من أفضل الوسائل التبليغية التي تسهم في بناء الإنسان المسلم، في حين أن الموسيقى ـ ربما عدا الموسيقى التعبوية الثورية والعسكرية ـ لا يمكن أن تؤدي الدور نفسه.

الملاكات الشرعية

يرى بعض فقهاء الدولة الإسلامية أن كثيراً من ألوان الموسيقى فيه «شبهة مفهومية»(1) ـ حسب اصطلاح علماء الأصول ـ فيخضعونه لقاعدة «أصل البراءة»(1). ويرى آخرون أن حرمة الموسيقى والغناء نسبية، وترتبط بتشخيص المكلّف؛ لأنّ مصداق الغناء المحرّم يدور حول الطرب الذي هو ملاك الحرمة ـ عادةً ـ. ومن هنا تكون الحرمة، أو الإباحة، لها علاقة بالمكلّف ومقدار تأثره وطربه. في حين يرى قسم ثالث أن التحديد لا يرتبط بالفرد، بل بالعرف العام وتعريفه للموسيقى اللهوية وألحان أهل الفسق والفجور التي تختص الحرمة بها. ويذهب الفقهاء أيضاً إلى أن الحرمة قد تختص بالموسيقى وحدها أو باجتماعها مع الكلام. وعموماً فالخلاف بين الفقهاء هنا يقتصر على موضوع الموسيقى ومصداقها واستثناءاتها. أما الغناء والموسيقى اللهوية عموماً فلا خلاف بينهم في حرمتهما. وفي مراجعة لآراء الفقهاء السلف والمتأخرين حول الغناء والموسيقى(1) نجد أنهم يتفقون على المفاهيم والمفاسد والقواعد العامة، ويختلفون في التطبيقات، ومن الآراء الأساسية في هذا المجال، والتي ربما توقّفت عندها التجربة الإسلامية الجديدة، هي التي تذهب إلى أن أدلة حرمة الغناء والموسيقى التي يُستفاد منها في الأحاديث الصادرة عن أئمة أهل البيت(ع)، إنما ترتبط بالظرف التاريخي الذي يعود إلى العصور الأموية والعباسية، وأساليب استخدام الموسيقى حينها ونوعية ألحانها وما يصاحبها من أجواء الفسق والفجور، ولا سيما ما كان يحدث في قصور حكام بني أمية وبني العباس. وهو ما يراه عدد من الفقهاء السابقين، كالفيض الكاشاني والنراقي، ويذهب مذهبهم أيضاً بعض الفقهاء المعاصرين.

ومن الأمور التي تثير الاستغراب هو الاتجاه المعاكس الذي تنتهجه بعض الجماعات والطرق التي تنسب نفسها للدين، والتي حاولت على مر التاريخ إضفاء بُعد ديني من معتنقي هذا الاتجاه من يفلسف ذلك بأن بعض أنواع الموسيقى الهادئة الحالمة تدعو إلى التأمل وإلى صفاء المشاعر، ومن ثم إلى التوجه عاطفياً ووجدانياً وبحس مرهف نحو مبدع هذا الكون ومصوّره ومهندسه، وقد يُصاحب هذه الموسيقى بعض الكلمات التي ترافق بتراتيل ورموز خاصة، وهي ممارسات متأثرة ببعض الفلسفات والأفكار والجماعات الدينية غير الإسلامية. والحقيقة أن الموسيقى لا يمكن أن تشكل أية وسيلة من وسائل التصوف الحقيقي والتعبير العرفاني، لأنها حالة وجدانية أرضية وتعبير عاطفي خاص. في حين تكثر وسائل التأمل الديني الأصيل والتعبير العرفاني الحقيقي، كأنواع العبادات والدعاء والمناجاة والتفكير والتأمل. وفي هذا الشأن يقول الإمام الخميني: «الغناء حرامٌ فعله وسماعه والتكسّب به… ويتضاعف عقابه لو استعمله في ما يطاع به الله تعالى»(1)، أي تحويله إلى وسيلة للتعبُّد والاتصال بالله تعالى، بالصورة التي عليها بعض الدراويش.

ماهيّة الموسيقى والغناء

يذكر اللغويون أن الموسيقى هي الصوت الصادر عن ارتعاش أي جسم، وحين تنتظم هذه الارتعاشات في تموّجات منظّمة بتردّدات محددة، تتحول تلك الارتعاشات إلى الموسيقى. وبذلك يُمكن إطلاق لفظ الموسيقى على الأنغام الطبيعية التي تتعامل مع فطرة الإنسان وتنسجم معها، والتي يتداخل فيها تغريد البلابل مع خرير المياه وانسياب النسيم. أما الموسيقى بالمعنى الأخص فهي إصدار مثل هذه الأصوات وغيرها بأسلوب صناعي، بهدف تحريك العواطف والمشاعر وتهييجها وإثارتها، وتحويل مسار العواطف نحو الحزن.. الفرح.. الهدوء.. التأمل.. الاضطراب.. الجنون.. التعقل. إذاً يمكن تحريك العواطف في الاتجاه الطبيعي والسَّليم، ويُمكن تحريكها في الاتجاه غير السليم. وهكذا الأمر بالنسبة للغناء، الذي يتلخَّص في كونه كلاماً بلحن موزون.

في الاتجاه السليم

وفي الاتجاه السليم ـ كما مر ـ أفسحت الجمهورية الإسلامية في المجال لأربعة ألوانٍ من الموسيقى والغناء:

1 ـ الأنغام التراثية، الخاصة بالمقامات والموشحات.

2 ـ الأنغام المحلية، أو الموسيقى الفلكلورية للقوميات والقبائل.

3 ـ الأنغام المؤلّفة من التراث الموسيقى الإيراني والموسيقى الحديثة، وهي خاصة بالأناشيد الإسلامية والثورية والوطنية والعاطفية العامة.

4 ـ الأنغام السمفونية، وهي على غرار الموسيقى الكلاسيكية العالمية.

ورغم أن المسموح ببثّه عبر الإذاعة والتلفزيون وطرحه في الأسواق الإيرانية هو هذه الألوان، إلاّ أن الفقهاء، في الوقت نفسه، تركوا للمكلّف تحديد موقفه الشرعي حيال ما يستمع إليه، ولم يجعلوا بث الموسيقى من الإذاعة والتلفزيون الرسميين ملاكاً للحِلّية. ففي سؤال للإمام الخميني حول جواز الاستماع الى الموسيقى التي يبثها تلفزيون الجمهورية الإسلامية الرسمي، باعتباره يخضع لإشراف الولي الفقيه: «حد جواز الموسيقى، وهل أن تلفزيون الجمهورية الإسلامية حجَّة باعتبار أنه تحت نظر ولاية الفقيه؟»، أجاب «… إن كانت الموسيقى من القسم المطرب المخصوص بمجالس اللهو فهي حرام، وتشخيص الموضوع موكول إلى رأي المكلّف نفسه، ومجرّد بثها من التلفزيون ليس دليلاً على حلِّيتها، فإن كان ما يبث مخصوصاً بمجالس اللهو حُرّم بثّه وحُرّم الاستماع إليه»(1). ولعلَّ هذا أوضح دليل على الموقف الفقهي الحقيقي غير المتساهل للجمهورية الإسلامية حيال الموسيقى والغناء، رغم أن معظم ما يبث من الإذاعة والتلفزيون الإيرانيين لا وجود فيه للإيقاع الراقص والانفعالي والمثير للغرائز المحرَّمة، أو ما لا ينسجم مع النغم الطبيعي الذي تستسيغه الفطرة السليمة، ولكن الفتوى تدور هنا حول بعض النادر والشاذ.

ويمكن القول أن الموسيقى السائدة حالياً في الشارع الإيراني هي الموسيقى التراثية الإيرانية، أو ما يسمّونه بالموسيقى الأصيلة، وهي موسيقى تقليدية توارثتها أجيال الإيرانيين منذ قرون طويلة. والواقع أن هذه الموسيقى كادت تنقرض في عهد الشاه، إذ كانت الموسيقى السائدة، آنذاك، والتي تلقى التشجيع والدعم، هي تلك القائمة على الإيقاع الغربي أو الإيقاع الراقص المثير، بنوعيه: الشرقي والغربي، والمصحوب بالكلمات والأشعار الهابطة والمبتذلة. وكان هدف الإذاعة والتلفزيون والسينما والمؤسسات الفنية والفرق الموسيقية العامة والخاصة حينها، اجتذاب المستعين والمشاهدين وتخريب أذواقهم، في إطار أهداف انحرافية مدروسة، إطارها نشر الفساد والخلاعة والتميّع، فضلاً عن أهداف الكسب التجاريّ. ومع تشجيع المؤسسات الرسمية للموسيقى الغربية المستوردة، إلى جانب الموسيقى الساقطة المنتجة محلياً، عاشت الموسيقى التراثية الإيرانية عزلة واضحة، إلاّ أنها عادت في عهد الجمهورية الإسلامية لتأخذ موقعها الطبيعي، في إطار الأهداف الخاصة للجمهورية الإسلامية والتي سبق الحديث عنها. بيد أنه في السنوات الأولى من عمر الثورة الإسلامية وسنوات الحرب المفروضة كانت الموسيقى الملحمية والأناشيد الثورية هي سيدة الساحة الفنية، وقد أثرت تأثيراً كبيراً في تأجيج العواطف والإسهام في تعبئة الشعب.

وبذلك عاشت الجمهورية الإسلامية واقعها وعصرها ولم تتخلف عنه، حيث استثمرت تطوراته استثماراً مدروساً وفي خطة متكاملة، آخذة بنظر الاعتبار ظرفي الزمان والمكان، والتحصّن بالشريعة الإسلامية، ولم تدخل العصر دخولاً مرتبكاً وفوضوياً، أو منصاعة للشعارات والضغوط والجو الإعلامي السلبي الموجّه ضدها.

الحاجة إلى جهد فقهي

ويبقى أنّ الواقع لا يزال يحتاج إلى جهد فقهي متميز حيال أحكام الفن عموماً، والموسيقى والغناء خصوصاً، لأنها من مسائل الابتلاء بالنسبة للفرد والمجتمع والدولة، بحيث ينتقل هذا الجهد بالبحث الفقهي من إطاره النظري إلى الواقع، أي من فقه النظرية إلى فقه التطبيق، وصولاً إلى التأسيس لفقه ثقافي متكامل ومنفصل عن أبواب الفقه الأخرى، أسوةً بالفقه السياسي أو فقه الاقتصاد، وهي دعوة سبق أن طرحت في مقال سابق(1). وعموماً، فالأحكام الفقهية في الحقول الفنية لا تخرج ـ غالباً ـ عن مجال التنظير الفقهي الذي لا ينطلق من الواقع، وهي كثيراً ما تبقي المكلّف في حيرته، بعد أن يعجز عن تطبيق هذه الأحكام على مصاديقها، لأنها تركت له مساحة فضفاضة ليحدِّد من خلالها موقفه الشرعي، ومنها أنها تركت له ـ على مستوى الموسيقى والغناء مثلاً ـ أن يلتمس مقدار تأثره ويفهم رأي العرف، ثم يكشف عن حقيقة الألحان المحرَّمة ليعرف مصاديقها.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment