الحركة الإسلامية وإرهاصات الوعي

Last Updated: 2024/06/13By

الحركة الإسلامية وإرهاصات الوعي

(جريدة الجهاد، العدد 604، 26 تموز 1993)

لم يحظ توثيق الحركة الإسلامية في العراق وتاريخها بالاهتمام الكافي من لدن الباحثين الا نزراً يسيرة مما كتبه أو تحدث به (باقتضاب) بعض الرواد، وهذا بدوره ينتقد المنهجية اللازمة لهكذا تجربة غنية لم تقتصر في عطائها أو تأثيرها في كلتا حالتي النمو والانكماش على العراق فحسب، وإنما كانت الحركة الاسلامية في العراق سباقة ورائدة في تجذير الحالة الاسلإمية في عموم الوطن الإسلامی، بحيث يعبر أحد رواد الحركة الإسلامية عن الحالة الإسلامية في لبنان بأنها تتلمذت على الحالة الاسلامية في العراق _حسب تعبير آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين_.

في كتابه الموسوم (سنوات الجمر) يحاول الزميل الاستاذ علي المؤمن أن يغطي مساحة من هذا الفراغ، فيختار مقطعا زمنيا بين عام 1957 وعام ۱۹۸٦ ليوثق فيه بزوغ ونمو الحركة الإسلامية، حيث شهد عام ۱۹5۷ حدثا غاية في الأهمية أسدل الستار على المرحلة القلقة للحركة الاسلامية والتي اعقبت ثورة العشرين، حاملا معه الارهاصات الأولى لعملية التغيير السياسي الذي شهده العراق عام ۱۹5۸. أما عام ۱۹۸۹، فهو العام الثلاثون من عمر الحركة الاسلامية.

يتتبع المؤلف نضج الرعي الإسلامي في العراق منذ بداياته مسجلا في صفحات دراسته القيمة مراحل التطور والترشيد التي امتازت بها حركة الإسلاميين في العراق، حيث برزت النزعة نحو التنظيم الإسلامي في أواسط العقد الرابع وبدايات العقد الخامس، إلا أن الجماعات التي نشأت كانت في معظمها تمثل امتدادا للحركات الإسلامية التي ظهرت في بلدان أخرى من العالمي الإسلامي كجماعة الأخوان المسلمين التي تأسست عام 1928 في مصر على يد الشهيد حسن البنا، وحزب التحرير الإسلامي الذي تأسس عام 1952 في القدس على يد الشيخ محمد تقي النهباني.

كما شهدت الساحة الاسلامية في عراق أيضا تأسيس جماعات إسلامية أخرى كحركة الشباب المسلم التي تأسست عام 1953 على يد الشيخ عز الدين الجزائري في النجف الأشرف ومارست نشاطها الفكري والثقافي بشكل محدود، ثم ما لبثت أن تعرضت للانشقاق حيث انفصل أحد قادتها وهو محسن صالح الحسيني مع جماعته وبقي يعمل تحت نفس الاسم، الأمر الذي حدا بمؤسس الحركة أن يتخلى عن التسمية ويؤسس جماعة جديدة عام 1957 تحت اسم منظمة العقائديين المسلمين. وكذلك فقد أسست مجموعة من الشباب الإسلامي في النجف الأشرف تجمعا للتثقيف والتوعية عام 1957 تحت اسم شباب العقيدة والإيمان.

وهكذا يبدو واضحا النزوع نحو قيام الحزب الإسلامي وسط جو مشحون بالتيارات والأفكار الوضعية الوافدة ونشاط محموم للحركات والأحزاب العلمانية، وفي وقت لم تكن الوجودات الإسلامية المحدودة في العراق كامتدادات الإخوان أو التحريريين والشباب المسلم أو العقائديين قادرة على القيام بمهمة تبني عملية التغيير الشاملة في كيان الأمة لانتشالها من الوضع الجاهلي الذي كانت الاتجاهات غير الإسلامية تدفع الأمة إلى الانحدار فيه.

فحمل هذا الهم الكبير عدد من علماء الدين والمثقفين الإسلاميين ليتبنوا أسلوب العمل التغييري المنظم الشامل بعد دراسة دقيقة لنظرية العمل الإسلامي، ولتاریخ الأمة الإسلامية عموما والعراق خصوصا وتجارب الشعوب وحركات المصلحین والوجودات الإسلامية السياسية السابقة، فانبثقت فكرة قيام الحزب الإسلامي الذي يلبي حاجة الساحة بشمولية فولد حزب الدعوة الإسلامية عام ۱۹5۷ بعد مخاض عسير، استمر فترة طويلة، وكان رائد هذا العمل الإمام الشهيد محمد باقر الصدر (رض).

ولم يكن تأسيس الدعوة الإسلامية رد فعل على مجريات الأحداث والوضع الذي افرزه انقلاب 14 تموز أو المد الشيوعي _كما هو التصور السائد_ أو ليكون حزبا في مقابل الأحزاب الأخرى، حيث اعتبر مؤسسوه إنه ضرورة بعيدة المدى، فوضعوا له أهدافا أساسية، بعيدا عن الأجواء الانفعالية والمؤثرات الآنية.

ويعتقد الكثيرون أن تأسیس الدعوة الإسلامية، وبخاصة فيما يتعلق بالإمام الشهيد الصدر (رض) يعبر عن مدى كبير من النضج الفكري والسياسي ولا سيما إذا تلمسنا الأجواء الداخلية الخانقة التي كان يعيشها الوسط الديني بحيث کانت الاتجاهات التقليدية المحافظة ترى التدخل بأمور السياسة من قبل العلماء والمتدينيين خطا أحمر يصل الى حد الحرمة، بل أن العديد من هؤلاء التقليديين كان يصرح بضلال من يسعى إلى استلام السلطة.

إن أول قضية طرحت على طاولة البحث قبل التأسيس كانت هي مشروع قیام الحكومة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي (ع): فكتب الشهيد الصدر (رض) دراسة فقهية أثبت فيها شرعية قيام النظام الإسلامي في عصر الغيبة. وكانت هذه الدراسة الفقهية أول نشرة حزبية تتبناها الدعوة الإسلامية.

لقد أرسى الشهيد الصدر (رض) القواعد الفكرية والأسس التنظيمية للحزب الإسلامي، وحدد مساره الحرکي، وکان ضمن نواته التنظيمية الأولی، وهو (رض) الذي اختار له اسم “الدعوة الإسلامية”.

أن تتبع کتاب (سنوات الجمر) الذي کتب بدقة وموضوعية وأمانة تاريخية صادقة وروح منفتحة همها إثبات الحقائق الناصعة، إن تتبع الكتاب ينبئ عن حجم الدور الذي مارسه حزب الدعوة الإسلامية وهو الذراع القوي الذي كانت المرجعية الدينيه تستند إليه عملية تغيير الأمة وتوجيهها نحو الإسلام.

إن مما يسجل أيضا للبحث والباحث هذا الجهد الكبير المبذول في البحث والتنقيب على قلة المصادر في مجال توثيق التحرك الإسلامي في العراق، وذلك إنما يعبر عن سعي دؤوب لرصد الواقع التاريخي للحرکة الإسلامية بما يحفظ للأجيال تراثها الثر کتجارب رائدة في الصراع المستمر بين الإسلام والجاهلية بمختلف أشكالها.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment