المرأة النموذج

Last Updated: 2024/06/18By

المرأة.. النموذج

(كلمة تحرير مجلة الكوثر، 1994)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

 

هل يمكن لامرأة عاشت قبل أربعة عشر قرناً، أن تكون نموذجاً للمرأة في عصرنا؟

وهل يمكن لأسرتها أن تكون نموذجاً للأسرة المسلمة في المجتمعات الجديدة؟

وهل يمكن للدروس التي تُستَخلص من حياة تلك المرأة أن تشكّل حلاً لمعضلات المرأة المعاصرة؟

ثم.. هل يستدعي الاقتداء بهذا النموذج أن نعود إلى الماضي، ونعيش ذلك العصر، فنتقمّص أجواءه ومشاعره ووعيه، ليكون الاقتداء بالنموذج ـ حينها ـ واقعياً؟!

هذه التساؤلات تدور في خَلَدِ المرأة عند البحث عن مثَلٍ أعلى، ونموذج حيٍّ لحياتها، أو عند التفكير بجدوى البحث عن مثلٍ أعلى..

ولسنا هنا بصدد الحديث عن أهمية وجود مثل أعلى، أو مرجعية إنسانية واجتماعية، وأخلاقية للإنسان، سواء أكانت هذه المرجعية تاريخيّة، أو معاصرة، فالإسلام أوضح ـ من خلال النّصوص المقدسة ـ رأيه في الموضوع، حين أكّد على وجود الأسوة، الصالحة لكلّ الأزمان.

فعلى مستوى المرأة ـ مثلاً ـ يقول الرسول الأعظم محمد(ص) مخاطباً ابنته الزهراء(ع): «يا فاطمة ألا ترضين أنْ تكوني سيدة نساء العالمين وسيّدة نساء هذه الأمة وسيّدة نساء المؤمنين». فالرسول(ص) يشير هنا إلى حقيقتين؛ الأولى تتمثّل في وجود مثل أعلى ثابت للنساء المؤمنات، والثانية إنّ هذا المثل الأعلى ليس إلاّ فاطمة(ع)..

اقتداء المرأة بالنموذج الذي أراده الإسلام لها، تتأكّد أهميته وضرورته يوماً بعد آخر، وخاصة في هذه المرحلة، التي ينتشر فيها نور الصحوة الإسلاميّة، وتعلو بشائر العودة الشاملة إلى الإسلام، وتشتد ـ في المقابل ـ الهجمة الغربية المعادية على مختلف الصُعد، ولا سيما الصعيد الاجتماعي، حيث تحاول التيارات الغربيّة والمتغرّبة في المجتمعات الإسلاميّة، فرض نماذجها الوضعية في مجالي الأسرة والمرأة. وتتلّخص هذه النماذج في المرأة التي تناست نفسها، وفقدت هويتها وشخصيتها الحقيقية، وضاعت في متاهات الانحراف الفكري والاجتماعي في حين أنّ تلك التيارات تفتقد ـ بالأساس ـ إلى النموذج الحقيقي المقبول، فتحاول نقل معاناتها النفسية، وتجاربها الاجتماعية الفاشلة إلى مجتمعاتنا، لتكون جزءاً منها! وإذا نجحت في ذلك فقد حققت مقدّمة أساسيّة في الهيمنة الحضاريّة على أمتنا.

وعلى مستوى التطبيق، فإن النماذج الوافدة، أو النماذج التي تُصنّع محلّياً في إطار مناهج متغرّبة، والتي تُطرَح كمُثل عليا للمرأة، لا تعدو أن تكون: (فنانات!) يتاجرن بشخصية المرأة، أو سياسيات يمارسن اللّعبة نفسها ولكن على ساحة أوسع، أو ما شاكل ذلك.

والمؤسف أنّ موجات التّغريب، والغزو الثقافي ـ التي لا زالت تستهدف مجتمعاتنا ـ حققّت الكثير من أهدافها، من خلال التركيز على قطاع المرأة أكثر من غيره (تحت شعار: المرأة قبل أيّ شيء)، لوعيها أن في حرف المرأة حرفاً للمجتمع، وتصديعاً لبناء الإسلامية، فضلاً عن الإنسانية.

وإيقاف هذه الموجات عند حدودها، وتفتيتها، وطبع النموذج الحقيقي في عقول المسلمات وقلوبهن، يتطلب جهوداً مكثّفة ومتظافرة على مختلف المستويات. (سنخصص لهذا الموضوع حديثاً آخر إن شاء اللَّه).

إنّ العودة إلى النموذج الذي طرحه الإسلام قبل ما يقرب من 1400 عام، هي عودة إلى الأصول المقدّسة، وإلى المرجعيّة التي أمرنا اللَّه تعالى بإتّباعها، وليست عودة زمنية إلى الماضي، والتّشبث به، لعدم وجود نموذج عصري! إنّها عودة سلوكيّة وروحيّة إلى فاطمة الزهراء(ع)، لاستئناف الاقتداء بها، وإخضاع الواقع لها، بصرة تنسجم وعملية استيعاب الشريعة الإسلامية للمجتمع استيعاباً كاملاً.

وقد يكون ضرورياً الإشارة هنا إلى أنّ التأسّي بالمرأة.. النموذج، لا يعدّ جزءاً من عملية استثمار التّراث، ففاطمة الزهراء(ع) ـ كالأصول ـ ليست جزءاً من التراث أو الماضي، بل هي نموذج حي وخالد للماضي، والحاضر، والمستقبل.

فكم هي عظيمة هذه المرأة، التي قال عنها خاتم المرسلين: «فاطمة بضعة منّي»، واللَّه ليغضب لغضبها، كما في قوله: «يا فاطمة إن اللَّه ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك». وكم هي وفيّة لدينها، وإنسانيتها؛ المرأة التي تقتدي ببضعة رسول اللَّه(ص)، فتكتسب العظمة من سيدتها.. سيدة نساء الأمة وبعد ذلك هل يجدي البحث عن نموذج آخر (عصري كما يقولون!).

ومن أبرز مداخل الاقتداء بالمرأة.. النموذج، معرفة خصائصها وسيرة حياتها، لكي يكون الاقتداء سلوكياً متكاملاً، أي: عملاً يكمّل المعرفة. وأساس هذه الخصائص، الإيمان المطلق بوحدانيّة اللَّه، وما جاءت به رسله وأنبياؤه(ع). ولكي نُخضِع واقعنا لهذه الحقيقة، ونُبقي النموذج الذي أراده اللَّه تعالى للمرأة المسلمة ماثلاً في العقل والقلب، لا بدّ أن يبقى فهمنا له متجدّداً، وواعياً للتحوّلات التي يفرضها الزمن على مستوى المعرفة والثقافة والفكر.

رئيس التحرير

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment