التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي سعدي الشيرازي أُنموذجاً

Last Updated: 2024/05/30By

التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي: سعدي الشيرازي أُنموذجاً

دراسة مشتركة بقلم: الشيخ محمد علي التسخيري وعلي المؤمن

بنام خداوند جان آفرین   حكیم سخن در زبان آفرین
خداوند بخشندة دستگیر   كریم خطا بخش پوزش
پذیر

ويقول أيضاً:

الحمدُ لله ربّ العالمين على   ما درَّ من نعمةٍ عزّ اسمه وعلا
الكافل الرزق إحساناً وموهبةً   إن أحسنوه وإن لم يحسنوا عملا

ليس أنسب في هذا المقام من افتتاح الحديث بنموذجين من شعر (أفصح المتكلمین) الفرس سعدي الشيرازي، الأول يتضمن مطلع قصيدته (الديباجه) في ديوانه: «البوستان»، والنموذج الثاني مطلع إحدى قصائده العربية؛ لتكون البداية تيمناً بأدب سعدي في البسملة والذكر والحمد.

إنّ دراسة موضوع التجليات الأدبية للعلاقة الثقافية بين العرب والإيرانيين، وتحديداً في أدب سعدي؛ يستدعي تناول ثلاث محطات رئيسة:

الأُولى: نتوقف فيها عند طبيعة التكامل الثقافي بين العرب والإيرانيين.

والثانية: التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي.

والثالثة: رصد موقع سعدي في ميدان التكامل الثقافي والتفاعل الأُدبي بين العرب والإيرانيين.

وتتطلب أهمية الموضوع وحجمه جهداً واسعاً؛ الأمر الذي لا يسمح به المجال المخصص في هذه الدراسة.

التكامل الثقافي بين العرب والإيرانيين

في هذا المحور، نوضح ابتداءً المراد من بعض المصطلحات الواردة في العنوان، ومنها مصطلح الإيرانيين، الذي استخدمناه بدلاً عن مصطلح الفرس، وهو الاستخدام الأصح في وصف الظاهرة؛ إذ إنّ الإیرانیين هم كل الأقوام التي عاشت في بلاد فارس، ومنهم الكرد والعرب والبلوش والتركمان والتاجيك والأوزبك والآذريين والعيلاميين، إضافة إلى الفرس. والفرس هم الجزء الأكثر عدداً من الإيرانيين، وليسوا كل الإيرانيين، والحضارة التي قامت في بلاد فارس هي حضارة إيرانية، وعناصرها من قوميات مختلفة، رغم أنّ الفرس ظلوا العنصر الذي أمسك بتاريخ إيران ودولتها، وقاد البلاد طوال آلاف السنين؛ كونهم الأغلبية السكانية.

ومن هنا؛ فموضوع التكامل الثقافي بين بلاد فارس والعرب، وإسهامه في بناء الحضارة الإسلامية؛ لم يكن مقتصراً على الفرس، بل كان للقوميات الإيرانية الأُخر تأثیر فيه أیضاً.

أمّا استخدام مصطلح التكامل الثقافي بدلاً من التفاعل الثقافي؛ فيعود إلى نوعية العلاقة الثقافية بين الشعبين؛ إذ إنّها ليست علاقة تفاعل وتواصل واحتكاك وتبادل فحسب، بل هي عملية تكامل وامتزاج بين الشعبين؛ إثر انصهارهما في بوتقة الإسلام. وقد نتج عن هذا الانصهار المتكامل أرقى حضارة عرفتها البشرية على مرّ تاريخها؛ إذ كانت الحضارة الإسلامية إفرازاً لهذا التكامل في الميادين الثقافية والفكرية والعلمية، إضافة إلى الاسهامات المهمة للشعوب المسلمة الأُخر. كما أنّ التأثير والتأثر في إطار المثاقفة والاحتكاك الثقافي؛ يحدث عادة بين شعوب منفصلة عن بعضها، وتنتمي إلى مرجعيات حضارية مختلفة؛ الأمر الذي قد يصح إطلاقه على نوعية العلاقة الثقافية بين المسلمين والثقافة اليونانية ـ مثلاً ـ أو الرومانية؛ في حين أنّ العرب والإيرانیين ـ بعد الإسلام ـ ينتمون إلى مرجعية حضارية واحدة، اشتركوا معاً في رسم شكلها ومضمونها، وكانوا أنفسهم تفاصيل تدخل في دائرة الثقافة الإسلامية.

والحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية التي ينضوي العرب والإيرانيون تحت لوائها، هي حضارة أُمّة وثقافة أُمّة وليست حضارة قوم وثقافة قبيلة، وهذه الأُمّة هي الأُمّة الإسلامية الشاملة للعديد من الشعوب والقوميات، ومنهم العرب والإيرانيين معاً، دون تمييز بين شعب وآخر. ولم يكن البناء الحضاري الإسلامي حكراً على شعب دون آخر، بل ساهمت الشعوب المسلمة ـ بقدر وآخر ـ في تشييدها. وقد ظل مصطلح الثقافة الإسلامية حتى فترة متأخرة، هو الغالب، ولم تكن هنالك ساحات ثقافية إقليمية مستقلة عن بعضها، كالثقافة العربية أو الفارسية أو المصرية، بل كانت الثقافات الإقليمية والمحلية موحدة في ركائزها ومظاهرها العامة، إلى جانب احتفاظ كل شعب مسلم بمساحة ثقافية قومية وقبلية موروثة تفرضها بیئته وتقالیده ولغته وأدبه، وهي مساحة أبقى عليها الإسلام، في الحدود التي لا تتعارض مع عقيدته وشریعته.

ومن منطلق التكامل والامتزاج هذا، كان تأثیر النخبة الإيرانية في بناء الحضارة الإسلامية، وفي ثقافة المسلمين عموماً، وفي الثقافات العربية المحلية أيضاً، وهو تأثير يختلف تماماً عن تأثير اليونانيین واليهود والسريان والصابئة وغيرهم؛ فالإيرانيون دخلوا الإسلام وأخذوا موقعهم في إطار الواقع الإسلامي الذي صهرهم في بوتقته؛ وإن احتفظوا بقسم من موروثهم ونقلوا منه ما لا یتعارض ـ غالباً ـ مع الثوابت الإسلامية، في حين كان تأثير ثقافات الشعوب غير المسلمة تأثيراً غير مباشر، وناتجاً عن الترجمة، وتحديداً  في مجالات معينة، كالطب والفلسفة، فضلاً عن أنّ الشعوب غير المسلمة التي أثرت في حضارة المسلمين لم تكن معنية بالشأن الإسلامي، بینما كان الإیرانیون معنيین مباشرة بالشأن الإسلامي، وكان تأثيرهم شاملاً لكل حقول المعرفة الإسلامية والإنسانية، ابتداءً بعلوم القرآن والفقه والحديث والعربية وانتهاءً بالتاريخ والفلسفة والعرفان والسلوك، مروراً بالطب والهندسة والفلك. ويكفي أن نذكر أنّ كثيراً من رواد علم قواعد اللغة العربية (النحو والصرف) كانوا من البلاد الإيرانية، كسيبويه وولده وأبرز تلامذته، وكذا لو أدخلنا كتابة الحديث الشريف كجزء من التدوين بالعربية، فسنرى أنّ معظم الموسوعات الحديثية الإسلامية كتبها علماء إيرانيون، وفي مقدمتهم أصحاب الصحاح الستة لدى السنة والكتب الأربعة لدى الشيعة.

ووصل التكامل بین العرب والإیرانيين ذروته في عصر الدولة العباسية، بفعل انفتاح الحكم على الشعوب الأُخر، ولا سيّما الإيرانيين، والهجرات الكمية والنوعية، فقد أصبح حضور النخب العلمية والسياسية والأدبية الإيرانية واضحاً جداً في عاصمة الخلافة وغيرها من مدن العراق والشام، فضلاً عن الناس العاديين، كما أصبحت هجرة الكثير من الأُسر والعشائر العربية إلى إيران ظاهرة واضحة أيضاً. سواء كان ذلك، بدوافع دينية وسياسية أو بدوافع اقتصادية أو اجتماعية. وهذه الهجرات الكبيرة المتبادلة أدت إلى تفاعل اجتماعي واسع وعميق وباتت الكثير من صور الحياة الإيرانية حاضرة في المجتمع العربي، والعكس صحيح أيضاً.

التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي

في هذا المحور نستخدم كلمة التفاعل؛ لأنّ نوعية العلاقة بين الأدبين كانت احتكاكاً وتواصلاً وتبادلاً، إذ بقی كل أدب يحتفظ بلغته، وصوره وعناصره الخاصة، رغم التداخل غير العادي الذي حصل بينهما. وقد يبالغ بعض المؤرخين والنقاد حين يرجعون تطور مضامين الأدب العربي ومعانيه في العصر العباسي إلى تأثير الثقافة الفارسية، ويستشهدون على ذلك بالكثير من الأدلة، فيما بخس آخرون حق الثقافة الفارسية في التأثير على الأدب العربي، والحقیقة أنّ التاريخ والنقد الأدبي الرصين ومنهج الأدب المقارن، سیكشف شكل حقيقة موضوعية أساسية تشير إلى عمق حالة التأثير بين الأدبين، دون أن يذوب أحدهما في الآخر.

ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى القصص والروايات الفارسية التي نقلت إلى العربية، وانتقال كثير من معاني وجسور الأدب الفارسي إلى الأدب العربي، فضلاً عن كمٍّ لا يستهان به من المفردات اللغوية. وفي المقابل كان التأثير العربي كبير في الأدب الفارسي، فقد أصبحت اللغة الفارسية مزيجاً من اللغتين البهلوية القديمة والعربية الحديثة، كما استخدمت الفارسية في بناء قواعدها اللغوية معظم مصطلحات وقواعد النحو والصرف العربية، وانتقلت إلى الشعر الفارسي الكثير من معاني وأغراض الشعر العربي، فضلاً عن البحور الشعرية حتى نرى أنّ تلك المرحلة شهدت ظهور أدب عربي جديد وأدب فارسي جدید أیضاً، بل وأدب إسلامي عالمي، كان أبطاله شعراء عرب متأثرون بالأدب الفارسي، وشعراء إیرانیون متأثرون بالأدب العربي، ومنهم من نظم بلغته الأُم، ومنهم من نظم ونثر باللغتین، كشاعر إیران الأكبر حافظ الشيرازي، فضلاً عن سعدي الشيرازي وعمر الخيام، ومنهم من لم ينظم بلغته الأُم، بل اكتفى بالعربية، كبشار بن برد وأبي العتاهية وأبي نؤاس وبديع الزمان الهمداني وغيرهم. وبمراجعة استعراضية لبعض كتب التراث الأدبي، كـ «الأغاني» لأبي الفرج الإصفهاني وغيره، سنقف على كثير من الحقائق في هذا المجال.

سعدي الشيرازي: نموذج التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي

الأديب الشاعر الشيخ أبو عبد الله مشرف الدين بن مصلح الدين الشيرازي الملقب بسعدي والمعروف بشيخ شیراز وأفصح المتكلمين، والذي عاش في القرن السابع الهجري، هو نموذج معبر بوضوح كبير عن نوعية العلاقة بين الأدبين العربي والفارسي، إذ ينطوي أدب سعدي على تفاعل عميق بين الأدبين، ومثاقفة فارسية ــ عربية متوازنة. فبفعل عوامل متعددة امتزجت فارسية سعدي ثقافياً وأدبياً بالحياة العربية، وتأثرت بها بشدة، فأنتج هذا الامتزاج والتأثر أدباً متميزاً تمظهر في شعر ونثر راقيين باللغتين العربية والفارسية.

وتنقسم العوامل التي وضعت سعدي في دائرة التأثر الكبير بالأدب العربي إلى عوامل خارجية أو موضوعية، أهمها طبيعة الزمن الذي عاشه سعدي أو الذي تكوّن فيه وعيه الثقافي والأدبي، فهذه الفترة تميزت بجغرافية سكانية متحركة، نشأت من إقامة قطاعات واسعة من الشعوب المسلمة في مواطن غير مواطنها الأصلية، ولا سيّما تواجد الإيرانيين والأتراك في البلاد العربية، والعرب في البلاد الإيرانية والتركية، وكان لأبناء هذه الشعوب دور كبير وتأثير ملحوظ في مجالات الحياة المختلفة، العسكرية منها والاقتصادية والفكرية والعلمية والأدبية والاجتماعية. فعلى المستوى السياسي ـ مثلاً ـ كان العرب والإيرانيون والأتراك يتناوبون على الإمساك بالقرار في البلاط العباسي، حتى كانت الفارسية هي لغة البلاط في كثير من الفترات، كما في عهد البرامكة وبني سهل والبويهيين، في حين كان للعرب وجوداتهم السياسية ودولهم في إيران. كما كانت النخبة الإيرانية تنتقل بين البلاد العربية أو تقيم ـ غالباً ـ في عاصمة الدولة الإسلامية، وتساهم بشكل أساس في رفد الحضارة الإسلامية بعناصر القوة وآليات التقدم والتطور.

في مثل هذه الأجواء نشأ وترعرع سعدي الشيرازي وتكونت ثقافته، فكانت ثقافة إسلامية امتزج فيها العنصران الفارسي والعربي، وبهذا يمكن القول بأنّ الزمن الذي عاشه سعدي خدمه بشدة في مجال تأثره بالأدب العربي.

أمّا القسم الآخر من عوامل التأثر فيتمثل في العوامل الذاتية أو الشخصية، وهي أربعة:

1ـ دراسة سعدي القرآن الكريم وإتقانه اللغة العربية، فقد شغف سعدي الشيرازي بالقرآن الكريم منذ صغره، وتعلّمه وحفظه على والده، كما درس اللغة العربية وآدابها وعلومها وأتقنها.

2ـ دراسة العلوم الدينية، فقد بدأ سعدي بدراسة العلوم الدينية في وقت مبكر من عمره في مدينة شيراز ثم بغداد. ولغة هذه العلوم هي العربية، الأمر الذي جعل اللغة المعرفية والفكرية لسعدي هي اللغة العربية، التي تقوّت بها بنيته الفكرية والعلمية. وقد ترك سعدي موطنه شيراز وارتحل إلى بغداد، بهدف الدراسة وتحصيل العلم، فتنقل بين مدارسها وزواياها، بدأً بالمدرسة العضدية ثم النظامية والمستنصرية. وأتاح له ذلك دراسة علوم القرآن الكريم والحديث والفقه وغيرها، فضلاً عن العربية وآدابها وأغراضها من نحو وصرف وبلاغة وشعر ونثر.

3ـ إقامة سعدي في البلاد العربية، فقد كانت الكوفة وبغداد أول محطتين لسعدي بعد رحلته من شيراز، فمكث في بغداد عدة سنين، ولم يتركها إلّا للخلاص من فتك الغزو المغولي. ويندب سعدي بغداد المحتلة التي تعلق بها وببيئتها والحياة فيها بقوله:

حُبِستْ بجفني المدامعُ لا تجري   فلما طغی الماءُ استطالَ علی الصبر
نسیمُ صبا بغدادَ بعد خرابها   تمنیت لو كانت تمر علی قبري

وفي قصيدة أُخرى يقول:

وقفت بعبادان أرقب دجلة   كمثل دم قان يسیل إلى البحر

وهو المعنى الذي يكرره في قصيدة بالفارسية:

دجله خونابست از این پس گرنهد سردر نشیب

خاك نخلستان بطحا را كنـد در خــون عجین

ولكن هذا الشغف لم يكن ينسه موطنه شيراز، فقد كان قلبه مشدوداً إليه وإلى أهله، فيقول:

متى حللت بشيراز يا نسيم الصبح         خذ الكتاب وبلغ سلامي الأحباب

ومرة أُخرى يشد سعدي الرحال صوب البلدان العربية، بدأها باليمن ثم الحجاز، مروراً بالحبشة، ثـم الشام، حيث أقام سنين طويلة في دمشق، وتنقل بينها وبين مدن لبنان وفلسطين. وبعد أن امتد به العمر وشاخ، ترك الشام باتجاه المغرب ثم مصر، وفي أكثر من قصیدة يذكر سعدي سفره إلى مصر وولعه بها، ومنها قوله:

به دل گفتم از مصر قند آورند   بر دوستان ارمغانی برند
مرا گرتهی بود از آن قند دست   سخنهای شیرین تر از قند هست

أي أنّه إن لم يجلب السكّر معه من مصر، فإنّه جلب منها كلاماً أحلی من السكر. وبعدها يعود إلى إیران ماراً بالعراق:

 قضا نقل كرد از عراقم به شام   خوش آمد در آن خاك پاكم مقام
 مــع القصة چـــندی ببودم مقيم   به رنج و به راحت، به امید وبیم
 دگر پر شد از شام بيمانه ام   كشید آرزومندی خانه ام
 قضا را چنان اتفاق اوفتاد   كه بازم گذر بر عراق اوفتاد

4ـ شغف سعدي بالأدب العربي، إذ إنّ الشغف والحب هو الذي يدفع إلى التأثر الواعي، وهكذا كان سعدي يعي تأثره بالأدب العربي؛ لأنّه عشقه، فتحول هذا العشق في كثير من الحالات إلى تباهي وتشبه بالأُدباء العرب في معانيهم وأغراضهم وأمثالهم ومأثوراتهم الشعبية، بل وحتى ألفاظهم أحياناً، وهو ما سنأتي عليه لاحقاً.

أمّا المصادر التي استلهم منها سعدي مجالات تأثره بالأدب العربي فهي كثيرة، وأبرزها: القرآن الكريم والحديث الشريف ونهج البلاغة وكتب التراث ونتاجات الأدب العربي نفسه.

ونشير هنا إلى نماذج من انحيازسعدي الكامل إلى هذه المصادر، واقتباسه منها واستعارته مفاهیمها وصورها وألفاظها:

گناهم ببخش ای جهان آفرین                         ‍
كه گر با من آيد (فبئس القرین)
ومن قصيدة يمدح بها نورالدين بن صياد:

طـوبى لمن جمع الدنيا وفرّقها                         ‍
في مصـرف الخير (لا باغ، ولا عاد)
وله في المواعظ يقول:

كس را چه زور و زهره كه وصف (علی) كند                         ‍
(جبار) در مناقب او گفته (هل اتی)

ففي هذه الأبيات يستخدام سعدي معانٍ وألفاظ قرآنية صريحة. كما أنّه يصور في شعره ونثره الكثير من القصص التي يذكرها القرآن، كقصة الإسراء والمعراج مثلاً:

 شبي برنشست از فلك برگذشت   به تمكین و جاه از ملك درگذشت
چنان گرم در تيه قربت براند   كه بر سدره جبریل از او بازماند

ومن الحديث الشريف اقتبس سعدي الكثير أيضاً، فيقول مثلاً:

 بني آدم اعضای یكدیگرند   كه در آفرینش ز یك گوهرند
چو عضوی به درد آورد روزگار   دگر عضوها را نماند قرار

وهو مضمون الحدیث: ((إنّما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم بمنزلة الجسد الواحد، إذا اشتكی منه عضو واحد، تداعی له سائر الجسد بالحمى  والسهر))([1]).

ويعبّر سعدي في كثير من أشعاره عن حب كبير للرسول الأعظم وآله الكرام، فيقول واصفاً النبي:

كريم السجايا جمیل الشیم   نبيّ البرایا شفیع الأُمم
إمام رسل پيشواى سبيل   امين خــدا مهبط جـــبرئيل

وينشد أيضاً البيتين الشهيرين:

بلغ العلا بكماله    ‍
حسنت جميع خصاله    ‍
    كشف الدجی بجماله
صلوا عليه وآله

كما يتوسل بآل البيت إلى الله ـ تعالى ـ منشداً:

يارب به نسل طاهر أولاد فاطمه  ‍    يارب به خون پاك شهیدان كربلا

وفي قصيدة أُخرى يقول:

خدایا به حق بنی فاطمه  ‍
اگر دعوتم رد كنی در قبول  ‍
   كه بر قول ایمان كنم خاتمه
مرا دست و دامان آل الرسول

أمّا أخذه من «نهج البلاغة»، فيكفي أن نشير إلى المقارنة العلمية الرائعة التي عقدتها باحثة مصرية بين كتاب الإمـام علي إلى عامله على مصر مالك الأشتر النخعي، وباب العدل من «بوستان» سعدي، إذ تقول: بأنّ الشاعر لم يقتطف من أقوال أو معاني كتاب الإمام علي فحسب، بل أفرط في نثر درر الكتاب بین ثنايا باب العدل في «بوستان»، ووظف لذلك جميع ملكاته الأدبية وتجاربه الشعرية، بل امتدّ تأثر سعدي بكلمات الإمام علي الأُخر إلى أغلب أبواب البوستان ورسائله، وخاصة الرسالة الخامسة، إذ ترى الباحثة أنّ سعدي عثر على ضالته المنشودة في نهج الإمام علي وبلاغته وحكمته وسيرته. تجدر الإشارة إلى أنّ باب العدل يتألف من (970) بيتاً موزعة على خمسين مقطوعة شعرية.

كما يعدّ الأدب العربي مصدراً مهماً آخر لسعدي، فقد كان سعدي قارئاً نهماً للنتاج الأدبي العربي، وتماهى بصوره وألفاظه ومعانيه، ويقول:

أيها الظاعنون من حي لیلی ‍    عجباً كیف تستطیعون صبرا

ويقول:

أعمرك إن خوطبت ميتاً تراضياً ‍    سيبعثني حياً حديث مخاطبي

ويقول:

بليت بنحوي يصول مغاضباً ‍     عليّ كزيد في مقابلة العمرو

وكأنّه يتمثل قول شاعر العرب الأكبر أبي الطيب المتنبي:

أُغَالبُ فيكَ الشوقَ والشوقُ أغلبُ    وَأعجبُ من ذا الهجر وَالوصلُ أعجبُ

وكذا في قول أبي العلاء المعري:

خفِّفِ الوطءَ مَا أظنُّ أديمَ ‍    الأرضِ إلّا من هذِهِ الأجسَادِ

فينشد سعدي:

خاك راهى كه بر او مى گذرى ساكن باش

كه عيـون است و جفون است و خـدود است و قـدود

ونختم الحديث عن المظاهر التي ميزت تأثر سعدي بالأدب العربي، بنصه الملمع المميز التالي:

«… و بی سفینهٔ پر دفینه به آخر بحر زاخر نشاید رسید. كه الطلب رد والسبيل سد، تا اینها كه سلطان وشان سدهٔ سیادتند، در ادراك این سعادت، یکی دست موافقت در فتراك مرافقت مسكین جالس مسكيناً می زند، و یكی گوهر شب افروز، آدمٌ ومن دونه تحت لوائي، در عقد عقد شبه شبرنگ، اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكین نظم می دهد».

في النص السابق؛ نجد أنّ الكلمات والجمل العربية يزيد عددها على الكلمات والجمل الفارسية. وكذا في قوله:

   شفیع الوری خواجه بعث و نشر  ‍      إمام الهدی صدر دیوان حشر

هذا فضلاً عن صور الأدب العربي وأغراضه التي تضمّنها أدبه الفارسي.أمّا شعر سعدي الملمع الذي يحتوي أبياتاً عربية وأُخرى فارسية أو شطراً عربياً وآخر فارسياً، فإنّه يتوزع على عشر مقطوعات وقصائد، منها المقطوعة الختامية في ديوانه:

به پایان آمد این دفتر حكایت همچنان باقي                         ‍
به صد دفتر نشاید گفت حسب الحال مشتاقي
كتاب بالغ مني حبيباً معرضاً عني                         ‍
أن افعل ما ترى، إني على عهدي وميثاقي
نگویم نسبتی دارم به نزدیكان درگاهت                         ‍
كه خود را برتو می بندم به سالوسي وزراقي
أخـلّائي وأحبـابي ذروا من حبه ما بي                         ‍
مریض العشق لا یبرى ولا یشكو إلى الراقي

وهذا النوع من الشعر الملمع استخدمه كثير من شعراء الفارسية، كشاعر الفرس الأكبر حافظ الشيرازي ـ مثلاً ـ الذي يفتتح ديوانه بقصيدة ملمّعة مطلعها:

ألا يـا أيها السـاقي أدر كاسـاً ونـاولها

كه عشق آسان نمود اول ولي افتاد مشكلها

إلّا أنّ سعدي كان أكثرهم استخداماً له وشغفاً به. والمظهر الأخير الذي عزّز تأثر سعدي بالأدب العربي، تمثل بإنتاجه الشعري العربي، إذ بلغ ستاً وعشرين مقطوعة وقصيدة عربية خالصة.

وقد اختلف النقاد في تقويم مستوى الشعر العربي لسعدي من الناحيتين الفنية والمضمونية، ولكن لا بدّ للنقد أن يأخذ بنظر الاعتبار أنّ سعدي لم يكن عربياً بلغته كشعراء العربية الآخرين، أمثال: المتنبي والبحتري والمعرّي، كما أنّه لم يترك لغته الأُم وآدابها كبشار وأبي تمام، بل ظل مشدوداً للغته وبيئته، فكان معظم إنتاجه بالفارسیة، وفيه یكمن إبداعه الحقيقي.

من هنا، لا يمكن تقويم شعره العربي بالقیاس بشعر هؤلاء الشعراء، بل ولا تقويمه بالقياس لمستوى شعره الفارسي الرفيع. ولم يفت سعدي أنّه سيتعرض يوماً لمثل هذا النوع من التقويم والقياس، ولذا نجده يقول في إحدى قصائده العربية:

وما الشعر ـ ايم الله ـ لست بمدع  ‍
هنـالك   نقّـادون  عـلماً  وخـبرة  ‍
   ولو كان عندي ما ببابل من سحر
ومنتخبو القول الجميل من الهجر

ختاماً؛ ندعو أُدباءنا العرب والإيرانيين للمزيد من التواصل والاحتكاك؛ لتعود حالة التفاعل بين الأدبين العظيمين كما كانت عليه في السابق، وأعتقد أنّ الخطوة الأُولى تتمثل بتعرّف أُدباء كل شعب على أدب الشعب الآخر.

وهنا لا نشك في أنّ حاجز اللغة يحول دون حصول تفاعل حقيقي بين الأدبين أو تكامل ثقافي حقيقي بين الشعبين، ولرفع هذا الحاجز يتوجب إشاعة ثقافة تعلّم لغات الشعوب الإسلامية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}([2]).

([1]) الطبرسي، «مجمع البيان في تفسير القرآن»: ج1، ص288. وانظر: المتقي الهندي،«كنز العمال»: ج1، ص149، ح737.

([2]) الحجرات: 13.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment