الجمهورية الاسلامية الايرانية وقضية الوحدة الاسلامية

Last Updated: 2024/05/30By

الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقضية الوحدة الإسلامية:

الموقف العملي

د. علي المؤمن

في أواخر السبعينات من القرن الميلادي الماضي فرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها على النظام العالمي وخارطته السياسية، قوة جديدة مستقلة مؤثرة في محيطها الإقليمي والإسلامي، بحيث شكّلت أحد أهم ممهدات انهيار النظام العالمي، بعد أن اخترقت معادلاته، وغيرت في ترتيب خارطته السياسية.

ومقابل البديل الحضاري النموذجي الذي طرحته الجمهورية الإسلامية، والنهوض الإسلامي العام المضاد لكل أشكال الاستعمار والمرتبطين به، أعاد الاستعمار حساباته، ورسم مخططات جديدة اعتقد أنها تنسجم مع طبيعة الحضور الإسلامي الجديد، بهدف إحباطه واحتوائه، ومن ثم اقتلاعه من جذوره. وكان المخطط الاستعماري لمواجهة المشروع الحضاري الإسلامي، من القوة والشمول، بحيث توقع الجميع سقوط الجمهورية الإسلامية يوماً قبل آخر. فبرغم أن انتصار الثورة الإسلامية وثباتها كان- بذاته- لوناً من الإعجاز، اكبر أهمية وحجماً، إذ بقيت مستهدفة في وجودها بصورة يومية، ومن قبل اتجاهات متنوعة النوايا والجنسيات، وكان من شأن كل تحد- بمفرده – الإطاحة بها.

وكانت تبعات المسألة الطائفية أو إثارة الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة من أهم التحديات التي واجهة الجمهورية الإسلامية.

وقد أسميت هذا التحدي بـ “الغزو الطائفي” في كتابي الذي يحمل العنوان نفسه أسوة بأشكال الغزو الأخرى، كالغزو العسكري والغزو الثقافي، ولم يكن الغزو الطائفي أقل منهما شراسة وخطورة.

والحقيقة أن الجمهورية الإسلامية ورثت تركة ثقيلة من الصراعات الطائفية المزمنة التي يعود تاريخها إلى عصر صدر الإسلام. ومهمة تنقية هذه التركة المهمة ليست صعبة فحسب، بل تكاد تكون مستحيلة؛ لأن أية دولة، مهما كان حجم حضورها المعنوي وإمكانياتها المادية، لا يمكنها حل إشكاليات وخلافات معقدة عمرها أكثر من 1400 عام.

فالجمهورية الإسلامية انسجمت في تحركها لمعالجة المسألة الطائفية مع واقعها وإمكانياتها في مختلف المجالات، ومع وقائع المسألة الطائفية نفسها.

وهذا الأمر يمثل تحدّ كبير لا يزال يواجهها. وهو يشمل- بالطبع- جميع ميادين الواقع الذي تتحرك فيه الجمهورية الإسلامية، كالسياسة والاقتصاد، والعلاقات الخارجية، ومشكلة ما يسمى بالأقليات القومية والمذهبية. هذه القضايا بقيت عالقة طوال مئات السنين ولها جذور في أعماق التاريخ. حيث أن الجمهورية الإسلامية تعد تجربة جديدة على المستويين التاريخي والجغرافي وتواجهها تحديات صعبة لم تواجه- من قبل- أي من الدول الإسلامية.

الإمام الخميني- المؤسس

كما كان الإمام الخميني متفرداً في آرائه التغييرية والثورية، وحسمه في تطبيقها، ومستوى إنجازاته في جميع مراحل حركته، فإنه كان متفرداً- أيضاً- في موقفه من الوحدة الإسلامية، على المستويين النظري والعملي. فقد أسس مدرسة جديدة في الوحدة الإسلامية، استنبط مبادئها من مبادئ القرآن الكريم والسنة الشريفة وسيرة الصالحين، ثم حمل هذه المبادئ موقفاً عملياً ظل يدافع عنه طيلة حياته. ومن خلال هذه المدرسة، نرى أن الإمام الخميني ينظر للوحدة الإسلامية في إطار دائرتين متداخلتين ومتكاملتين:

  • وحدة المسلمين في إيران، بمختلف قومياتهم ومذاهبهم.
  • وحدة المسلمين في العالم، بمختلف قومياتهم ومذاهبهم.

ويعتبر الإمام الخميني الوحدة قدر المسلمين، ورهانهم الأول والأخير في مواجهة مختلف أنواع التحديات، فلم يكن ينظر إليها على أنها همٌ ثانوي، أو قضية خاضعة لظروف الزمان أو المصلحة، أو إنها قضية دعائية أو عاطفية، تحركها الكلمات والشعارات والأحداث الآنية.

الوحدة الإسلامية في منظار الإمام وحدة شاملة، تبدأ بتفاعل العواطف وحسن الظن وإخلاص النوايا، وتمر عبر التقارب المذهبي والتكامل الاقتصادي والتضامن السياسي، وتنتهي بالمسلمين أمّة واحدة، معتصمة بحبل الله، وإن تعددت قومياتها وفرقها العقائدية ومذاهبها الفقهية  وتباعدت بلدانها وفصلت بينها حدود الجغرافيا السياسية. إذ إنّ العالمية الإسلامية التي طرحها الإمام الخميني أعطت لهذه التعددية أفضل (الوصفات) الإسلامية؛ لأنها تتجاوز بقوتها المعنوية كل الآراء- الفقهية والعوائق من حدود وأعراق. والعالمية الإسلامية هي الأساس الذي قامت عليه الثورة الإسلامية في إيران، ثم انطلقت الجمهورية الإسلامية من خلالها لتتبنى قضايا المسلمين. فلم يلاحظ المراقبون أن الإمام الخميني وجمهوريته دافعاً عن قضايا الشيعة دون السنّة، أو الفرس دون العرب، أو الإيرانيين دون الأفغانيين، بل شملهم جميعاً بدعوته، وكما أراد الإسلام الذي جاء للناس كافة.

وفي بداية انطلاق الثورة الإسلامية خلال عام 1978، سأله بعض الصحفيين عن حقيقة الخلاف المزعوم بين السنّة والشيعة في إيران، فقال الإمام الخميني: “هذه شائعات نكذبها بشدة، إنها صوت يخرج من أبواق الشاه، فليس في إيران ما يسمى بالخلاف السنّي- الشيعي… وفي نداء وجّهته إلى إخواننا السنّة شكرت فيه نضالهم ضد الشاه. السنّة هم إخواننا وسوف يبقون هكذا”. كما كان الإمام الخميني يوصي الأمة الثائرة في إيران، حين كان في النجف أو عند انتقاله إلى باريس أو عند عودته إلى طهران، بأن يطرحوا شعارات إسلامية صرفة، يدعون فيها للوحدة الإسلامية، وأن يقولوا: “ثورة إسلامية، لا شيعية ولا سنّية”. حتى وصل الأمر حينها إلى ذوبان الخلافات المذهبية، ومبادرة وفود أهل السنّة إلى مبايعة الإمام.

ثم جاء دستور الجمهورية الإسلامية، ليضع حجر أساس آخر في بناء الوحدة الإسلامية، على العكس ما تصوره بعض المهتمين، فالنظرية السياسية الإسلامية التي طرحها الإمام الخميني، وبلورها- قانونياً- في الدستور، تمكنت من التقريب بين أشهر آراء فقهاء الشيعة وأشهر آراء فقهاء السنة في خطوطهما العامة، من خلال بناء نظام الحكم على محور ولاية الفقيه- والتقريب- في ممارسة الحكومة لسلطاتها- بين نظريتي ولاية الفقيه والشورى.

وبعد الضجة التي أثيرت حيال بعض مواد الدستور التي جاءت لحسم مشكلة تعدد الآراء الفقهية في كثير من المسائل الشرعية التي يُفترض توحيد الموقف الشرعي فيها، كما في مادة المذهب الرسمي (المادة 13 من الدستور)، وما قيل بأن هذه المواد تقسم المجتمع المسلم إلى طوائف ومذاهب، أعلن الإمام الخميني: “إن طرح مسألة تقسيم المسلمين إلى سنّي وشيعي وحنفي وحنبلي وإخباري لا معنى لها أساساً. المجتمع الذي يريد أفراده جميعاً خدمة الإسلام والعيش تحت ظلال الإسلام لا ينبغي أن يثير هذه المسائل، كلّنا إخوة، وكلنا نعيش قلباً واحداً، غاية الأمر أن الحنفي يعمل بفتوى علمائه، وهكذا الشافعي، وثمة مجموعة أخرى هي الشيعة تعمل بفتاوى الإمام الصادق، وهذا لا يسوّغ وجود الاختلاف، فلا ينبغي أن نختلف مع بعضنا، أو أن يكون بيننا تناقض، كلّنا إخوة. على الإخوة الشيعة والسنّة اجتناب كل اختلاف. فالاختلاف بيننا اليوم هو لصالح الذين لا يؤمنون بالسنّة ولا بالشيعة ولا بالمذهب الحنفي ولا بسائر الفرق الإسلامية. وهؤلاء يريدون القضاء على هذا وذاك، فهدفهم بث الفرقة بينكم”.

ويعلق المفكر المسلم (الهندي الأصل) الدكتور كليم صديقي على هذه المواقف بقوله بأن الإمام الخميني “لم يخاطب السنّيين لكي ينضموا إلى الشيعة، بل فعل العكس من ذلك”. وحين نتأمل في أقوال الإمام ومواقفه نعثر على كثير من المصاديق في هذا المجال. فمثلاً في الحكم الشرعي الذي أصدره الإمام إلى جميع الشيعة في العالم، بمناسبة موسم الحج لعام 1399هـ (1979)، يقول: “على الإخوة الإيرانيين وجميع الشيعة في العالم تجنب الأعمال التي تؤدي إلى تَفرّق صفوف المسلمين، وعليهم أن يشتركوا في جماعات أهل السنّة، وأن يتجنّبوا عقد صلاة الجماعة في البيوت، ونصب مكبرات الصوت دون نظام، وإلقاء النفس على القبور، والأعمال المخالفة للشرع”. يُجزي ويلزم في الموقفين العمل وفق أحكام قضاء أهل السنّة حتى ولو حدث القطع بخلاف ذلك”. وهذا الحكم فريد من نوعه، ولم يسبقه فيه أي فقيه شيعي، كما لا توجد فتوى مثيلة في المقابل لأي فقيه سنّي، لا سيما إذا عرفنا بأن الحكم الشرعي – لدى الشيعة- لا يختص بمقلّدي الفقيه فقط.

والحقيقة أن الإمام الخميني لم يطلب يوماً من الشيعة أن ينضموا إلى السنّة، ولا أن ينضم السنّة إلى الشيعة، بل كان قريباً من الواقع وعارفاً بمتطلباته وحيثياته وتعقيداته. كما لم يطلب يوماً من المسلمين أن يتبعوا مذهباً فقهياً واحداً فقط، بل إن مدرسته في الوحدة الإسلامية تحترم المذاهب الفقهية الإسلامية جميعاً، ولا ترى ضيراً من تعددها، على اعتبار أن معظم تلك المذاهب قد تأسس وفق اجتهادات مؤسسيها وعلمائها، وهذه الاجتهادات لا يمكن أن تذوب في بعضها وتتوحد.

وكان الإمام يقابل جميع المشاريع والدعوات والتحريضات الطائفية، بمزيد من الإصرار على مشروعه الإسلامي الوحدوي، على العكس مما تهدف إليه تلك الدعوات والتحريضات، والتي كانت تأمل أن يقابلها الإمام الخميني بالمثل؛ لكي تنجح في مراميها، في حين كان الإمام يعمل على إحباطها بهدوء قبل أن تحقق أهدافها، فمثلاً في خضم تصاعد عدوان النظام العراقي ضد الدولة الإسلامية في عام 1980، أصدر الإمام الخميني بياناً- بالغ التعبير عن تلك الحقيقة- إلى حجاج بيت الله الحرام (لموسم عام 1400هـ) قال فيه: “هناك ما هو أخطر من النعرات القومية وأسوأ منها، وهو خلق الخلافات بين أهل السنّة والشيعة، ونشر الأكاذيب المثيرة للفتن والعداء بين الإخوة المسلمين. وفي إطار الثورة الإسلامية، لا يوجد- ولله الحمد- أي اختلاف بين الطائفتين، فالجميع يعيشون معاً متآخين متحابين. أهل السنّة المنتشرون بكثرة في إيران والقاطنون مع العدد الكبير من علمائهم ومشايخهم في أطراف البلاد وأكنافها، متآخون معنا، ونحن متآخون ومتساوون معهم، وهم يعارضون تلك النغمات المنافقة التي يعزفها بعض الجناة المرتبطين بالصهيونية وأمريكا. وليعلم الإخوة أهل السنّة في جميع البلدان الإسلامية، أن المأجورين المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى يستهدفون خير الإسلام والمسلمين، وعلى المسلمين أن يتبرأوا منهم ويُعرضوا عن إشاعاتهم المنافقة. إنني أمدّ يد الأخوة إلى جميع المسلمين الملتزمين في العالم، وأطلب منهم أن ينظروا إلى الشيعة باعتبارهم إخوة أعزاء لهم، وبذلك نشترك جميعاً في إحباط هذه المخططات المشؤومة.

وبدأت الجمهورية الإسلامية، بتوجيه من الإمام الخميني، بعقد العديد من المؤتمرات العالمية في كلّ سَنة (ولا زال قسم منها مستمراً في الانعقاد الدوري حتى الآن) بهدف تدارس قضايا الأمة الإسلامية على مختلف الصعد، والتقريب بين أبنائها. وإيجاد جوّ من الوئام والتضامن بين المسلمين. ومن أهمها:

  • مؤتمرات واحتفالات “أسبوع الوحدة” في إيران وأنحاء مختلف من العالم، والتي تعقد سنوياً بمناسبة المولد النبوي الشريف، في الفترة من (12-17) ربيع الأول، وأهمها المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية.
  • المؤتمر العالمي للفكر الإسلامي، والذي كان (قبل توقفه عن الانعقاد عام 1991) يعقد في طهران في أوائل شباط من كل سَنة، ويحضره مئات العلماء والمفكرين (السُنة والشيعة) من جميع أنحاء العالم.
  • المؤتمر العالمي لنهج البلاغة الذي كان يعقد سنوياً في طهران.
  • مؤتمرات واحتفالات “عشرة الفجر”، التي تعقد في إيران وأنحاء مختلفة من العالم بمناسبة انتصار الثورة، وتستمر من (2-11) شباط.
  • المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعة، ويعقد في طهران عادة.
  • المسابقات الدولية للقرآن الكريم، وتعقد في طهران سنوياً.

موقف الإمام الخامنئي

الإمام الخامنئي أحد أبرز خريجي مدرسة الإمام الخميني، وأحد أقرب تلامذته إليه، وهو امتداده العلمي والفكري والسياسي والعرفاني.

ومن هنا عمل الإمام الخامنئي، قبل انتصار الثورة الإسلامية وبعدها، وحين كان رئيساً للجمهورية، بعد انتخابه للقيادة، من أجل قضية الوحدة الإسلامية كاستمرار لحركة الإمام الخميني وتطبيقاً لمبادئها، فقبل انتصار الثورة الإسلامية كان للسيد علي الخامنئي علاقات وطيدة بعلماء أهل السنّة من خارج إيران.

ومن خطواته في تلك الفترة ترجمة تفسير في (ظلال القرآن) لسيّد قطب، إلى الفارسية. وإذا اختصرنا المسافات، لنقف على طبيعة الموقف العلمي للإمام وإذا اختصرنا المسافات، لنقف على طبيعة الموقف العلمي للإمام الخامنئي من الوحدة الإسلامية بعد تسلمه منصب القيادة، فسنرى تركيزاً على الاهتمام بقضايا المسلمين ومن ذلك أنه نسب ممثلين عنه مفوضين في معالجة هذه القضايا، كالبوسنة والعراق وأفغانستان وفلسطين- مثلاً- كما عمل على تعبئة الأمّة تجاه هذه القضايا، وقضايا الوحدة الإسلامية الأخرى. وهو يؤكد عليها في مختلف المناسبات، لا سيما في المناسبات المخصصة لموضوع الوحدة الإسلامية، كأسبوع الوحدة، ومؤتمرات الوحدة والتقريب. وقد بادر الإمام الخامنئي إلى تأسيس “المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية” في أواخر عام 1990، بعد أن أعلن عن مشروعه خلال أسبوع الوحدة المصادف للعام 1989، وذلك بهدف جعله محوراً مؤسساتياً لمشروع الوحدة، وخاصة على صعيد التقارب العلمي (العلوم الشرعية وفي مقدمتها الحديث والفقه).

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب:

بعد إعلان الجمهورية الإسلامية عن أسبوع الوحدة (12-17 ربيع الأول) خلال عام 1983، أخذت ندوات الوحدة والتقريب (العالمية والمحلية) تعقد كل عام في مختلف المدن الإيرانية، لا سيما طهران وزاهدان وباختران وسنندج ومهاباد. كما بادرت كثير من المؤسسات والجماعات الإسلامية، وخاصة في إفريقيا وشرق آسيا، الى عقد ندوات ومؤتمرات مماثلة في إطار الأهداف ذاتها. ثم تبلورت مؤتمرات الوحدة في الجمهورية الإسلامية في المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية، الذي كانت ترعاه منظمة الإعلام الإسلامي حتى المؤتمر الرابع. فخلال هذا المؤتمر الذي عقد في طهران عام 1990، تم الإعلان عن قرار الإمام الخامنئي بتشكيل «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية»، والذي تتخلص أهدافه بما يلي:

  1. السعي في سبيل تحقيق تعارف وتفاهم أكبر بين العلماء والمفكرين والقادة الدينيين للعالم الإسلامي في المجالات العقائدية والفقهية والاجتماعية والسياسية.
  2. السعي لإيجاد التنسيق وتشكيل جبهة واحدة على أساس المبادئ الإسلامية الثابتة، وذلك في مواجهة التآمر الإعلامي والهجوم الثقافي لأعداء الإسلام.
  3. العمل على إشاعة فكر (التقريب) بين الجماهير الإسلامية، وتوعيتها وتعريفها بأنماط التآمر التمزيقي المعادي.
  4. السعي لتحكيم وإشاعة مبدأ الاجتهاد والاستنباط في المذاهب الإسلامية.
  5. السعي في سبيل الوصول إلى آراء فقهية مشتركة في المسائل التي تطرح نفسها في العالم الإسلامي.

أما أهم أساليب عمله، فهو تشكيل لجان عملية من مختلف علماء المذاهب الإسلامية، للقيام بالبحوث والدراسات العلمية في نقاط الالتقاء ونقاط الافتراق بين المذاهب، وبذل المساعي لحل المشكلات الفقهية والكلامية والعرفانية، والتنسيق بين النظام الحوزي والنظام الجامعي، ولدراسة المذاهب الإسلامية على نطاق أوسع. علماً بأن المذاهب التي يتشكل منها المجمع، هي: الشافعية، الحنفية، المالكية، الحنبلية، الإمامية، الزيدية، الأباضية، على أن تدرس المذاهب الإسلامية الأخرى ليتم تحديد الموقف منها.

وعلى مستوى الهيكل التنظيمي للمجتمع، فإنه يتشكل من: رئيس المجلس الأعلى مكوّن من (21) شخصية إسلامية (سنيّة وشيعية)، والأمين العام، والجمعية العامة. وتوزعت انتماءات أعضاء المجلس الأعلى ـ في دورته الأولى ـ إلى أحد عشر بلداً إسلامياً، وهم من الشخصيات العلمية والفكرية والاجتماعية البارزة. أما الجمعية العامة فيتم اختيار أعضائها من قبل المجلس الأعلى، وروعي في ذلك التوزيع الجغرافي والمذهبي للأعضاء لإتاحة الفرصة لجميع المذاهب الإسلامية بالتمثيل في الجمعية العامة بأعضاء من مختلف البلدان الإسلامية. ويضم المجمع أيضاً عدداً من المكاتب التنفيذية: إحداها لشؤون الثقافية والآخر للشؤون الخارجية، مهمته بناء أفضل العلاقات مع أتباع المذاهب الإسلامية، والثالث للشؤون الداخلية، وله المهمة نفسها على مستوى الجمهورية الإسلامية.

وقد أنشأ المجمع جامعة عالمية تحت اسم «جامعة المذاهب الإسلامية» مركزها طهران، ومركزاً للتحقيق في المسائل الفقهية الحديثية المشتركة والمختلفة فيما بين المذاهب الإسلامية. ومركزاً للمعلومات حول المذاهب الإسلامية وأتباعها ومؤسسيها.

وأصدر المجمع مجلة «رسالة التقريب» باللغة العربية. كما عقد مؤتمرات وندوات، أهمها: ندوة التقريب العالمية في مكة المكرمة، تعقد سنوياً خلال موسم الحجّ، ابتداءً من الموسم المصادف لعام 1991، والمؤتمر العالمي السنوي للوحدة الإسلامية. وقد أعلن المجمع يوم الثاني من ذي الحجة من كل سنة يوماً عالمياً للتدريب بين المذاهب الإسلامية. وبالرغم من أن الجانب العلمي ـ كما يبدو ـ هو محور اهتمام المجمع، إلا أنه يولي الجوانب الإعلامية والسياسية والاجتماعية أهمية أيضاً، تبرز عادةً خلال انعقاد المؤتمر السنوي للوحدة الإسلامية أو دورة انعقاد الجمعية العامة للمجمع. ودخل المجمع مرحلة جديدة من العمل بعد انتخاب المفكر الإسلامي الشيخ محمد علي التسخيري أميناً عاماً له عام 2001.

دور الجمهورية الإسلامية في تنظيم شؤون السنّة في إيران:

  • استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون أهل السنّة، تشغله شخصية سنّية، ثم مستشار رئيس الجمهورية لشؤون أهل السنّة (بعد حذف منصب رئيس الوزراء). ويشرف هذا المسؤول الحكومي على جهاز إداري وشعبي مهمته رعاية شؤون أهل السنّة وحل مشاكلهم على مختلف المستويات، وبخاصة الرسمية. ثم استُعيض عن هذا المستشار بجهاز استشاري مركزي مؤلّف من مجموعة من كبار المستشارين والمسؤولين المرتبطين مباشرة برئيس الجمهورية.
  1. تأسيس مراكز إسلامية علمية وثقافية في جميع مناطق أهل السنّة كالمركز الإسلامي الكبير في غربي البلاد.
  • تخصيص ميزانية خاصة لرعاية شؤون المناطق المحرومة، ولا سيما أن كثيراً من سكان هذه المناطق المحرومة، صحيّاً واقتصادياً وتعليمياً، ولا سيما أن كثيراً من سكان هذه المناطق هم من أهل السنّة.
  1. فتح الباب للشخصيات الإسلامية السنّية للاجتماع دورياً بكبار مسؤولي الدولة، كرئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الشورى الإسلامية، لبحث مختلف شؤون أهل السنّة.
  2. عقد مؤتمر سنويّ لأئمة الجمعة والجماعة السنّة، يجتمع فيه أئمة أهل السنّة في كل مناطق البلاد لبحث شؤون الطائفة وسبل توثيق التلاحم بين عامة أهل السنّة وعلمائهم، إضافة إلى تنقية الأجواء بين المذاهب والقوميات السنّية وعشائرها.
  3. وفي الإطار نفسه تمّ تشكيل «مجلس شورى علماء أهل السنّة» الذي يعقد اجتماعاته دورياً في مختلف مناطق انتشار أهل السنّة، بهدف الإشراف على أوضاع الطائفة وتنسيق عمل العلماء والدعاة. وتحيط الدولة هذا المجلس بكامل الرعاية والاهتمام، حيث يحضر اجتماعاته ـ كعنصر إسناد ـ ممثلين عن القائد والحكومة.

وفي النتيجة، فإن كل هذه المشاريع والمؤسسات تعمل على تحقيق أحد أهم مبادئ دستور الجمهورية الإسلامية، وهو تساوي المسلمين في الجمهورية الإسلامية ـ على مختلف مذاهبهم وقومياتهم ـ في الحقوق والواجبات، وتزيل أي نوع من أنواع التمييز. يقول الإمام الخميني الراحل في حديث أدلى به في سنوات الثورة الأولى: «إن الشيعة والسنّة يعيشون ـ في الجمهورية الإسلامية، إلى جنب بعضهم البعض ويتساوون في الحقوق… وكل من ادّعى ودعا إلى غير ذلك هو عدو لإيران والإسلام. وعلى أخوتنا أهل السنّة أن يقفوا ضد هذه الدعاية ويخنقوها في مهدها».

وكمثال على هذا الواقع، نجد أن التيارات والأحزاب الإسلامية والوطنية تدخل عادةً في الانتخابات (انتخابات مجلس الخبراء ومجلس الشورى والمجالس البلدية)، وخاصة في مناطق تواجد أهل السنّة، بقوائم انتخابية مشتركة، فيها مرشحون سنّة وشيعة.

يقول الشيخ حامد دامني (أحد علماء الدين السنّة في بلوشستان) بأنه اشترك في وفدين إيرانيين إلى الخارج، تألّفاً من أعضاء سنّة وشيعة، لشرح الواقع الإسلامي في الجمهورية الإسلامية. ويضيف: «ذلك يثبت عكس ما يدعيه من في الخارج من أن الثورة الإسلامية في إيران، إنما هي ثورة لنشر التشيّع فقط، وليست إسلامية… نحن لا نشاهد في أي مكان من إيران يشعر فيه الإخوة السنّة بأنهم أقلية أو أنهم من أهل السنّة».

وقد برزت مؤشرات هذا الانصهار بوضوح في مجمل الأحداث التي مرّت بالجمهورية الإسلامية، ومن ذلك إصدار علماً ـ أهل السنة في غربي البلاد فتوى شرعية في عام 1984، وقعها (180) عالماً، بينهم مفتون وأئمة جمعة وجماعة وأساتذة معاهد شرعية، تنصّ على ارتداد نظام صدام حسين في العراق، وجاء فيها: «وفقاً لآيات القرآن فإنه يثبت بأن نظام البعث العفلقي العراقي معارض للقرآن والإسلام، ومحارب للّه ورسول اللّه«.

ولم يقتصر التضامن على المجالات الشرعية والعلمية والثقافية والسياسية، بل بلغ مستوى خاصاً من مستويات الوحدة الإسلامية، وهي وحدة الدم، كما يصف ذلك المقربين. ومن ذلك تضحيات أبناء السنّة خلال أيام الثورة الإسلامية، واشتراكهم مع قوات الحرس الثوري ومنظمة جهاد البناء في التصدي للأحزاب القومية والعلمانية والماركسية المعادية، وتطوعهم في صفوف قوات حرس الثورة و”قوات التعبئة” في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية حين تعرضت لعدوان النظام العراقي. واللافت للنظر أن الجماعات المسلحة المعارضة، كمنظمة الفرقان ومنظمة مجاهدي خلق، وجميع عناصرهما من السنّة قتلت ما لا يقل عن (60) عالماً سنيّاً، للهدف نفسه. وإن ما لا يقل عن (70) عالماً سنيّاً استُشهدوا في جبهات الحرب ضد النظام العراقي إلى جانب ما يقرب من (2500) عالم شيعي استُشهدوا في الخندق نفسه، من أجل الهدف ذاته.

التعليم الديني لأهل السنّة

منذ تأسيسها أعلنت الحكومة الإسلامية عن فتحها باب التعليم الديني لأهل السنة، بكل خصوصياته. على مصراعيه، وأعارته اهتماماً لا يقل عن اهتمامها بالتعليم الديني للشيعة، بل وتبنت الكثير من مجالات التعليم الديني السنّي رسمياً، ومنحت المجالات الأخرى الحرية الكاملة في التعبير عن نفسها بمختلف الوسائل، وتتوزع أساليب تعامل الجمهورية الإسلامية مع هذه القضية الحساسة على ستة محاور رئيسية:

الأول: دعم القائم من المؤسسات الدينية:

بعد الانتصار مباشرة، أعلنت سلطات الثورة الإسلامية عن دعمها لمؤسسات التعليم الديني التابعة للمسلمين السنّة في إيران، من مجامع ومعاهد علمية ومدارس دينية وحلقات درس، ومارست هذا الدعم عملياً، من خلال المساعدات المالية المستمرة، أو منح إمكانات إعادة البناء والتوسيع والطباعة وغيرها. والى جانب ذلك شجعت الدولة إنشاء مؤسسات تعليمية وثقافية دينية جديدة، وحتى وصلت خلال السنتين الأوليين من الجمهورية الإسلامية (1979-1980) إلى ثلاثة أضعاف ما كان قائماً منها في العهد الشاهنشاهي.

الثاني: تأسيس المركز الإسلامي الكبير:

في أعقاب الأحداث الدموية التي شهدتها معظم المناطق الكردية السنيّة في إيران خلال عامي (1979-1980)، والتي تسببت بتجميد نشاط المركز الإسلامي الكبير بضعة أشهر، إلا أنه استأنف عمله واتسعت فعالياته بالتدريج. والخطوة الأولى التي قام بها هذا المركز، دعوة علماء السنّة والشيعة في المنطقة لوضع الخطط المناسبة لهذا العمل الكبير، ثم قام المركز بتبنّي نشاطات علماء السنّة مالياً وإدارياً، وتجميع المؤسسات الدينية في تشكيل إداري واحد، والتي كان يسبب تشتتها الأذى للطلبة والمدرسين ولإدارات تلك المؤسسات. وامتدت نشاطات المركز لتشمل جميع المدن التي يتواجد فيها المسلمون السنّة في المنطقة الغربية، وخاصة محافظة كردستان وآذربيجان الغربية وباختران، وأصبح له فروع في جميع تلك المدن، بلغت خلال السنوات الثلاثة الأولى- حوالي (25) فرعاً. وتتوزع نشاطات المركز على أربعة أقسام، هي: إنشاء ورعاية معاهد العلوم الدينية، إعداد وتخريج علماء الدين، المساجد وصلوات الجمعة والجماعة ونشر الثقافة الإسلامية وفقاً للمذاهب السنّية.

الثالث: التعاون العلمي مع المؤسسات الشيعية:

منذ السنوات الأولى لقيام الجمهورية الإسلامية، أخذ التعاون العلمي بين المؤسسات السنّية والشيعية في البلاد يتسع ويأخذ شكلاً جديداً في التقريب العلمي بين المذاهب الإسلامية. فعلى مستوى الجامعة العلمية في قم المقدسة، فإنها أخذت تستقبل المزيد من الطلبة من أهل السنّة الإيرانيين وغير الإيرانيين، للتفقه على وفق مذاهبهم ودراسة العلوم الإسلامية المقارنة، أو للتخصص العلمي في المذهب الشيعي. كما أن “المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية” يقوم بجهود علمية مشتركة، لاستخراج كل ما هو مشترك بين السنّة والشيعة، من أحاديث وروايات وأحكام شرعية وقواعد فقهية وأصولية وغيرها، لوضع أسس علمية رصينة للتقارب بين المسلمين.

تجدر الإشارة إلى أن حكومة الجمهورية الإسلامية وضعت ابتداء من عام 1983 الإمكانات اللازمة تحت تصرف لجنة ثلاثية مكونة من إمام مدينة “سنندج” وإمام مدينة “سقز” وأحد أعضاء مجلس الخبراء (والثلاثة من كبار علماء أهل السنّة في البلاد) لإقامة دورات علمية مكثفة خاصة، تحت عنوان “دورات تخريج علماء السنّة في المنطقة الغربية والشمالية من البلاد”؛ نتيجة النقص في عدد المدرسين والمبلغين والدعاة والعاملين، على وفق حسابات أصحاب القرار من أهل السنّة في البلاد، والذين طلبوا من الحكومة الإسلامية- على أثره- دعمهم في هذا المشروع.

الرابع: طباعة الكتب:

بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية نشطت دور الطباعة والنشر في ترجمة أمهات كتب أهل السنّة ورجالاتهم وعلمائهم إلى اللغتين الفارسية والكردية وطباعتها. كما نشطت حركة استيراد الكتب السنّية في مختلف مجالات المعرفة الإسلامية، ولا سيما العقائدية والفقهية والفكرية والحركية، سواء التراثية أو الحديثة. وأصبح من السهل ملاحظة كتب البخاري ومالك والطبري وابن تيمية والمودودي وسيد قطب وعلماء الأزهر، إلى جانب كتب الكليني والصدوق والحلي والأنصاري، والإمام الخميني والصدر والمطهري وعلماء النجف وقم، معروضة للبيع في جميع مكتبات البلاد، وخاصة مكتبات طهران وقم ومشهد، برغم أن بعض تلك الكتب يحمل وجهات نظر سلبية تجاه الشيعة والتشيع، ولا سيما كتب ابن تيمية وغيره، إلا أن الجمهورية الإسلامية، ومن منطلق حرية المعتقد والفكر والرأي، لا تمنع بيع هذه الكتب وعرضها في المكتبات. وهو ما تفعله الحكومة مع عشرات المجلات المعادية للجمهورية الإسلامية والتشيع، والتي يُسمح لها بدخول إيران بواسطة البريد، قادمة من مختلف أنحاء العالم، ومن هذه المجلات من تنتقد بشدة ما تسميه بوضع أهل السنّة في إيران.

ويبقى معرض طهران الدولي السنوي للكتاب، هو المهرجان الثقافي الأكبر لعرض وبيع الكتب السنّية، في جميع حقول المعرفة، وخاصة الدينية (عقائدية وحديثية وفقهية) وبكميات ونوعيات قد لا تتوفر حتى في كثير من الدول التي تنتمي حكوماتها إلى المذاهب السنّية. وتجدر الإشارة إلى أن المتتبع للدليل الاسبوعي الذي تنشره وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران حول الكتب المطبوعة في مختلف مدن البلاد، يجد في كل عدد منه مجموعة كبيرة من العناوين لكتب سنّية دينية، بإحدى اللغات العربية أو الفارسية أو الكردية. غير أن بعض هذه الكتب حظيت بشهرة أوسع، نتيجة تكرار طباعتها.

الخامس: تعديل مناهج المواد الدينية:

وهي المناهج المقررة التي تٌدرّس في المدارس الرسمية في هذا المجال على إعداد وطباعة كتب خاصة بالتلاميذ السنّة، وأخرى لعامة التلاميذ، فيما عدلت في هذه الأخيرة أيضاً. فعلى مستوى الكتب الاصة بالتلاميذ السنّة- وهي خطوة لم يسبق لها مثيل في إيران- أعلنت الحكومة الإسلامية في أواسط عام 1980 بأن مقررات التربية الدينية التي تُدرس في مدارس مناطق أهل السنّة، ستُعد وفقاً للمعتقدات المذهبية لأهل السنّة، بما في ذلك الفقه. وفي الوقت نفسه دعا المسؤولون التعليميون في محافظة باختران (كرمانشاه) علماء الدين السنّة إعداد كتيبات في الفقه الشافعي الميسّر، لتدريسها في مدارس المنطقة. وهو ما حصل فيما بعد ثم تحولت التجربة هذه إلى قرار رسمي، نفذته وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المؤسسات السنّية وقد كتب المناهج الدينية مجموعة من علماء أهل السنّة ومثقفيهم. وقد كرّست وزارة التربية والتعليم المناهج الدراسية في التربية الدينية والثقافة الإسلامية والتاريخ والجغرافيا والأدب وعلم الاجتماع والفلسفة والأخلاق، لخدمة التقريب الاجتماعي والسياسي والعلمي والنفسي بين المسلمين، ولخدمة الوحدة الإسلامية، وبأساليب تربوية وتعليمية بالغة التأثير. من جانب آخر أقّرت الحكومة الإسلامية تعيين خريجي المدارس الشرعية (المعاهد الدينية غير الرسمية) من أهل السنّة، مدّرسين ومعلمين في مدارس الدولة.

السادس: التعليم العالي:

وهو على مستويين: الأول يتعلق بتدريس المذاهب السنّية في الجامعات، والثاني بتأسيس جامعات لدراسة العلوم الإسلامية المقارنة، ففي 18 تشرين الأول 1989م. أقر المجلس الأعلى للثورة الثقافية الذي يرأسه رئيس الجهورية الإسلامية، مشروع تأسيس فروع لتدريس المذاهب السنّية في جامعات البلاد، ويكون أساتذته من علماء أهل السنّة. كما أقّر المجلس تعيين علماء أهل السنّة أساتذة العلوم الإسلامية في الجامعات دون النظر إلى شهاداتهم. وخلال الشهر نفسه تم البدء بتنفيذ مشروع جامعة إسلامية كبيرة خاصة بتدريس مذاهب أهل السنّة وعلومها، في مدينة سنندج، تيمناً بأسبوع الوحدة الإسلامية، وتزامناً مع زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الشيخ هاشمي رفسنجاني إلى كردستان خلال تشرين الأول 1989م. وتتلخص أهداف الجامعة في دراسة الفقه السنّي والعلوم المرتبطة به، والعمل على تقويتها ونشرها، وخاصة في مناطق أهل السنّة، من خلال إعداد أساتذة وعلماء ودعاة على مستوى عال من التخصص، إضافة إلى رعاية الأساتذة والمدرّسين والكتّاب والمترجمين والمحققين. وفضلاً عن الطلبة الإيرانيين، فإن الجامعة تستقبل الطلبة من البلدان الإسلامية كافة.

والى جانب الجامعة الإسلامية في كردستان، تأسست جامعة أخرى في طهران باسم: جامعة المذاهب الإسلامية: بأمر من الإمام الخامنئي. وقد بدأ الإعداد لمشروع الجامعة في منتصف عام 1992م. وتم ذلك خلال التشاور مع الكثير من المتخصصين السنّة والشيعة والجامعات الإسلامية في بعض البلدان الإسلامية. وأبرز أهداف الجامعة إيجاد التقارب والتفاهم العلمي بين المذاهب الإسلامية. وتتألف الجامعة من ثلاث كليات: كلية فقه المذاهب الإسلامية، كلية الكلام والعرفان، وكلية علوم القرآن والحديث.

ولا شك أن لمجال التعليم العالي أثراً كبيراً في حركة التفاهم بين المذاهب الإسلامية وعلمائها وأساتذتها، بالنظر للمنهج الأكاديمي والأساليب العلمية المتبعة فيه، بعيداً عن الجدل الطائفي والتعصب والعواطف.

الخاتمة: مشاهد من تجربة الوحدة

هناك جوانب مهمة ربما تكون غير ملحوظة، وقد يعتبرها بعض الباحثين مظاهر شكليةـ إلا أنها- في الحقيقة- تكشف عن مدى إصرار الجمهورية الإسلامية على تنفيذ مشروع الوحدة الإسلامية، وتثبيته موقفاً استراتيجياً في كل المجالات. فمثلاُ أطلقت الحكومة على بعض شوارع العاصمة طهران أسماء شخصيات إسلامية سُنية، مثلاً: الشيخ حسن البنّا (تحت اسم: شارع الشهيد الأستاذ حسن البنّا، وهو من الشوارع الكبيرة والمهمة في طهران) ومحمد إقبال والشيخ عبد الحميد كشك، وغيرها. وكذلك إصدار عشرات الطوابع التي تحمل صور شخصيات إسلامية سُنية تاريخية ومعاصرة، إيرانية وعربية. وصدور عشرات الكتب بمختلف اللغات، وخاصة العربية والفارسية، فيها تراجم لشخصيات سُنية، إضافة إلى مئات الكتب عن الوحدة الإسلامية، صدر معظمها عن المعاونتين الدوليتين في منظمة الإعلام الإسلامي ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ورابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. كما أن جميع الدوريات الصادرة في إيران بمختلف لغات العالم، تُعرّف باستمرار بهذه الشخصيات.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment