العالم «قرية» العالم «بيت»!

Last Updated: 2024/06/18By

العالم «قرية» العالم «بيت»!

(افتتاحية مجلة اتجاهات مستقبلية، العدد الرابع، 1999م)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

حين أطلق عالم الاجتماع الكندي «ماك موهان» اصطلاح «القرية العالمية» في نهاية الستينات، كان القليلون يدركون عمق نظرته المستقبلية، فقد وجد موهان أن ثورة الاتصالات أو الثورة التي أحدثها علم وسائل الاتصال، سواء ما يتعلق بتكنولوجيا الإعلام والدعاية أو تكنولوجيا الاتصالات، ستحوِّل هذا العالم إلى قرية واحدة؛ بالنظر لانعدام حدود الزمان والمكان بين مكونات ومفردات العالم.

وبغض النظر عن الأهداف التي يضمرها أو يعلنها هذا المفهوم، ولا سيما ما يتعلق بتوحيد الفضاء الثقافي لهذه القرية وهيمنة ثقافة الأقوياء (أصحاب تكنولوجيا الإعلام والاتصالات) على سكان القرية الآخرين (شعوب العالم) فإن قاعدة هذا المفهوم ترتبط بالمجال التقاني للقرية، وهو مجال تطوّر بسرعة هائلة في عقدي الثمانينات والتسعينات، حتى أصبحت نبوءة موهان واقعاً قائماً، وإن رفضنا ـ ومعنا معظم أمم الأرض ـ الأهداف الاستكبارية والتسلطية والايديولوجية لهذا الواقع، الذي يسعى لجعل أصحاب رأس المال ومالكي التكنولوجيا بمختلف ألوانها سادة لهذه القرية، وباقي سكانها أتباعاً لتأثيرات أولئك الأسياد الأقوياء.

إنه واقع مرعب حقاً! سنبقى نتعامل معه بردود الفعل؛ لأننا كمسلمين لا نمتلك الفعل الذي يسمح لنا بامتلاك رؤية عن المستقبل، بل ورؤية عن الحاضر وما ستسفر عنه معطيات الحاضر من مستقبل ضبابي؛ بل ولا نمتلك الأدوات الفاعلة التي تجعلنا بمعزل عن تأثيرات مفهوم «القرية العالمية»؛ لأن العزلة في هذه القرية أمر مستحيل، فسكانها واقعون تحت طائلة التأثير والتأثّر المتبادلين. ولا ندري هل نقول لحسن الخط أم لسوء الخط! إن هذا الواقع في طريقه إلى الزوال، ولن يدم أكثر من عقدين (العشرين عاماً القادمة)، إذ ستتحول «القرية العالمية» إلى «بيت عالمي» بحلول عام 2025م، وهو المشهد (السيناريو) الذي شرع مركز دراسات المستقبل الإسلامي باستشرافه في إطار دراساته المستقبلية.

سيحتوي «البيت العالمي» على مجموعة كبيرة من الغرف والصالات، متباينة في حجمها وتأثيثها وإمكاناتها، يجلس كل شعب (فيما لو حافظ اصطلاح الشعب والأمة على مفهومه) في غرفة شبه مستقلة (الاستقلال في الحدود الجغرافية فقط)، ليس لهذه الغرف أبواب، يزيد ارتفاع جدرانها عن متر واحد فقط.

الأقوياء (أصحاب رؤوس الأموال والتكنولوجيا) هم أسياد البيت، ويعيشون في صالات فارهة مجهزة بكل وسائل الراحة والرفاه، والضعفاء (معظم سكان البيت) يعيشون حالات متباينة، فقسم منهم يعيشون كالأشباح في الكهوف وآخرون في رفاه نسبي، لكنه ظاهري، إذ إن جميع الضعفاء يشتركون في عدم القدرة على تحريك رأس المال إلاّ بإرادة الأقوياء، وعدم القدرة على امتلاك التكنولوجيا المتطورة التي تجعلهم متساوين في التأثير مع الأقوياء.

وبما أن جميع سكان البيت يعيشون تحت وطأة التأثير والتأثر المتبادلين، فأن التأثير الحقيقي سيكون للأقوياء (الأسياد)، رغم أن سكان كل غرفة يسمعون حتى همس سكان الغرف الأخرى، ويرون كل حركة داخلها.

وسنفصِّل الحديث عن هذا المشهد المخيف (البيت العالمي) في مجلة «المستقبلية» التي سيصدر عددها الأول خلال الشهر القادم إن شاء الله، وفي كتاب «المستقبلية الإسلامية: الفكرة.. الآلية» أيضاً.

ويهمنا هنا أن نطرح التساؤلات التالية: ما الذي أعددناه لمواجهة هذا المشهد؟ وأين موقعنا في معادلة التأثير والتأثر المتبادلين؟ وما هو مصير هويتنا ودورنا الحضاري؟ وكيف سنحافظ على أمتنا التي نطمح أن تكون عائلة واحدة تسكن غرفة واحدة!

إنها ليست رواية من روايات جول فيرن، ولا نبوءة من نبوءات نوسترداموس، إنها المصير الذي ستفرزه معطيات الحاضر كحقائق مستقبلية في إطار المعادلات التي تقررها الدراسات المستقبلية بصيغتها العلمية، فضلاً عن استخدام معادلات فلسفة التاريخ والسنن الإلهية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment